اسكتلندا والشعور الوطني واحتمال الاستقلال عن بريطانيا؟.. بقلم: عقل أبو قرع

16.09.2014 08:15 AM

لقد عشت في اسكتلندا حوالي اربع سنوات، حيث درست في جامعاتها، وبالتحديد في جامعة غلاسكو، والتي تحمل اسم نفس المدينة التي تقع فيها، وبالاضافة الى مدينة غلاسكو، هناك مدن رئيسية اخرى في اسكتلندا، منها العاصمة السياسية ادنبرة، وابردين ودندي وغيرهما، واسكتلندا هي احدى المقاطعات او الكتل الاربعة التي تتألف منها "بريطانيا"، او ما يعرف ب "المملكة المتحدة"، والكتل الاخرى، هي انجلترا وويلز وايرلندا الشمالية، وبالطبع انجلترا هي الاكبر مساحة وسكانا، وبالتالي التأثير الاقتصادي والسياسي وبالاخص في السياسة الخارجية، ولذا فأن العديد من الناس يخلطون بين بريطانيا وانجلترا، اي لا يعتقدون ان هناك فرق بينهما، وهذا خطأ فظيع، وبالاخص اذا ارتكبتة وانت موجود في اسكتلندا، حيث الشعور القومي او الوطني الكبير عند الاسكتلنديين، والذي يمكن ان يصل ولحد ما الى الكراهية او الى النفور من الانجليز، وبالاخص عند الجيل الشاب او الجيل الجديد في اسكتلندا؟ 

معروف انه من المقرر ان يتم الاستفتاء التاريخي، والذي سوف يحدد مصير اسكتلندا، وبالتالي مستقبل بريطانيا او بقاء المملكة المتحدة، في يوم الخميس من هذا الاسبوع،  اي التاسع عشر من شهر ايلول الحالي، والسؤال الذي من المفترض ان يقوم بالاجابة عليه الاسكتلنديين، او الشعب الاسكتلندي، ما اذا كانوا يرغبون في البقاء ضمن الاتحاد مع المقاطعات الاخرى، اي ضمن دولة بريطانيا او "المملكة المتحدة"، او انهم يريدون الاستقلال، اي قيام اسكتلندا كدولة مستقلة، اسوة ببقية الدول، سواء في اوروبا، اوفي العالم.

والاستقلال هو ما يؤيده الحزب الحاكم في اسكتلندا، اي الحزب القومي الاسكتلندي، وهو حزب الشباب بشكل عام، وهناك نزعة قومية جارفة عند الاسكتلنديين، سواء من حيث خصوصيتهم اومن ناحية ثقافتهم او توجاهاتهم او التاريخ والحضارة، ومن يعارض استقلال اسكتلندا، هو حزب المحافظين الحاكم، اي الحزب الذي يقوده "كاميرون"، وهو لا يتمتع بشعبية تذكر في اسكتلندا، اما حزب العمال المعارض، والذي له شعبية في اسكتلندا، فإنه يعارض الاستقلال او الانفصال الكامل، ولكن في نفس الوقت يدعو الى منح صلاحيات واسعة لادارة اسكتلندا من قبل الاسكتلنديين، ولكن بدون الانفصال عن بريطانيا، ويحظى هذا الحزب تقليديا بدعم من قبل الجيل القديم.

ورغم ان عمر الاتحاد البريطاني يزيد عن 300 عام، الا ان الشعور الوطني القوي عند الاسكتلنديين قد تأصل على مر الاوقات والازمنة، وقد تم ترجمت ذلك في نواحي كثيرة، منها السياسية والثقافية والقانونية، وما يهمنا نحن الفلسطينيون، هو النظرة او الموقف من القضية الفلسطينية، وهذا ولحد ما يتناقض مع المواقف البريطانية الرسمية، والتي تتلاقى او تتماشى او تكمل بشكل عام المواقف الامريكية، وهناك العديد من المدن والجامعات والهيئات في اسكتلندا ارتبطت او ترتبط بتوأمة او باتفاقيات او بروتوكولات تعاون مع المدن والجامعات والمؤسسات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، اي بمعنى اخر هناك تأييد كبير وراسخ للفلسطينيين وللموقف الفلسطيني في اسكتلندا، بعكس الموقف الذي اتخذة ويتخذة الانجليز، والذين يفرضون ذلك على الموقف الرسمي بسبب اغلبيتهم، والاختلاف في النظرة الى القضية الفلسطينية، ينبع من اختلاف الثقافات والمبادئ والتوجهات والتاريخ بين انجلترا واسكتلندا، وكذلك الى الشعور القوي عند الكثير منهم بأنهم يقعون تحت الاحتلال او تحت الوصاية الانجليزية؟

ومن الامثلة الاكثر وضوحا على التأييد الاسكتلندي للفلسطينيين، وحتى للقضايا العربية بشكل عام، هو الموقف الذي مثلة وما زال يقوم بة السيد "جورج غالاوي"، الاسكتلندي من مدينة غلاسكو، والذي كان ولفترة طويلة عضوا في البرلمان البريطاني يمثل مدينة غلاسكو عن حزب العمال، واستمر في تأييده الكبير للقضية الفلسطينية، وحتى بعد ان تم ازاحته من حزب العمال، وهو الان عضوا في البرلمان البريطاني، حيث تم انتخابة ممثلا عن حزبا مستقلا قام بتأسسية بعد ترك حزب العمال، ومعروف للكثير الضجة والمشاكل والعقبات والمضايقات، التي تعرض لها نتيجة مواقفة من القضية الفلسطينية والقضاياا العربية بشكل عام.

في اسكتلندا، هناك شعور قوي بالنقمة على الانجليز، للاعتقاد ان الانجليز وبسبب اغلبيتهم، فانهم  يتحكمون في مقدراتهم الاقتصادية، وفي فرض التوجهات السياسية الخارجية عليهم، وبأن وجودهم ضمن الاتحاد مع انجلترا، هو تهميش لهم ولحضارتهم ولتاريخهم ولشعورهم نحو الكثير من القضايا الداخلية والخارجية، وهذا الشعور هو الذي ادى الى النمو القوي والواسع والسريع للحزب القومي الاسكتلندي، والذي يدعو الان الى الاستقلال من خلال الاستفتاء الذي سوف يتم خلال ايام، وليس من الغريب احتدام المنافسة على هذا الاستفتاء وتدخل رئيس الوزراء البريطاني وحتى الملكة في ذلك، وحسب الاستطلاعات الاخيرة، فإنه يبدو انه لا يوجد حسم حتى الان، حيث ان الفرق بين المؤيدين والمعارضين للاستقلال عن بريطانيا، بين استفتاء واخر، لا يزيد عن ال 3%، وهذا يظهر مدى حدة المنافسة والصراع؟

والاسكتلنديون يتفاخرون بالكثير من العلماء ومن المخترعين والمفكرين، الذي اصولهم اسكتلندية، سواء كان ذلك في مجال الطب او في الكيمياء او الطاقة او التكنولوجيا وغير ذلك، وحتى في مجال الاقتصاد، حيث ان " ادم سميث"، عالم الاقتصاد المعروف في العالم ب" اب اقتصاد السوق" هو اسكتلندي، ورغم ان اللغة الانجليزية هي اللغة الدارجة في اسكتلندا، الا انهم يتكلمونها بلهجة غريبة وصعب فهمها في البداية، وبالطبع لهم لغتهم الوطنية القديمة، المعروفة ب " الكيلك" والتي بدأت تنتعش وتأخذ زخما قويا حديثا.

ومعروف ان معظم النفط الذي يتم انتاجة في بريطانيا، ياتي من المناطق الاسكتلندية، اي من بحر الشمال، وحسب الاسكتلنديين، فإن هذا من المفترض ان يعتبر احد الدعائم الاقتصادية لدولتهم القادمة، هذا ان ولدت، وبالاضافة الى النفط، فأن اسكتلندا تشكل عمقا جغرافيا واستراتيجيا لبريطانيا، ويمكن تصور مدى ضعف الدولة البريطانية الجديدة، ان قرر الشعب في اسكتلندا الانفصال، وهذا الضعف من المتوقع ان يتجلى على الصعيد الداخلي، وفي اوروبا، وعلى صعيد السياسة الخاجية وعلى صعيد التأثير على الساحة الدولية، ومنها التأثير على مسار القضية الفلسطينية؟            

وسواء كانت نتيجة الاستفتاء في اسكتلندا بالايجاب، اي بالانفصال عن بريطانيا، ومن ثم تأسيس دولة " اسكتلندا" المستقلة، او بالسلب وبالتالي بقيت " اسكتلندا" جزءا من النظام السياسي البريطاني الحالي، الا ان الاسكتلنديين كانوا وسوف يبقون مختلفين عن بقية بريطانيا، وبالاخص عن الانجليز، سواء كان هذا الاختلاف في الثقافة وفي الامتداد الحضاري والتاريخي، او في النظرة الى اوروبا والى العالم والى مبادئ العدالة وحقوق الانسان، والاهم بالنسبة الينا هو موقفهم من القضية الفلسطينية، او بالادق تأييدهم الكبير للحقوق الفلسطينية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير