معادلة..جدلية الكلمة والرصاصة واستشهاد القصيدة ونفوق المفاوضة

22.08.2014 11:41 AM

وطن - كتب:حمدي فراج: في يوم فلسطيني عظيم ، رحل سيد الكلمة سميح القاسم ، وثلاثة من سادة الرصاص والصواريخ  ، ابو شمالة والعطار وبرهوم ، واودعت الجماهير الحاشدة اجسادهم الطاهرة في الثرى الاكثر طهرا ، من الشمال في الجليل الجميل الذي تهيأ للبعض انه تهود ، وفي جنوب العزة ، غزة الباسلة ، التي تهيأ للبعض انها أنفصلت عن امها وسعت لتشكيل الامارة ، فثبت بالملموس انها الفينيقية القادرة دوما على النهوض من تحت الانقاض ، فتعلم الاعداء بغض النظر عما يلبسون وبأي لغة يرطنون ، بأنها الشاهد والشهيد و بأنها الخندق الاول والملاذ الاخير وبأنها الضحية والبطل .

استشهاد القصيدة ، برحيل صاحبها وسيدها سميح القاسم ، تعني انها خلدت ، وسيكون من الصعب حتى على الزمن ان يتجاوزها ، لأن جماهير الناس حفظتها عن ظهر قلوبهم الرقيقة والمخلصة والقادرة على اجتراح الصعب في ظل الظرف القاهر الذي عاشته غزة على مدار سنين عمرها الاخيرة ، بما في ذلك الحصار والدمار والتآمر .

وضع سميح القاسم قصيدته الخالدة ، خطاب من سوق البطالة  قبل حوالي خمسين سنة ، وكأنه بها وبغيرها من القصائد الخالدة ، قد دشن لكل المراحل اللاحقة  ، وكأنه كان يتنبأ بكل أفانين الاحتلال واساليبه وتدابير بطشه وفتكه ، وكأنه كان يعرف ان معركة طويلة من المفاوضات والمساومات ستنشب اظافرها في الجسد الفلسطيني ، وطنا وشعبا وارضا  ، "ربما تسلبني آخر شبر من ترابي / ربما تطعم للسجن شبابي / ربما تسطو على ميراث جدي من اثاث واوان وخوابي / ربما تحرق اشعاري وكتبي / ربما تطعم لحمي للكلاب / ربما تخدع اصحابي بوجه مستعار / ربما ترفع من حولي جدارا وجدارا وجدار / يا عدو الشمس لكن لن اساوم / والى آخر نبض في عروقي سأقاوم " .

"الى آخر نبض في عروقي سأقاوم " ، لغة لا يفهمها الا المناضلين من أمثال محمد ضيف ، الذي ما زال يقاوم حتى آخر نبض في عروقه وعروق زوجته وابنته وابنه الذي كان يحث الخطى  نحو عامه الاول ، فحالت ترسانة اسرائيل العسكرية والمخابراتية دون ذلك ، وخرج علينا قادتها السياسيين يفاخرون بهذا الانجاز .

"يا عدو الشمس في الميناء زينات وتلويح بشائر/ وعلى الافق شراع / يتحدى الريح واللج ويجتاز المخاطر/ ولعينيها وعينيه يمينا لن اساوم / والى اخر نبض في عروقي سأقاوم واقاوم واقاوم " .

كيف استطاع سميح القاسم قبل خمسين سنة ان يقسم "بعينيه وعينيها" في وقت اصبحت فيه المرأة العربية  تباع في سوق النخاسة ، وكيف استطاع ان يرى الشراع على افق الميناء ، الذي تراوغ وتكابر اسرائيل في الموافقة على بنائه ، والاهم كيف استطاع ان يرى تلويح البشائر المتمثلة في  ان تصدر المقاومة اوامرها بعودة الوفد المفاوض ، مقدمة لأن تكون الكلمة الاولى والاخيرة للمقاومة وننفوق المفاوضة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير