غزة والمأساة المزدوجة؟ - بقلم:د.عقل أبو قرع

19.09.2014 08:24 AM

من اكثر الصور حزنا، او ايلاما، والتي من الصعب ان تفارق الذاكرة، هي غرق اناس ابرياء، من بينهم الاطفال والنساء وربما الكبار في السن، وبالتحديد حين يتم الغرق، في طريق البحث عن مكان اكثر امانا، او البحث عن مكان يوجد فية فرصة عمل، اوعن مكان يضمن لهم الحصول على العيش الكريم، او مكان يمكن ان يتم فية بناء مستقبل للاطفال، بعيدا عن التعقيدات والمنغصات وعن الصعوبات والازمات التي تم التعود عليها، ويبدو ان هذا هو الوضع الذي تناقلتة الانباء خلال الايام الاخيرة الماضية، من غرق قوارب تحمل العشرات، بل ربما المئات، من الناس، من دول او من مناطق، تعيش الحروب والدمار والقتل، وبالتحديد كان من بينهم السوريين، وكذلك الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة؟

وتزداد الصورة ايلاما، حين يتم معرفة كيفية وصول هؤلاء الاشخاص من غزة الى السفن التي ترسو في البحر، في دول اخرى، تنتظرلاخذهم الى دول او مناطق اخرى في العالم، ونحن نعرف ان الدخول الى غزة، او الخروج منها هو بالامر ليس بهذه البساطة، حيث المعابر مغلقة، والحدود مراقبة، وامكانية القتل واردة، وبالتالي فأن الافتراض يقول ان هؤلاء الاشخاص الذين خرجوا او تم تهريبهم من غزة، قد خرجوا من خلال طرق خطرة، وربما من خلال الانفاق، وانهم قد دفعوا من اموالهم وعرقهم وخوفهم ثمنا.    

وبغض النظر عن مدى قوة المبررات، او عن عدالة الدوافع، التي دفعت الناس من غزة، الى الهروب او الى المغادرة او الى ترك البلاد، الا ان العملية بمجملها تبعث على الحزن وعلى الشفقة من الاوضاع التي وصلنا اليها، حيث من الصعب التصور ان شخص او رب عائلة، ومع الاسرة بكاملها، من اطفال ونساء، ياخذون الدور او ينتظرون من اجل المغادرة، وهم يدركون حجم المخاطرة والاحتمال الكبير للموت، سواء من خلال انهيار الانفاق، او من خلال الغرق في مياة البحر الواسعة، او حتى من خلال اطلاق النار في المطاردات من هذا الجانب  او ذاك، ورغم ذلك فأنهم يجازفون بترك البلاد، او الارض، التي يوجد عليها ومن اجلها تنافس حاد وصراع عمرة حتى الان، حوالي خمسة وستون عاما؟

والسؤال الذي يتبادر الى ذهن الكثير، هو من المسؤول عن هذا الوضع، هو هو الاحتلال او الحصار، وهل هو الوضع الداخلي، وهل هو الاحباط او عدم وجود الامل بأي حل في الافق، او اليأس من  عدم وجود حل لهذا الصراع، او كل ذلك،  وحتى لو كان كل ذلك، فهل هذه الاسباب هي كفيلة بدفع اشخاص بالمخاطرة وبالحياة، من اجل الوصول الى وضع جديد، في منطقة غريبة، وبمستقبل مجهول، والاهم هو من يتخذ القرار بالمغادرة في هذه الظروف، فأنة يكون قد اتخذ القرار بعدم العودة الى البلاد مرة اخرى، لان من يقوم بهذه المغامرة، اي الهروب في ظل التعقيدات والمخاطر، لا يفكر ولا يخطر على بالة بالعودة، وهذا الوضع يتطلب من السياسيين والاقتصاديين والمفكرين وحتى من رجال الدين، دراستة وفورا وبعمق، والسؤال المفترض الاجابة علية، هل لو ان المجال يصبح متاحا اكثر، او ان عملية المغادرة تصبح اكثر سهولة، او ان الهرب يصبح اقل خطرا، فالسؤال هو كم سوف يتبقى من الناس في غزة، وحتى في الضفة، او في كل فلسطين؟

واذا كان الاقتصاد هو احد اهم العوامل الرئيسية الذي يدفع الناس الى تغيير مكان السكن او العمل، اي ان غالبية الناس ترغب في الانتقال من مكان الى اخر، من اجل حياة افضل ومستوى معيشة اعلى، والعيش بكرامة، ولكن وفي معظم الاحيان لا يتم اخذ المخاطرة التي يلجأ اليها الناس في غزة، والفرق الاخر هو انة في الوضع الطبيعي لترك البلاد، يبقى الامل والتخطيط بالعودة اليها، وهذا الوضع لا ينطبق على الناس الذي يغادرون غزة، واذا استمر الوضع على ما هو علية، فأنة وبالاضافة الى المأساة الانسانية، سوف تكون هناك عواقب في كل المجالات، ومنها البعد السياسي او الديمغرافي، الذي يتمثل بتفريغ الارض من اهم عنصر فيها، وهو البشر؟

وفي ظل التخبط العالمي والعربي في المنطقة، وبالتالي تناسي او اهمال الوضع الفلسطيني، فقد يكون الوضع في غزة وما يحتاجة من كل انواع المساعدات والطوارئ، وبالاخص مساعدات الاعمار والايواء وتوفير نوعا من العيش الكربم للناس هناك، قد يكون هذا الوضع هو الضحية وسوف يساعد على المزيد من التهجير والهروب والمخاطرة لترك البلاد،  وبالاخص ان فصل الشتاء وما قد يرافقة من امطار هو على الابواب، اي خلال شهر او شهرين، ويمكن تصور المأساة التي ستحل في غزة، حين تختلط مياة الامطار مع مياة الصرف الصحي التي تنساب عشوائيا،  من الشبكات او الخطوط المدمرة، ومع وجود الناس في الخلاء او في الخيام او حتى داخل اماكن مغلقة مكتظة ومزدحمة، وقد تكون بدون تهوية او بدون خدمات؟

وان حدث وتم تأجيل المؤتمر الدولي العتيد، من اجل اعمار غزة كما يتوقع البعض، وحتى لو انعقد هذا المؤتمر في الوقت المحدد لة في الشهر القادم، فقد لا تصل الاموال او المساعدات الا بعد اشهر او اكثر، او حتى يمكن ان لا تصل على الاطلاق او قد تصل مبالغ رمزية فقط من باب الاعلام او رفع العتب، والامثلة على ذلك من المؤتمرات المشابهة التي عقدت في الماضي لهي شاهد على ذلك، وكيف انة تم تجميد او عدم ارسال اموال وتحت ذرائع كثيرة، وان ما دفع الثمن هو قطاع غزة والناس في القطاع،  وفي ظل الاوضاع الحالية، فأن ذلك سوف يشجع على المزيد من الهرب او التهريب من غزة، وفي المدى البعيد سوف تكون غزة والقضية الفلسطينية هي الخاسر الاكبر؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير