فلسطين تهب العالم العنفوان

31.07.2014 05:01 PM

كتبت: رئيسة التحرير سائدة حمد

بات من الواضح للقاصي والداني ان ما يجري قطاع غزة الفلسطيني من عمليات قتل جماعي وتمثيل بشع وغير مسبوق في الجسد الفلسطيني المثخن بالجراح، الممتد من جباليا حتى رفح، وتدمير منهجي لكل أشكال الحياة البشرية، هو تركيع الفلسطينيين في هذا الجزء من فلسطين كما جرى تركيع الفلسطينيين في الضفة الغربية من خلال خطة "خارطة الطريق" التي رسمها مهندس مجازر صبرا وشاتيلا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون، بعد اجتياح دباباته مدن الضفة عقب انتفاضة الأقصى عام 2000.

في ذلك الزمن، تمكنت قوات الاحتلال، رغم المقاومة الباسلة التي سطرها عدد من أفراد الأجهزة الامنية الفلسطينية في الرد على عمليات التنكيل وراح العشرات منهم بين شهيد وأسير، من التقاط صور "التركيع" الحرفي للفلسطينيين في الساحات المدمرة امام دباباته ومجنزراته، ليس لأنهم أقل بسالة من المقاومين في غزة اليوم، فالدم الفلسطيني واحد وهو لا يقبل الركوع، ولكن لأن القيادة الفلسطينية قبلت بما لا يقبل به قبل ذلك بثماني سنوات، أي قبلت بالتوقيع على اتفاقات أوسلو التي حولت النضال الفلسطيني ضد الاستعمار الى "إرهاب". وتم اجهاض الصمود الفلسطيني باستسلام سياسي.

في وقتها أيضا، وبالعودة الى "خارطة الطريق"، وافق الفلسطيني الرسمي "بلا تحفظ" على جميع بنودها، بما في ذلك إخضاع افراد "الأجهزة الامنية" إلى عملية غسيل دماغ، قوامها زرع روح الهزيمة من جهة، وتوفير الزي والبساطير العسكرية بأموال أميركية، وتحويل كامل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية إلى مجرد أناس لا يريدون سوى الأكل والملبس والسيارات، وفتحت البنوك أبوابها للقروض. وفي محاولة لاستبدال طوق الفلسطيني الى الحرية بكرامة وتحرير أرضه، الى تطلعه لصرف راتبه الشهري من ذات القوى التي أسهمت بقهره والإبقاء على احتلاله. وإذا ما رفع صوته، قطعت اليد التي تمده بهذا الراتب الذي يوفر لقمة العيش له ولأطفاله.

باختصار، تم "ترويض" الفلسطيني في الضفة، وأجبر مكرهًا على القبول بالعيش في سجن اسمه الضفة، تلتهم المستوطنات أرضه أمام عينيه، وينتصب الجدار الكريه في وجهه أينما حل، أصبح سجينا، لا يستطيع التحرك إلا بالقدر الذي يسمح له به الإسرائيلي المحتل الممعن في إهانته وإذلاله، وقتله بدم بارد.

وهذا هو المطلوب الآن من الفلسطينيين في قطاع غزة، القبول بخطة "خارطة طريق" ثانية. أي "كلوا واشربوا وشيدوا البيوت التي دمرناها فوق رؤوسكم وابنوا مؤسسات دولة غزة العظيمة... ولكن انسوا فلسطين وانسوا الاحتلال، والقوا السلاح"، أو بعبارات أدق توقفوا عن مقاومة الاحتلال، كما جاء على لسان وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون التي قالت بوضوح في تصريح صحافي أن السبب من وراء العدوان الإسرائيلي على غزة أن الفلسطينيين هناك "يصرون على استمرار المقاومة". وعكس المقاومة هو الاستسلام.

تحركت الدموع في مقلة الناطق باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وأجهش في البكاء على الهواء مباشرة، لهول ما شاهده بأم العين من فظائع الاحتلال الممارسة على أجساد أطفال فلسطين، في رد انساني طبيعي صدر عن مهني شاهد الكثير من الموت في حياته المهنية.

ولكن، ليس طبيعيا، ولا انسانيا، ولا "حكيما" ولا "دبلوماسيا" و "واقعيا"، أن يخرج السفير الفلسطيني في مصر السيد جمال الشوبكي من على شاشاة احدى الفضائيات العربية ويقول بعد 24 من القتل المنهجي، وبعد 24 يوما من التفاوض "كان بالامكان القبول بالمبادرة المصرية، ثم التعديل عليها".

الانسانية والحرص على دم الفلسطيني لا يكون بالمزاودة على انسانية من دمرت منازلهم فوق رؤوسهم، ولا على هؤلاء الامهات اللواتي فقدن فلذات أكبادهن، ولا على هؤلاء المقاومين الذين يفقدون في كل يوم أفرادا من عائلاتهم، ويضحون بأرواحهم، من خلال هذه الأقوال. كان الأجدى بالسفير الفلسطيني وقيادته التي تقف وراءه ان ترفع الصوت عاليا في وجه القيادة المصرية  الحاكمة، وتقف الى جانب شعبها وتطالب بأبسط حقوق البشر: رفع الحصار ووقف الموت البطيء. نحن نحتاج الى مصر، نعم، والف نعم.  ولكن نحن لسنا بحاجة الى قيادة مصرية يستشهد ويتقوى بمواقفها هذا الوحش القاتل، ليبرر استمرار مجازره المستمرة منذ 25 يوما.

نحن بحاجة الى قيادة فلسطينية. نعم والف نعم، ولكننا لسنا بحاجة الى قيادة وقعت على خريطة الطريق في 2002 وبدات بتنفيذها الحرفي منذ 2003 وحتى يومنا هذا في الضفة الغربية. لسنا بحاجة الاعلان عن غزة منطقة منكوبة، نحن بحاجة الى من يقف في وجه الفاعل وليس وصف الواقع.

نحن بحاجة ان نقول للادارة الاميركية التي قررت تعزيز امدادتها العسكرية لآلة الحرب الاسرائيلية التي تدك غزة في كل لحظة: ماذا لو قتل 264 الف أميركي وجرح 361 الف اميركي في 24 يوم. وهذه هي نتيجة حساب رياضيات لنسبة عدد الفلسطينيين في قطاع غزة مقارنة بعدد سكان الولايات المتحدة.. والاعداد في تزايد.

ليس جديدا على الفلسطينيين كل هذه المؤامرات العربية قبل الدولية، ليس لتصفية قضيته فقط، بل وتصفية حياته، ولكن الجديد ان مدبري ومنفذي هذه المؤامرات يمسكوننا من اليد التي توجعنا.. يمثلها خطاب رسمي انهزامي مذل. والجديد أيضا، أن الشعب الفلسطيني قرر التخلي عنها كي لا تمنعه من استكمال الطريق.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير