الفشل الإسرائيلي في شوارع غزة وأوروبا - بقلم: شادي أبو عياش

15.08.2014 12:02 PM

عناوين النقاش في شوارع اوروبا خلال العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة تمثلت بعدة قضايا أبرزها انحياز الاعلام الغربي ومقاطعة اسرائيل وحركة التضامن مع الشعب الفلسطيني. ما أن بدأت طائرات الاحتلال الاسرائيلي بإمطار قطاع غزة بقنابل الموت حتى نزل الالاف من الاوروبيين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني الى شوارع عواصم بلدانهم للتنديد بالعدوان، ليكتشف الفلسطينيون ان عمقهم الاستراتيجي لا ينحصر بالشقيق العربي بل يتعداه الى المستوى الشعبي العالمي.

ورغم ذلك لا يجب ان تدفعنا صور الاف المتظاهرين المتضامنين الذين جابوا شوارع لندن وباريس وبرلين ودبلن ومدريد وغيرها من مدن اوروبا الى المبالغة في تقدير حجم التحول الحاصل في الرأي العام الغربي وخاصة الاوروبي تجاه تل ابيب، فعلاقة اسرائيل التاريخية مع اوروبا معقدة تتداخل فيها المصالح السياسية والاقتصادية على المستوى النخب الرسمية، فيما على المستوى الشعبي فهناك مؤثرات طالما اسهمت في ابداء الشارع الاوروبي تسامحا تجاه سياسات اسرائيل. هذه المؤثرات ترتكز على الحساسية الاوروبية من انتقاد اسرائيل وفي الاذهان تاريخ معاداة اليهود في اوروبا، وكذلك تسلل خرافة ان اسرائيل هي دولة ديمقراطية رائدة تعاني وسط شرق عربي مسلم متخلف الى العقل الاوروبي. ولكن، يمكن القول ان هناك مؤشرات هامة تشير الى ان العدوان الاخير وبشاعته أسهم في خسارة اسرائيل لعقول وقلوب قطاعات شعبية واسعة في القارة العجوز، تماما كما فشلت في تحقيق اهدافها العسكرية في الميدان.

عوامل عدة قد تكون اثرت في هذا التحول في النظرة الشعبية الاوروبية تجاه اسرائيل، وان كان هذا التحول الملحوظ بحاجة الى دراسة وفحص علمي عميق لمعرفة حجمه وتأثيراته المستقبلة على السياسة الاوروبية تجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. يكفي ان نعلم ان استطلاعا للرأي اجرته شركة (يوجوف) لقياس الرأي العام لصالح صحيفة "صنداي تايمز " نهاية الشهر الماضي اشار الى ان 62% من البريطانيين يرون ان اسرائيل ترتكب جرائم حرب في قطاع غزة، لنستنتج أن هناك مؤشرات تحول جدي في الرأي العام الاوروبي وبخاصة البريطاني.

هذه العوامل كان أبرزها الصدمة من اعداد الشهداء والجرحى خاصة الاطفال والنساء واستهداف المدارس والمستشفيات وبشاعة صور الدمار القادمة من القطاع. يضاف الى ذلك دور وسائل الاعلام الاجتماعي والمواقع الاخبارية الالكترونية التي اتاحت المجال للأوروبيين للتعرف على قصص الفلسطينيين الانسانية ورؤية صور معاناتهم في ظل الاحتلال والعدوان بعيدا عن روايات محطات التلفزة الرئيسية التي تتهم بالانحياز الدائم الى الرواية الاسرائيلية. وعامل اخر لا يقل اهمية عن سابقيه، يتمثل بجهود حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني التي اثبت خلال العدوان قدرتها على تنظيم التظاهرات والنشاطات المؤيدة للشعب الفلسطيني بشكل لافت.

حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني

الدور التنظيمي الكبير الذي قامت به حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني التي تضم في طياتها العديد من الجمعيات المناصرة للشعب الفلسطيني في اوروبا وحلفائها من اتحادات عمالية وطلابية ومنظمات مناهضة الحروب اثبت انها اصحبت لاعبا هاما في اوروبا في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. هذه الحركة التي تشكلت خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وبعثت من جديد وتطورت بشكل ملحوظ بعد الانتفاضة الثانية، اصبحت منتشرة بشكل كبير في دول اوروبا وتعمل بفعالية عاليا في اطارين اساسيين: زيادة وعي المواطن الاوروبي بمعاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال الاسرائيلي وحقوقه المسلوبة، وتشجيع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات ضد اسرائيل.

نظريا، ترى جاكي سميث الباحثة في قضايا الحركات الاجتماعية العابرة للحدود ان الحركات الاجتماعية المحلية دائما ما تلجأ الى الساحة الدولية نتيجة لانسداد الافق السياسي على المستوى المحلي. وفي الحالة الفلسطينية فإن ما تقوم به حركة التضامن الدولي يسد فراغا كان أجدر ان تقوم به المنظمات الدولية الاممية العاجزة عن تطبيق القرارات الصادرة عنها والخاصة بالقضية الفلسطينية.  وان كانت حركة التضامن تفتقر الى القوة السياسية التي تمكنها من اجبار اسرائيل على تطبيق قرارات الأمم المتحدة، الا ان جهودها على مستويي المقاطعة والتأثير في الرأي العام العالمي لا يستهان بها.

فعلى سبيل المثال، فان أكبر جمعيتين تضامنيتين مع الشعب الفلسطيني في بريطانيا وايرلندا لديهن أفرع ونشطاء تقريبا في كل مدينة بريطانية وأيرلندية، فيما تحوي معظم الجامعات الإنجليزية الإسكتلندية على شبكة واسعة من جمعيات طلابية مماثلة، تعمل بشكل مستمر على مدار العام في انشطة داخل وخارج الحرم الجامعي، وهي ايضا نشيطة على مستوى ايصال الصوت الفلسطيني عبر وسائل الاعلام الاجتماعي والالكتروني. ومطلع الاسبوع الحالي فقد خرج نحو 150 ألف متظاهر في شوارع لندن وحدها تعبيرا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني وإدانة للعدوان، فيما خرج نحو 100 ألف متظاهر في مسيرة مماثلة قبل عدة أسابيع، في وقت لا زالت شوارع دبلن تشاهد تظاهرات مستمرة ووقفات احتجاج امام مقر السفارة الاسرائيلية لدى ايرلندا.

وفيما تمثل هذه الجمعيات قلب حركة التضامن في هذين البلدين الاوروبيين، فإنها تعمل في هذا الإطار الى جانب عدد اخر من مؤسسات وجمعيات مناصرة وكذلك ابناء الجالية الفلسطينية، كما انها نجحت في بناء شبكة من التحالف مع الاتحادات العمالية والنقابات المحلية الرئيسية لتشكل دفعة هامة لجهودها. وفي وقت اثمرت جهود حركة التضامن في بريطانيا وايرلندا في إطار حملة المقاطعة عن نجاحات هامة كان أبرزها تبني العديد من الاتحادات الطلابية العامة للمقاطعة في الجامعات وكذلك تكبيد شركات متورطة في العمل مع المؤسسة الامنية الإسرائيلية الخسائر، نجح نشطاء حركة التضامن في اجبار شركات تعمل داخل المستوطنات في الضفة الغربية كشركة "صودا ستريم" الى اغلاق فروع لها في مدن بريطانية رئيسية، ناهيك عن اقناع العديد من الفرق الفنية البريطانية والأيرلندية بمقاطعة المهرجانات الفنية المقامة في اسرائيل.

وهنا ربما يبرز التساؤل حول الدور الباهت للأحزاب والقوى الفلسطينية في اسناد جهود هذه الحركة وانشاء قنوات اتصال وتنسيق دائم معها. وربما يقع الدور الاكبر في هذا الإطار على حركة فتح التي اهملت الساحات الشعبية العالمية ولم تعد تعمل بزخم كبير مع الاحزاب والاتحادات وحركات التضامن في دول العالم كما كانت قبل انشاء السلطة الوطنية، فيبدو انها اقتنعت بإسناد دور تطوير العلاقات مع العالم الخارجي الى السلطة الوطنية التي يقتصر إطار عملها مع المستويات الرسمية في هذه الدولة او تلك.
وسائل الاعلام الاجتماعي تحرج وسائل الاعلام الرئيسية

كان لافتا خلال فترة العدوان الكم الهائل من المعلومات التي تناقلها مستخدمو الانترنت من اخبار وقصص وصور ومقاطع فيديو نقلت جزءا ليس بيسير من تفاصيل العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. ويكفي ان تستخدم هاشتاغ  (#GazaUnderAttack)  او (#IStandwithGaza) على موقع تويتر للتعرف على الكم الهائل من المعلومات والتحليلات والآراء الخاصة بالعدوان باللغة الانجليزية المدافعة عن الرواية الفلسطينية.

هذا الكم من المعلومات التي تكشف دموية الهجوم الاسرائيلي لجمهور الانترنت وضع محطات تلفزة رئيسية في اوروبا ولا سيما هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) في موقف المدافع بعد ان تعرضت لسيل من النقد على تغطيتها غير المتوازنة للعدوان حيث اتهمها خبراء اعلام وأكاديميون وجمعيات تضامن بالتحيز للرواية الاسرائيلية عبر تجاهل نصوصها الاخبارية الاشارة الى تاريخ الصراع الكامن في وجود الاحتلال العسكري الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتبرير الهجوم الاسرائيلي بالقول انه جاء كرد فعل لإطلاق صواريخ المقاومة من قطاع غزة.

وفي هذا الإطار شهدت العديد من مكاتب البي بي سي في بريطانيا لا سيما المركز الرئيس في لندن تظاهرات من مؤدين للقضية الفلسطينية ردد المشاركون فيها هتافات تنتقد ما اسموه التواطؤ مع الاحتلال وعدوانه، فيما هدد النائب في البرلمان البريطاني جورج جالوي بعدم دفع رسوم الاشتراك الواجبة على كل مواطن للـ بي بي سي لفشلها في تقديم اخبار الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بشكل مهني ومتوازن.

كما اثبتت الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة من جديد صحة النظريات التي ترى في وسائل التواصل الاجتماعي اداة اسناد للنشاط الميداني للحركات الاجتماعية والسياسية. فبينما كانت التظاهرات تقف امام مكاتب بي بي سي في بريطانيا انشأ متضامنون على موقع توتير هاشتاق (#BBCtruth4Gaza  ) حيث استخدمت في الاف التغريدات على الموقع لانتقاد تغطية المحطة للعدوان.
وربما يكون لموافقة الـ بي بي سي مؤخرا على اذاعة نداء من أجل جمع تبرعات للمتضررين من العدوان الإسرائيلي على غزة بعد ان كانت رفضت ذلك في عدوان 2008 علاقة مباشرة بحملة الانتقادات الواسعة التي تتعرض لها منذ بدء العدوان.

وفي المقابل فان تغطية قناة الاخبار الرابعة البريطانية لاقت استحسانا لدى المتابعين لما افردته من مساحة اخبارية متوازنة، وواجه صحافيوها الناطقين باسم الحكومة الاسرائيلية بحقاق استهداف جيش الاحتلال للأطفال في قطاع غزة، وما قدمته القناة لاحقا من تقارير من داخل قطاع غزة كشفت وجه معاناة المواطنين للمشاهد البريطاني.

ومجمل القول، ان الفشل العسكري الاسرائيلي الميداني في قطاع غزة، رافقه تطور لافت في التعاطف الشعبي الاوروبي مع الشعب الفلسطيني لعدة اسباب منها ما سبق ذكره، وربما تطوير هذا التعاطف عبر نسجع علاقات اوسع على المستوى الشعبي مع قطاعات النقابات والجامعات وشباب الاحزاب في اوروبا يمكن ان يكون له تأثير مستقبلي على مواقف صناع القرار الاوروبيين تجاه قضية فلسطين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير