محاكاة للواقـع الراهـن...إشارات عـربـية - كتب: سمير حباشنة

20.08.2014 03:54 PM

في زمن رديء تعلو به المذهبية البشعة على الدين السمح، والهويات الفرعية البائسة على الانتماء الوطني، والتمترس القطري على حساب العروبة....

في زمن رديء يغيب به دور الدولة ويبرز دور المليشيات، وتكبر التناقضات الثانوية  على حساب التناقض الرئيسي.....
في هذا الزمن، العرب بحاجة لأن يعودوا الى رشدهم، والمرحلة تنتظر قائدًا او قادة تاريخيين، يعيدوا الأمور الى نصابها....
وهذه اشارات  مقترحة على الطريق  .....
(1)
الاشارة الاولى/فلسطينية
ما من شك بأن الاشقاء الفلسطينيين تصدوا ببسالة للعدوان الغاشم. وبرغم كثرة الشهداء والضحايا والتدمير الحاقد لغزة، فان الشعب الفلسطيني تمكّن أن يخلق توازنا نسبيا في معطيات الصراع، توازن في الهلع والرعب، فالاسرائيليون ولأسابيع في الملاجئ، حيث تبطّأت  عجلة الاقتصاد لديهم،  كما توقفت السياحة واغلقت المطارات، وهذا بحد ذاته انتصار يسجّل، بل وعليه أن يدفع “ قادة اسرائيل” بأن يفهموا بأن آلتهم العسكرية العملاقه والدعم الخارجي اللامحدود، لن يدفع الشعب العربي  الفلسطيني لأن يتخلى عن حقوقه، وسوف يبتدع في كل مرحلة، اساليب مقاومة جديدة تُبقي الصراع حيا، الى أن “يأتي الله أمرا كان مفعولًا..”
وما من شك ان المصالحة الوطنية الفلسطينية قد أثبتت جدواها ابان العدوان، والمطلوب اليوم ان تترسخ تلك المصالحة، وان تُستكمل عملية اعادة اللُحمة الى الجسم الفلسطيني على مستوى الفصائل وعلى مستوى السلطة الفلسطينية في اطار منظمة التحرير.

الا أنّ علينا القول بأنّ حماس لابد أن تتذكر بأنّ الشعب الفلسطيني  يعيش  في مرحلة مخاض تحرر وطني، وان حركات التحرر الوطني العادلة تنأى بنفسها عن الدخول في الصراعات الاقليمية والدولية، وتبقى فوق التناقضات. وبالتالي فانّه لخطأ جسيم بأن تحشر حماس نفسها في تناقضات الساحة المصرية او أية ساحة عربية، فمن مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيتة أن يبقى على وفاق مع كل الأنظمة العربية لانه بحاجة الى دعم وتعاطف الجميع، فكيف اذا كان الأمر يتعلق بمصر بثقلها السياسي والمعنوي والعسكري والجغرافي وأهميتها التاريخية بالنسبة للعرب والقضية الفلسطينية ؟!

وكلنا نتذكر ذلك الدعم المنقطع النظير من كل العرب على اختلاف تلاوينهم السياسية وتناقضاتهم للشعب الجزائري، ذلك لأن الجزائر في مرحلة تحررها الوطني لم تكن طرفا في الصراعات العربية.

(2)
الاشارة الثانية / مصرية
مصر العربية التي ننتظر منها الكثير، حيث لا سلام ولا حرب ولا نماء ولا أمن عربيا بدون مصر، بل وبدون صدارة مصر. مصر اليوم مطالبة أن تميّز بين موقفها من الشعب الفلسطيني والتي كانت على الدوام الى جانبه، وبين خلافها مع حركة الاخوان المسلمين وحماس باعتبارها جزءا من تلك الحركة. فلا يجوز أن تؤخذ غزة وشعبها بجريرة الموقف من الاخوان المسلمين وحماس. صحيح أن مصر اليوم تستعيد ألقها ودورها العربي والفلسطيني، حيث كان لها الدور الأبرز في العدوان الاخير، الا أننا  نتمنى ان تقف مصر كما عودتنا بصلابة الى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة... والى جانب مطالبه المحقّة بفك حصار اسرائيل عن غزه واعادة بناء ما خرّبه العدوان .

(3)
الاشارة الثالثة/  عراقية
اثبتت الأحداث ان انقسام العراق المذهبي/العرقي والمحاصصة السياسية  لم يكن له من جدوى، بل قاد العراق الى أتون حرب لا تتوقف منذ الغزو الامريكي، وقد ادى ذلك الى اضعاف الدولة وتمزقها وسهولة انتصار  قوى التشدد والظلام  التي تمكنت من التهام محافظات بأكملها، بل وتشكل تهديدا جديا لوجود العراق برمته بما فيه  اقليم كردستان،  الذي كان ولفترة قريبة يعتقد انه بمنأى عن المشكلة العراقية . لذا وحتى يتمكن العراق من اعادة بنائه الموحد القوي الناهض المستقر، لابد لقواه الحية أن تذهب بارادة صلبة وصادقة لوضع برنامج وطني توافقي عريض يجمع كل العراقيين بأديانهم ومذاهبهم وطوائفهم ومناطقهم وتوجهاتهم السياسية ، ويشّرع الى وثيقة تاريخية  تمتلك ارادة التحقق على أرض الواقع . العراقيون بحاجة الى معاهدة شبيه بمعاهدة “ويست فاليا” التي ابرمها الاوربيون في القرن السابع عشر، فانهوا  بموجبها حروبهم الطائفية، وارتقوا بالدين فوق التناقضات ليكون عامل جمع لا عامل فرقه... فكانت تلك المعاهدة النقطة المفصلية في نهوض اوروبا المعاصرة .

وكمرحلة انتقالية فانني اقترح على الرئيس المكلف  دولة السيد حامد العبادي بأن يسعى الى تشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة السياسية تضم فريقا مؤمنا بوحدة ارض وشعب العراق، يتّسم بانه “فوق طائفي”، كفؤ وذو سجل نظيف بعيد عن الفساد، لتمهد هذه الحكومة الطريق نحو ما ذكر أعلاه.

الساسة العراقيون أمام مسئولية تاريخية  في أن يكبروا على جراحات وخلافات العراق ويعيدوا لتلك الدولة التي نعرفها ونعوّل عليها  مكانتها  الهامة كظهير للعرب جميعا.

(4)
الاشارة الرابعة/ سوريه
أما الاخوة في الشام وبعد الحرب الضروس التي سيلت الدم العربي الزكي أنهارا ، وبأيدى عربية، فان عليهم، وبعد أن بان الخيط الابيض من الاسود، بأن يعلموا أن مصلحة سوريا اليوم تكمن بضرورة وقف فورى  للحرب بين الاشقاء، وان لا جدوى ولا نتائج من استمرار تلك الحرب العبثية. وان يجلسوا معا على مائدة الحوار، حكومة ومعارضة وطنية، وليتفقوا على مشروع  يحفظ وحدة ارض وشعب سوريا، وان يضعوا اساسات لبناء دولة حرة وطنية ديمقراطية تتسع للجميع بلا اقصاء ولا تهميش، وأن يوحدوا الجهود لطرد كل الغرباء الذين زادو الطين بلة و عاثوا بسوريا المزيد من القتل والدمار.

ونعتقد ان الوقت مواتيا لهكذا خطوه تاريخية، وخصوصا بعد ان أحس العالم بخطورة قوى التشدد مثل داعش والنصرة واصبح يمايز بين قوى الظلام وبين المطالب المحقة للمعارضة، وخصوصا وبعد أن تقدمت المعارضة رسميا بطلب الى مجلس الامن بضرورة التدخل لطرد قوى الارهاب من سوريا باعتبارها ليست جزءا من المعارضة الوطنية السورية.

(5)
الاشارة الخامسة/عربية
لقد ثبت بأن العدو الحقيقي للحياة وللتقدم العربي هو الارهاب والتشدد الديني والمذهبي بغض النظر عن مصدره وتطلعاته، لذا، ولاعادة اللحمة لنسيجنا العرقي والاجتماعي والاقتصادي والأمني كعرب، فانه لابد من تنسيق واسع بين دول الخليج العربي والعراق وسوريا والاردن ومصر وليبيا واليمن، بل وكل العرب، من أجل مقاومة قوى الظلام والارهاب التي تقتل باسم الاسلام !! وتدمر تحت شعار “لا اله الا الله “ !!!  فالاسلام منظومة قيم  عليا وتسامح وقبول بالآخر ، والاسلام بناء لا تدمير، ونهضة لا نكوص، ووحدة لا تجزئة، وبالتالي فان علينا درء خطر التشدد هذا، وان نسارع الى اعادة احياء مفاهيم ومؤسسات الامن القومي العربي لتطلع بهذه المهمة التاريخية والجليلة. بل وعلى العرب بأن يعيدوا رسم اولويات استخدام الثروة العربية للنهوض بمجتمعاتنا ودحر خطر الفقر والبطالة والمرض والامية، لانها آفات تجعل من الانسان العربي وبالذات االشباب نهبا وماده سهلة للاستيعاب من تلك القوى الظلامية على اختلاف اشكالها ومسمياتها وأماكن وجودها.

وبعد....  العرب مطالبون بكل ذلك والامل معقود على قيادات وعلى مفكرين وعلى دول قادرة على ان تطلق صرخة مدويّة عملية  تعيد للأمة استقرارها وأمنها كمقدمة لاستنئناف دورنا كعرب مع الحضارة والتقدم وتغليب التناقضات الرئيسية والتوجه نحو حسم الصراعات على اختلافها لجهة الامة ومصالحها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير