لماذا لا "يحكمون" غزة؟

16.09.2014 08:44 AM

وطن - كتب:د.أحمد جميل عزم: تَتّهم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وأطراف عربية وفلسطينية أخرى، حركةَ "حماس" بالسعي إلى التحكم بالشأن الغزّي، بواسطة حكومة ظل، وبسلاح المقاومة. والحقيقة أنّ الواقع الراهن يُظهر أنّ لا أحد يسيطر على غزة وما يجري فيها؛ لا "حماس" ولا العرب، ولا حتى الإسرائيليون. ولو كانت السيطرة ممكنة، لما احتاجت "حماس" الدخول في حكومة وحدة وطنية. هذا لا يعني أنّ هناك انفلاتا، أو أنّ قوى "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لا تقرر جزءا كبيرا من الحدث على الأرض، بل الأهم أنّ هناك عجزا عن تلبية الوظائف الأساسية للحكم. 

على أي حكم أن يقوم بوظائف أساسية للمواطنين، في الغذاء، والأمن، والصحة، والتعليم، ودفع رواتب موظفيه، وتقديم شبكة علاقات دولية مُنتجة وواسعة... إلخ. وعلى مدى سبع سنوات، اختَبَرَت "حماس" في غزة مسألتان: الأولى، دور القطاع في المقاومة. والثانية، الحُكم والقيام بالوظائف الأساسية.
في المقاومة، صار لدى الحركة توجّهات واضحة عبّرت عنها صراحة، وتأكدت في الحرب الأخيرة، مفادها أنّها تريد هدنة بعيدة المدى في غزة. وهي هدنة مرتبطة بالوضع الأمني وعدم الاعتداء، ورفع الحصار عن القطاع، وليس مطروحاً تصورات سياسية أكبر ذات علاقة بالقضية الفلسطينية. وبهذا، فإنّ المقاومة في غزة مرتبطة بما سيحدث سياسيا بشأن القطاع، ولا توجد نظريات من نوع تحويل غزة إلى قاعدة مقاومة عسكرية لتحرير جزء آخر من فلسطين. وفي أحسن الأحوال، يكون الحديث عن أهمية غزة في بنية الشعب الفلسطيني، وتعزيز قدراته على الصمود وصيانة حركته الوطنيّة، أي إذا "طُبِّعَت" أوضاع غزة، لا يعود سلاح المقاومة مطروحاً إلا باعتباره للردع والدفاع.
وفي مسألة الحكم، اتضح لحماس مدى تعقيد أعباء الحكم، ليس على صعيد القيام بمسؤوليات إزاء الحُكم وحسب، بل وحتى نحو الموظفين والجنود الذين توظفهم الحركة وحكومتها للقيام بأعباء الحكم (الرواتب مثلا). بهذا المعنى، باتت "حماس" جاهزة لتقبّل تَسويات داخليّة بشأن أمور كثيرة، وأَفضل الأمثلة على ذلك سلوكها المرن في تشكيل "حكومة الوفاق"، وصيغة الوفد الموحد في القاهرة للتفاوض مع الإسرائيليين، والتصريحات الكثيرة حول الموقف من المفاوضات مع الإسرائيليين.
رغم هذا، لا توجد مؤشرات على انتهاز هذه الفرصة فلسطينياً، وتحديداً من قبل القيادة الفلسطينية.
هناك إشارات وتصريحات من حكومة السلطة الفلسطينية الراهنة، تشير إلى معارضة "العالم" قيام الحكومة بمهامها في غزة. ومن هذا قول رئيس الحكومة رامي الحمدالله، لوكالة الأنباء الفرنسية: "كل دول العالم، ولم يتبق أحد لم يحذّر إنه إذا دُفعت هذه الأموال (إلى غزة) فسيتم مقاطعة الحكومة والشعب الفلسطيني".
هذا يعني أنّ حكومة رام الله، التي تستند إلى دعم حركة "فتح" ورئيسها، تتعثر في القيام بوظائفها في غزة، وتُضيع فرصة القول إنّ حالة التعثر التي كانت قبل سيطرة حركة "حماس" العسكرية، العام 2007، عندما كانت "فتح" هي المسؤولة، وحالة التعثر التي رافقت حكومة "حماس"، يمكن الآن تجاوزها، ويمكن ضرب مثال على ما يمكن فعله في غزة من دون سيطرة "حماس"، وبعد إخراج شخصيات مثل محمد دحلان من الصورة. وهناك تعثر في تقديم صورة للعالم بأنّه إذا خرجت "إسرائيل" من الصورة (من غزة أو غيرها)، يمكن للفلسطينيين أن يرتبوا أمورهم ويقدموا نموذجا ناجحا للحوكمة، والتنمية والأمن. وهناك تعثر في القول إنّه يمكننا جعل الحياة أفضل في غزة، وبالتالي في كل فلسطين. وتعثر في القول أو الزعم إنّه بما أنّ "حماس" قبلت الآن "برؤيتنا" السياسية للمشروع الوطني، وأصبحنا نتولى المسؤوليات التنفيذية، فإنّه يمكن أن نوضّح أننا سننجح.
هل حقاً يصعب "تسويق" مثل هذه الأفكار للعالم، ليتقبل تولي "السلطة" مسؤولياتها في غزة، واحتواء الأجهزة والموظفين الذين دخلوا "السلطة" في زمن "حماس"، خصوصاً أن اتخاذ كل التدابير، والتفاوض مع "حماس" على أي متطلب لضمان سلاسة قيام الحكومة بواجباتها، ممكن الآن أكثر من أي وقت سابق؟
هل حقا يوجد ما يعوق العودة إلى غزة بنموذج حكم وبناء ناجحين؟ إذا كانت هناك عوائق، فالرأي العام بحاجة إلى تفاصيل أكثر وأوضح.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير