اسرار الساعات الأخيرة من مفاوضات القاهرة... محمد دراغمة

21.08.2014 02:06 PM

 كانت الساعة تشير الى الرابعة عصراً عندما لملم الفريق الاسرائيلي المفاوض اوراقة وغادر مقر المخابرات العامة المصرية وقفل عائدا بعد تلقيه اوامر من رئيس الوزراء نتانياهو بالانسحاب لان "اسرائيل لا تتفاوض تحت النار" 'اثر اطلاق ثلاثة صواريخ من قطاع غزة على تجمعات اسرائيلية كما ادعت.

في ذلك النهار، الثلاثاء، التاسع عشر من آب (أوغسطس) اليوم الأخير من وقف اطلاق نار أخير لمدة خمسة أيام، بدأت المفاوضات في العاشرة والنصف صباحاً لاستكمال مفاوضات مكثقة جارية من اليوم السابق.

وفي هذين اليومين رفض في الوفد الاسرائيلي التزحزح عن عرضه: تسهيل الحركة على اثنين من معابر غزة وهما "ايرز" و"كرم ابو سالم" وليس وقف الحصار، وضع قيود على حركة الافراد والبضائع الخارجة من غزة والداخلة اليها. تنسيق بين السلطة واسرائيل في حركة السلع التي تدخل في الاستخدام العسكري مثل الاسمنت والمعادن والكيماويات. اشراف دولي على مواد اعادة اعمار غزة. تأجيل بحث قضية جثث الجنود والاسرى وأمور اخرى يتفق عليها الجانبان الى شهر بعد توقيع الاتفاق. لا ذكر للمطار والميناء والاجراءات العقابية التي اعقبت خطف وقتل المستوطنين الثلاثة في الثاني عشر من حزيران (يوليو) الماضي والاكتفاء بتعبير غامض "امور أخرى يتفق عليها الجانبان".

تبادل الوفدان في اليوم السابق، الاثنين، الثامن عشر من آب (اوغسطس)، عشرين مسدودة اتفاق خلال 12 ساعة من التفاوض المتواصل، عاد بعدها الوفد الفلسطيني الى منتجع الماريوت في القاهرة الجديدة، ليعقد اجتماعا استمر حتى الثالثة فجرا تحضيرا لليوم التالي وهو اليوم الخامس والاخير من التهدئة الأخيرة... لم يتناول اعضاء الوفد العشاء، وعند الثالثة فجرا طلبوا العشاء، فجائتهم اطباق من السلطة.... وفي اليوم الثاني تبادل الوفد عددا مماثلا من المسودات، لكن الهوة كانت واسعة جدا.

حاول الوفد الفلسطيني انقاذ الموقف، بعد انسحاب الوفد الاسرائيلي، فأعد ورقة سريعة قدمها الى الوسيط المصري تمثل من حيث الجوهر الورقة المصرية الاساسية مع تعديلات طفيفة لا تتعدى تعديل عشر كلمات ليعرضها على الجانب الاسرائيلي، لكن الأخير لم يرد وذهب الى الخيار العسكري.

تضمنت الورقة الفلسطينية المقترحة: فتح المعابر وفق الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير واسرائيل، وتأجيل لمدة شهر بحث قضايا المطار والميناء والاجراءات العقابية الاسرائيلية التي اتخذت بحق ناشطي حركة «حماس» في الضفة الغربية عقب خطف وقتل المستوطنين الثلاثة في 12 حزيران (يوليو) الماضي، والاسرى وجثث الجنود.

وتضمنت الورقة ايضا جملة غامضة تنص على انه: يجري بحث شروط تثبيت التهدئة. وهدفت هذه الجملة التي اقترحها ممثل عن حركة "حماس" "اغراء" الوفد الاسرائيلي الذي كان يطالب بإدراج بند ينص على بحث نزع سلاح الفصائل في قطاع غزة. لكن الجانب الاسرائيلي لم يرد على المبادرة الفلسطينية، وذهب الى خيار الحرب.

وقال احد ممثلي حركة «حماس» في الوفد ان الجانب الاسرائيلي وضع في كل بند في الاتفاق المقترح جملة تبقي يده العليا في كل شأن من شؤون الحركة والاعمار في غزة. واضاف: «ربط الجانب الاسرائيلي بيده كل حركة للأفراد والبضائع من تصدير واستيراد وصيد بحري وزراعة في المنطقة الحدودية». واضاف: «الاتفاق كان يعني شيئاً واحداً هو ان نعود الى اهلنا في غزة ونقول لهم كل حركة من مواطن او تاجر او صياد او مزارع في حاجة الى اذن اسرائيلي». وتابع ان «اسرائيل ارادت توقيع الفلسطينيين على وثيقة استسلام، وهو ما اوصل المفاوضات الى طريق مسدود». وقال ان الجانب المصري لم يضع اي لوم على الوفد الفلسطيني، وانه اصيب بإحباط من المماطلة الاسرائيلية.

وتعهدت مصر مواصلة الاتصالات مع الجانبين من اجل تثبيت التهدئة. وقالت مصادر في «حماس» ان الجانب الفلسطيني لن يمدد التهدئة، ولن يعطي الجانب الاسرائيلي تهدئة مجانية، لكنه لن يطلق النار الا اذا تعرض لاطلاق نار. واضافت: «في حال توقفت اسرائيل عن هجماتها على غزة، فإن لا مصلحة لنا في القطاع بالعودة الى الحرب، لذلك لن نبادر الى القيام بهجمات، وسنفتح الطريق امام حكومة الوفاق الوطني لتتولى اعادة الاعمار والحركة على المعابر».

وتابعت: «هناك سيناريوات أخرى، منها قيام مصر بدعوة الجانبين الى وقف النار، او قيام مجلس الامن بإصدار قرار بهذا الشأن، وفي جميع الحالات، فإننا لن نبادر الى شن هجمات الا اذا تعرضنا لذلك». ولم تستبعد قيام اسرائيل بحرب استنزاف على قطاع غزة، لكنها قالت ان "لدى الحركة اسلحة رادعة في حال تعرضت الى هجمات منها تهديد مطار اللد، ومنع سكان التجمعات الجنوبية من العودة الى بيوتها".

كما لم تستبعد التعرض الى هجوم بري، لكنها قالت ان احتمالات هذا الهجوم غير كبيرة نظراً الى التجربة القاسية التي تعرض اليها جيش الاحتلال على الارض في هذه الحرب.

وأبدى ممثلو "حماس" استعدادهم للعودة الى القاهرة مجدداً في حال تلقي دعوة الى مواصلة التفاوض. وقال عضو في الوفد من «حماس»: «بالتأكيد سنعود الى القاهرة اذا تلقينا دعوة من مصر، سنأتي ونفحص مجدداً أي تغيير في الموقف الاسرائيلي، لكن كل التقديرات يشير الى ان الجانب الاسرائيلي لا يريد التوصل الى اتفاق تهدئة وانما يريد اتفاق استسلام من جانب غزة، وهو ما لن يحدث أبدا....".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير