إسرائيل تواجه "الاستنزاف" بحرب اغتـيالات

22.08.2014 11:34 AM

وطن - كتبت:سناء كمال وعروبة عثمان: الحرب جولات، والجولة الأخرة من حرب غزة كسبتها إسرائيل على ما يبدو بمحاولة الوصول إلى القائد العام لكتائب القسام (حماس)، محمد الضيف، ثم اغتيال ثلاثة من كبار قادة الكتائب. جولة لم تأت إلا بعد 45 يوما من المثابرة والتخفي عن أعين الاحتلال وطائراته في مساحة لا تتعدى 365 كيلومترا مربعا.

لم تعش المقاومة كما يرى بعضهم حالة استرخاء خلال أيام الهدنة، لكن القصف العشوائي في لحظات الحرب حرم عملاء الاحتلال فرصة التحرك، تقول مصادر أمنية، نقل عنها أنها أعدمت أمس ثلاثة جواسيس كما اعتقلت آخرين. ويبدو أن الأيام التسعة التي شهدت هدوءا متواصلا منحت المجال لعيون الاحتلال من أجل العمل ورصد بعض قادة المقاومة، ومنهم ثلاثة من أعلى هرم «القسام» نالت منهم صواريخ الاحتلال في رفح جنوبي قطاع غزة: رائد العطار ومحمد أبو شمالة ومحمد برهوم.

هل سيكون هذا الصيد كافيا بالنسبة إلى رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، ليوقف عدوانه على غزة، ويعلن أنه المنتصر في الحرب؟ لا يبدو حتى اللحظة أن ذلك كاف، وخاصة أن المقاومة أعلنت أنها تخوض حرب استنزاف بعد إخفاق المفاوضات السياسية في القاهرة، وأنها مستعدة لإكمال المسيرة رغم استشهاد قادتها.

وجاء اغتيال القادة الثلاثة في وقت مبكر من أمس بعدما قصفت طائرات الاحتلال منزلا في تل السلطان غرب مدينة رفح بـ12 صاروخا، فحولته ركاما متطايرا، ما أدى إلى استشهاد عشرة مواطنين (منهم القادة الثلاثة)، وإصابة 25 آخرين بجراح مختلفة، كما لا يزال البحث عن مفقودين متواصلا.

تعليقا على ذلك، قال النائب عن كتلة «حماس» البرلمانية، مشير المصري: «الاحتلال فتح على نفسه أبواب جهنم، ولا يزال لدى المقاومة مزيدٌ من أوراق القوة»، مؤكّداً لـ«الأخبار» أن «المقاومة لن تنهار برحيل أولئك القادة، فيما المفاوضات ستبقى معلّقة إلى حين نضج البيئة المناسبة».

في غضون ذلك، يرى الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى الصواف، أن نتنياهو لم يكتف باغتيال العطار ورفاقه، «فهو يريد صيدا أثمن كي يتمكن من ترميم وضعه في الائتلاف الحكومي أو حتى أمام الجمهور الإسرائيلي»، مشيرا إلى أنه إذا تمكن من اغتيال شخصية لها ثقلها فقد يبدأ التفكير في إنهاء المعركة.

ويقول الصواف في حديثه مع «الأخبار» إنه «لا بد أن يكون لكل جولة نهاية، وهو ما يرجح أن يلجأ نتنياهو مجددا إلى الوسيط المصري ليرى ما حققه من إنجازات في هذه الأيام على طاولة السياسة، لكن بعد أن يحاول تجريد الفلسطينيين من بعض مطالبهم».

وبعد إعلان القسام رسميا ارتقاء شهدائها الثلاثة، راحت الصحف الإسرائيلية تتغنى بتحقيق هدف سعت إليه أكثر من مرة، وخاصة رائد العطار (40 عاما) الذي يشغل منصب عضو في المجلس العسكري الأعلى لكتائب القسام وأيضا هو القائد العسكري لمنطقة رفح. ولا يقل رفيقه محمد أبو شمالة (41 عاما) عنه شأنا، فهو أيضا قائد اللواء الجنوبي في القسام، والمسؤول عن الأنفاق في رفح، ومن أبرز المطلوبين لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية منذ عام 1991، وكذلك الحال بالنسبة إلى محمد برهوم المحبوب بين الجماهير في رفح ويلقبونه بالشايب.

المسيرة الكبيرة التي خرجت لتشييع قادة «القسام» أمس بعشرات الآلاف رغم أجواء الحرب والخطر تؤكد أن الناس ازدادوا التفافا حول المقاومة.

ويبدو ظاهريا أن الغطاء الجوي الكامل على غزّة طوال أسبوعي المفاوضات والرصد الذي لم يتوقف، وخصوصاً وسط طمأنة الوسط السياسي بأن الاتفاق بات قاب قوسين أو أدنى من التحقّق، منح العدوّ وعملاءه مساحةً وفيرةً من النشاط العملاني على صعيد جمع المعلومات ورصد إحداثيات جديدة في القطاع لتعقّب القادة المهمين.

والأخطر أنّ الساعات الأربع والعشرين الفاصلة بين تمديد الهدنة، ومحاولة تصفية الضيف، تفتح كوّةً حقيقية في جدار المفاوضات السميك، وتشرع الباب أمام سيل من التساؤلات عن نزاهة الوسيط المصري في طلبه من الطرف الفلسطيني قبول التمديد الإضافي والأخير للتهدئة (24 ساعة). هذا يظهره سيناريو تذّرع العدوّ بإطلاق ثلاثة صواريخ باتجاه النقب المحتل لسحب وفده وإعادة تفعيل المعركة، الذي يحتاج إلى تفسير أنه بعد انسحاب الوفد الفلسطيني اتجه نظيره الإسرائيلي إلى القاهرة دون ذكر تفاصيل واضحة عن سبب تلك الزيارة اللاحقة في ظل غياب الطرف الذي يمكن محاورته.

وبين الاغتيالين جاء خطاب المتحدث باسم «القسام»، أبو عبيدة، ليضع بعد تأكيد سلامة القائد العام، الخط الاستراتيجي المتعلق بمفاوضات القاهرة، وخاصة أنه أشار إلى إعطاء الوفد السياسي ومصر وقتاً أكثر مما ارتآه الميدان. مع أنه من الأهمية بمكان، ذكر أن مجلس الأمن الدولي دعا في بيان رئاسي أول من أمس إسرائيل والفلسطينيين إلى استئناف المفاوضات و«دعمه الكامل للمبادرة المصرية».

في هذا السياق، يقول مصدر مقرّب من الوفد الفلسطيني المفاوض الذي كان في القاهرة: «برغم أنه كان هناك قرارٌ فصائلي موحّد بالتمديد إرضاءً لمصر، فإن معظم بنود الاتفاق التي رشحت إلى الإعلام لم تكن جديّة، وخصوصاً أن القاهرة كانت تبدي تعنتاً كبيراً اتجاه مطالب المقاومة، وترفض ما يمكن أن يحسب لحماس». وأكد هذا المصدر لـ«الأخبار» أن الساعات المقبلة ستشهد تصعيداً ميدانياً غير مسبوق.

وسط كل هذه التحوّلات السريعة، يبدو واضحاً أن معركة ما بعد اغتيال القادة لن تعادل ما قبلها، وإن كانت التوقعات أقل لجهة تفجير المزيد من المفاجآت في مقابل الدخول في حرب استنزاف حقيقية تتطلّب أعلى مقومات للصمود.

وما يعزز بقاء الأفق مفتوحا على المستوى العسكري والسياسي أن عودة سياسة الاغتيالات تأتي ضمن التصور الأساسي للاحتلال الذي يودّ تحقيق رزمة من الأهداف المركبة على الأصعدة السياسية والعسكرية والإعلامية، وهذه الاستراتيجية صدر قرار قوننتها في المجلس الوزاري المصغّر عام 2001 وارتفعت وتيرة تطبيقها في السنوات الأولى من الانتفاضة الثانية.

في المقابل، تحاكي المقاومة، ومنها «القسام» إلى حدٍّ ما مزيجاً ما بين حرب العصابات والجيش النظامي. ودفعتها إلى اعتماد هذه التركيبة مواجهة حالة الاستنزاف القيادي التي طاولت صفوفا أولى، وخاصة في السنوات التي تولى فيها مئير داغان منصب رئاسة الاستخبارات الإسرائيلية (2002-2008)، وشهدت اغتيال أيقونات من فصائل المقاومة كأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأبو علي مصطفى وقادة عسكريين كثيرين.

ويمكن الاستدلال على أن الضربة القاسية لن تؤثر في أداء المقاومة بأن تجربة استشهاد نائب القائد العام لـ«القسام» أحمد الجعبري (عمود السماء 2012) أفرزت قادة أكثر اندفاعاً نحو تطوير منظومة الردع الفلسطينية وشبكة الإمدادات الأرضية.

مقابل ذلك كله، تبقى العودة إلى طاولة المفاوضات قائمة، لكن وفقا لأسس جديدة، أحد أهم التغيّرات المفصليّة فيها ما أنتجته عملية الاغتيال الخطيرة، وخصوصاً أنها تسجل نجاحاً استخبارياً إسرائيلياً غير مسبوق منذ بدء العدوان.

واستبعد الكاتب والمحلّل السياسي عبد الستار قاسم، في هذا الإطار، تأثير عملية الاغتيال أمس على المسار التفاوضي، مستدركا: «لو نجحت عملية اغتيال الضيف لتغيّرت كل التركيبة التفاوضية، لكن في الوقت نفسه الظرف الراهن لا يدلّ على أن العدوّ سيكون صاحب الكلمة العليا في أي مفاوضات مقبلة».

ماذا لو تغيّرت تكتيكات المقاومة في الميدان، وشهدنا تصعيداً يفوق جولة ما قبل المفاوضات؟ يجيب قاسم على ذلك: «لو تمّكنت المقاومة من جرّ العدو إلى معركة برية جديدة، فقد ترفع سقف مطالبها، لأن هذه المعركة ذات تكلفة باهظة على صعيد الموازنة والخسائر البشرية لدى إسرائيل».

ويؤكّد المحلل السياسي، في حديثه لـ«الأخبار»، أن الفخّ الذي وقعت فيه فصائل المقاومة نابعٌ من توجّهها إلى مصر من دون ضغط دبلوماسي عالٍ يُشرك محور الممانعة بالتحديد، ويتابع: «حماس أخطأت على نحو جلي حين نأت بحزب الله وإيران عن التدخّل في هذه المعركة. ما يوجب عليها فورا تدارك الموقف والانفلات من عقدة الملف السوري، لأن هذا المحور قادر على توتير المنطقة والانتصار لغزّة عسكرياً وسياسياً دون إقحام نفسه مباشرةً في الحرب».

لكن سفن «حماس» لا تتجه نحو هذا الرأي، إذ عبر رئيس المكتب السياسي لها والمقيم في الدوحة، خالد مشعل، في مقابلة مع وكالة الأناضول عن بقاء حالة التباعد مع إيران، قائلا إن طهران دعمتهم «في الماضي» عسكريا وماليا «لكن المقاومة اليوم بحثت عن وسائل التسليح الذاتي، وكان الاعتماد الأكبر على التصنيع داخل غزة وعلى ابتكار التكتيكات العسكرية والإبداع فيها». أيضا نفى مشعل طلبهم فتح جبهة مساندة من جهة حزب الله، معلقا: «هذه ليست أول حرب نخوضها دفاعا عن النفس، ونعتمد بعد الله على أنفسنا، ونعرف ظروف الأمة، كل له وضع خاص».

نقلاً عن "الأخبار"

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير