بادية القدس في مهب التهويد - بقلم: عبد الحكيم أبو جاموس

29.09.2014 08:18 PM

يبدو أن قول الشاعر: إن كنت لا تدري فتلك مصيبة: أو كنت تدري فالمصيبة أعظمُ، بات ينطبق علينا قولاً وفعلاً، خاصة فيما يتعلّق بمخطط إسرائيلي خبيث يستهدف التهجير القسري لآلاف البدو الفلسطينيين، الذين يتركّزون في بادية القدس الشرقية، ويسعى لإسكانهم في منطقة النويعمة شمال غرب أريحا.

وتستحق وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كل الشكر، على موقفها الرائع والمتقدم، لكشفها عن خطورة المشروع وأهدافه التدميرية، والتي عبّرت عن رفضها له على لسان مديرها بيار كراهنبول، الذي اعتبر الأمر ترحيلاً قسرياً مما يعد خرقاً لاتفاقية جنيف الرابعة، بل قد يؤدي إلى مزيد من التوسع الاستيطاني غير الشرعي.

غالبية البدو المهددين بهذا الإجراء مسجلون كلاجئين، وإسرائيل تدّعي أنها ستسمح لهم بالعيش في "أمكنة ذات بنى تحتية ملائمة"، والهدف الأخطر، هو تفريغ بادية القدس وتوسيع مستوطنة "معالي أدوميم"، عبر بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة، ستقسم الضفة الغربية نصفين معزولين عن القدس تماماً بحزام استيطاني يمتد من شرق القدس إلى الأغوار الوسطى والشمالية حتى البحر الميت جنوباً.

هذا المخطط الجهنمي ليس جديداً، وحاولت إسرائيل مرات عديدة أن توهمنا أنه لصالحنا، فظهرت أصوات إسرائيلية تعارضه مرّة، وتؤيده مرات. ففي (نيسان) 2014 أعلنت سلطات الاحتلال عن خطة لإعادة توطين تجمعات بدوية رعوية تعيش في مناطق مختلفة في الضفة الغربية في ثلاث ضواحٍ هي: النويعمة والجبل وفصايل (في منطقة أريحا) وهذا يعني تهجير 23 تجمعاً بدوياً تضم نحو 14 ألف نسمة، والاستيلاء على عشرات آلاف الدونمات في تلك المنطقة من القدس المحتلة، وحشر البدو في منطقة لا تزيد عن 1500 دونم، وهذا يعني انهيار اقتصاداتهم الرعوية، وتدمير نسيجهم الاجتماعي ونمط حياتهم البدوي إلى غير رجعة، وهؤلاء البدو من عشائر الجهالين والكعابنة والرشايدة، يرغبون في العودة إلى أراضيهم الأصلية في النقب، التي هُجّروا عنها قسراً. وحتى موعد العودة، فإن رغبتهم هي البقاء حيث يوجدون في الوقت الحالي.

إذاً، إسرائيل ترمي إلى اقتلاع التجمعات البدوية في المناطق الواقعة شرق القدس، وتجميعهم في بلدة تخطط لإقامتها في منطقة الأغوار، تحمل اسم "رمات نويعمة" من أجل وضع اليد على أراضيهم، لتصبح لقمة سائغة للنهب والمصادرة، وتطهيرها تماماً من الوجود الفلسطيني.

علينا أن نقف بقوّة وحزم، سلطةً ومؤسسات وجماهير، ضد مثل هكذا مخططات تدميرية، ويقع علينا جميعاً اللوم، ومن حقنا أن نعتب على مسؤولينا الذين لم يتنبهوا لهذا الخطر الداهم إلا في اللحظات الأخيرة، وأن نعتب على الشركة الوطنية التي نفذت المخططات، لأنها أقدر الناس على تحسس المخاطر والتهديدات، ولأن تبريراتها غير مقنعة - وإن كانت أهدافها نبيلة - وتشبه تماماً تفسير العذر أقبح من ذنب على طريقة الشاعر أبو نواس.

إن نجاح هذا المخطط – لا سمح الله – في ظل ما تسرب مؤخراً أيضاً من حديث عن مخطط سري يقوم على إغلاق الشارع الرئيسي القدس - أريحا أمام المواطنين الفلسطينيين، واستبداله باستخدام طريق المعرجات، عبر إعادة تأهيله، لجعله واسعاً ويمكن استخدامه من قبل الفلسطينيين، وحرمانهم من استخدام طريق أريحا القدس... وكذلك عن خطة إسرائيلية لتجميع كل السكان من منطقة مسافر يطا في جنوب الخليل، مروراً بريف بني نعيم ومنطقة الرشايدة في بيت لحم، باتجاه الشمال في الأغوار الوسطى والشمالية، يعني إخلاء الفلسطينيين من حوالي 60% من أراضي الضفة الغربية، ومنع وجود حدود فلسطينية أردنية مشتركة، وبذلك نقرأ على الأغوار الفلسطينية السلام، التي لطالما هدد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بضمها لكيانه، وبناء جدار فاصل على الحدود مع الأردن، إحكام قبضته عليها، وهي سلّة غذاء فلسطين، وعمق الدولة الفلسطينية المنشودة.
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير