جبرائيل نداف لم يهبط من السماء بل نبت من بيننا فلم العجب!

19.09.2014 12:53 PM

وطن - كتب:نصار إبراهيم:17 أيلول 2014 الخبر: وقّعَ وزيرُ الداخليّة الإسرائيلي، جدعون ساعر، يوم الثلاثاء الموافق 16 أيلول على توجيهات تسمح بتسجيل المسيحيين الفلسطينيين في سجلّ السكان في وزارة الداخلية تحت تصنيف القوميّة الآرامية.

وقد قبِل وزير الداخليّة الإسرائيليّ بهذا القرار بعد أن تلقى ثلاثة آراء مهنيّة أكاديمية في هذا الموضوع وحسبها "فإنّ حقيقة وجود القوميّة الآراميّة ظاهرة للعيان وقائمة لهذه الأمة. والشروط المطلوبة والكافية لبرهنة قيام أمّة هي، إضافة للتراث التاريخي، الدين، الحضارة، المنشَأ واللغة المشتركة".

ويعتبرجبرائيل نداف (من مواليد 18 أغسطس عام1973) في مدينة الناصرة) من المروجين لهذه الدعوة، كما يعتبر المرجعية الروحية لمنتدى المسيحيين في إسرائيل, حيث يدعم دمج المسيحيين في جميع مؤسسات الدولة، بمافي ذلك الجيش والخدمة الوطنية.
(المصدر: http://www.al-masdar.net - 17 أيلول 2014).

بالتأكيد إن هذه الظاهرة على محدوديتهاوهامشيتها بين المسيحيين الفلسطينيين ترعاها وتغذيها سياسات الاحتلال واحتضانه وحمايته لها... ومع ذلك فإن هذا النداف لم يسقط علينا من السماء، بل هو مولود مشوه في واقع أكثر تشوها... فما كان ليكون لو أن ديناميات الوعي والثقافة والسياسة والسلوك في المجتمع الفلسطيني كانت صلبة وصلدة بما يكفي لكي تحصن البيئة الوطنية والقومية الفلسطينية في وجه مثل هذه الظواهر وغيرها.

لقد تهيأت البيئة  لمثل هذه الهذيانات عبر صيرورات وتراكمات مديدة كانت تحفر بعمق في الوعي الجمعي العربي والفلسطيني... وهي ظاهرة لا تعني المسيحيين فقط بل تعني الجميع من محيط الوطن العربي إلى خليجه... فما الغرابة في أن يخرج من بين الفلسطينيين نداف يروج للقومية الآرامية والاندماج في المجتمع الإسرائيلي بل والخدمة في جيش الاحتلال إذا كانت الثقافة السائدة منذ عام 1916هي ثقافة سايكس - بيكو، حيث جرى تمزيق الجغرافيا والسكان وتوزيعهما على الخريطة بقلم الاستعمار...ومن يومها وكل قطر يبحث عن تاريخ خاص به، وعن بطولات خاصة، وعن أكلات شعبية خاصة، وعن لباس خاص وأغان خاصة... وهكذا... لقد دخل المجتمع العربي بما في ذلك الفلسطيني في دينامية التكيف والتأقلم بل والتبجح بالخصوصية على حساب القومية العربية الجامعة كبوتقة صهر هي الأرقى والأنبل، فلم لا يظهر نداف أو سواه ليروج ويدعو لتهويماته الخاصة في مثل هكذا واقع هش.

وما الغرابة في الحديث عن قومية آرامية فيما القوى السياسية الفلسطينية الأكبر مشغولة بتقسيم المقسم، فهنا سلطة رام الله وهناك سلطة غزة، وهذا تركي الهوى وذاك سعودي الصَّبا؟!

وما الغرابة في ظهور نداف فيما المحيط كله يرقص على إيقاعات الطائفية المرعبة: سني – شيعي – يزيدي – أشوري- كلداني – شافعي –مالكي – حنبلي- روم أرثوذكس – لاتين – موارنة – دروز – سريان – لوثري – أرمني... فما الغرابة في غمرة هذه الريح الهوجاء في أن يجد نداف ووزير داخلية إسرائيل زاوية خاصة بهما إسمها القومية الآرامية؟

ولم الغرابة والاستهجان في عودة الروح إلى مومياءات الآرامية والفرعونية والكنعانية والفينيقية والنبطية إذا كانت النخب السياسية والثقافية والأكاديمية والاجتماعية غارقة في المساومة على الانتماء القومي الأصل والصمت أمام ثقافة الأنا والتميز الفقير للجماعة العضوية على حساب الجماعة الوطنية والقومية... فمن يقبل في لحظة بتقديم انتمائه البدائي على انتمائه القومي يكون بذلك قد فتح أبواب جحيم التقسيم والتفسخ الاجتماعي على مصراعيها... أليس كذلك؟

ولم لا تستيقظ  داحس والغبراء وثقافة "وما  أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزيةأرشد" ونحن في حياتنا وسلوكنا اليومي نثير الحساسية والنفور في عقول أطفالنا ونحط أمامهم من قيمة جارنا لأنه مسيحي أو مسلم أو علماني أو يساري أو خليلي  أو لاجئ أو بدوي أو نابلسي أو حتى عفريت لا يهم.

إذن هي االنتيجة الطبيعية والمنطقية للتكيف والتساوق الواعي أو غير الواعي مع البنى السياسية والجغرافية والسكانية والثقافية التي تفرضها قوى الهيمنة الاستعمارية على المجتمع وما تعنيه في النهاية من تشكل الحاضنة لمختلف الظواهر الشاذة المناقضة لمصلحة الأمة أو الشعب.

وزير داخلية إسرائيل ساعر، يبذل المستحيل لكي تصبح إسرائيل بأيديولوجيتها الصهيونية بوتقة صهر عملاقة (سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ولغويا..) ليهود العالم من أمم وثقافات مختلفة وسياقات تاريخية ولغات مختلفة... وفي ذات اللحظة يوظف الأكاديميا الإسرائيلية لكي تبرهن له بأن الأرامية هي قومية لكي يغري مئات"المسيحيين الفلسطينيين" بالخصوصية والأهم بالامتيازات بأنهم قومية خاصة... وهي ذات السياسة التي اتبعت  تجاه الدروز والبدو الفلسطينيين، وبعد غد قديقترح ساعر نفسه وجود قومية مقدسية، وقومية غزاوية، وقومية خليلية... وغيرها...فلا يستغربن أحد ذلك إذا ما تنافخنا شرفا وفخرا بهذا الانتماء الضيق على حساب فلسطين الوطن والقومية العربية.

مواجهة ظاهرة نداف على محدوديتها وهامشيتها وانطلاقا من الثقة المطلقة بمسيحيي فلسطين... ليس محركها الخوف على المسيحية الفلسطينية بل الرعب من التكيف والتعايش مع ثقافة العبث بروح الشعب ووحدته الوطنية القومية...وحينها سنكون أمام كارثة ثقافية وإنسانية واجتماعية مروعة...

هذا هو التحدي أمام القوى السياسية والنخب الثقافية والأكاديمية والاجتماعية الفلسطينية والعربية... التي عليها النهوض لإعادة الاعتبار لروح الشعب والوطن والارتقاء لمستوى مهام التحرر الوطني والاجتماعي والانتماء القومي العروبي والإنساني التقدمي، وغير ذلك هو السقوط والهبوط وانتظار ميلاد نداف أو داعش جديد هنا وهناك في أية لحظة... وحينها لا تلوموا وزير داخلية إسرائيل... بل أنظرو في المرآة حيث سيكون نداف وفوق رأسه ترفرف أعلام دولة إسرائيل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير