في العدوان على قطاع غزة: إنفتاح إعلامنا وانغلاق إعلامهم

27.07.2014 03:09 PM

وطن - كتب:د.حسن عبد الله:في العام 1967، كفر المواطنون العرب بالاعلام العربي، الذي صنع انتصارات على صفحات الجرائد ومن خلال ميكروفونات الاذاعات، حيث بالغ الاعلام العربي في الحديث عن طائرات معادية تتساقط كالذباب، وعن دبابات تتكسر وتتشظى كما لو انها العاب أطفال بلاستيكية.

وفي حرب الاستنزاف استخلص الزعيم الراحل جمال عبد الناصر العبر ليس عسكريا فحسب بل وإعلاميا، فاستبعد الاعلاميين المهرجين صانعي الانتصارات المزعومة، وصار الاعلام أقرب الى الموضوعية في نقل حقيقة ما يجري على أرض وفي سماء المعركة، اضافة الى الدور التعبوي والتثقيفي الذي اضطلع به الاعلام في تلك الفترة في شحذ الهمم وترميم ما خلفته الهزيمة معنويا.
ومع ذلك ظل الإعلام الرسمي محط شك في مصداقية من منظور المواطن، وصولاً الى مرحلة انفتاح افق الفضاء، في ظل تكنولوجيا الاعلام وتعدد الفضائيات، التي أخذت تتبارى في تحقيق السبق الاعلامي وفي تأكيد مصداقيتها وموضوعيتها.

تعلم العرب كيف يستثمرون التكنولوجيا الاعلامية، وكيف يبلورون ويطورون مدارسهم وتوجهاتهم الاعلامية في مساحة لا حدود لأفقها.

الاعلام الاسرائيلي في المقابل، بدأ تجربته منفتحا ومصدقًا من قبل الاسرائيليين، لكن في الحروب وبخاصة عندما تغيب الانتصارات السريعة الخاطفة، يصبح اعلاما تضليلياً من جهة، ومغلقا من جهة أخرى ، متخندقا خلف المؤسستين العسكرية والسياسية الاسرائيليتين، لا يخرج على توجهاتهما قيد أنملة.

ففي حرب ال 73، غطى الإعلام الاسرائيلي على الخسائر العسكرية ، وقلل من قيمة ما حققه العرب في ميدان القتال.وفي اجتياح الجنوب اللبناني في العام 82، رفع الإعلام الإسرائيلي ما تحقق عسكريا الى مصاف البطولة والمعجزة وصوّر الند بالمتآكل امام ضربات الجيش الاسرائيلي، رغم ما أبدته المقاومة الفلسطينية واللبنانية من صمود على أرض المعركة، لا سيما في الدفاع عن بيروت.

أما في الإنفاضة الاولى فقد قزّم الاعلام الاسرائيلي الفعل الشعبي والابداعات الميدانية التي تجسدت على الأرض، ولم يكن هذا الاعلام موضوعيا في تناول الابداعات الشعبية الانتفاضية والمظاهر التنظيمية والاجتماعية والثقافية والكفاحية والاقتصادية والاخلاقية التي انتجها وصاغها الفعل الانتفاضي.

أما في حرب تموز في العام 2006، فقد سجل الاعلام المقاوم نقاطا مهمة على الاعلام الاسرائيلي، لدرجة ان الاسرائيليين صاروا ينتظرون ما سيعلنه السيد حسن نصر الله وتلفاز المنار، لأن اعلامهم اغلق على نفسه باحكام لصالح الرواية العسكرية الاسرائيلية.
لكن حال الاعلام الاسرائيلي في العدوان المستمر على قطاع غزة، وصل حدا غير مسبوق في التكتم والانغلاق والانصياع المطلق للرقابة والانسياق خلف المؤسسة العسكرية، يسوق جرائمها ويبررها وينقل الاكاذيب والمعلومات الخاطئة للجمهور لينام ويقوم على اخبار وتقارير غارقة في الكذب والتزوير ومجافاة الحقيقية، حيث حكم عمل هذا الاعلام :- التضليل، البطء، التبرير للجريمة، اخفاء الخسائر، التغطية على اخفاق الجيش، انكار بطولات وصمود المقاومة ، تسويق قتل المدنيين كما لو أنه انجاز بطولي.

وفي حين اتسم الاعلام الفلسطيني والعربي بالسرعة والديناميكية، الصدق في نقل وقائع المعركة، نقل الجريمة بالبث المباشر، استبسال الاعلاميين الفلسطينيين والعرب في الميدان ، الامكانات والقدرات التحليلية الاستقرائية اللافتة.

لقد ابدى مراسلي فضائيات فلسطينية وعربية شجاعة منقطعة النظير في نقل الحقيقة، وتجشم الصعاب، ومواجهة الموت بالتماهي مع المهنة.

وبذلك نستطيع القول إن الاعلام الفلسطيني والعربي تطور بسرعة، ونجح في التعامل مع التكنولوجيا والاستفادة منها في أصعب الظروف واحلكها، وتسنى له الانطلاق من بين الركام وتحت قذائف صواريخ الدبابات والطائرات، لينجح بالتالي في تحويل المعركة من جانب، ومأساة المواطن الأعزل من جانب أخر، الى كلمة وصورة تسمع وترى بالبث الحي.

إعلام ينجح بامتياز مقابل اعلام اسرائيلي يرسب في امتحان الحقيقة، لانه يقبع في القاع ممسكا بذيل الباطل. ويمكن ارجاع عوامل النجاح الإعلامي الفلسطيني والعربي الى تحرر وسائل الإعلام بخاصة الفضائية من القيود المفروضة على الاعلام الرسمي، وقبل ذلك الاستناد الى قضية عادلة، وكذلك بروز فريق من الاعلاميين الشبان، الى جانب اعلاميين مخضرمين عايشوا الانتقاضة الاولى والثانية وصولا الى هذه المرحلة، تعلموا وتتلمذوا واصلب عودهم في الميدان، فيما دور كليات الاعلام في الجامعات الفلسطينية  هو شديد الأهمية في التأسيس لتجربة اعلامية مهنية صاغت أروع علاقة جدلية بين المهني والوطني، في إطار التناغم والتلاحم بينهما.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير