كيف تسكت المعارضة الإسرائيلية؟ - كتب ميراف زونزن

01.10.2014 01:40 PM

ترجمة خاصة لــ وطن - عن صحيفة "نيويورك تايمز"


12 تموز/ يوليو: بعد أيام من نشوب الحرب الأخيرة على غزة، تجمع مئات الإسرائيليين وسط "تل أبيب" احتجاجًا على قتل المدنيين من الجانبين، ودعوا إلى إنهاء الحصار على غزة والاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية. لقد هتفوا "اليهود والعرب يرفضون أن يكونوا أعداء".

وكانت حماس حذرت من أنها ستطلق وابلًا من الصواريخ على "وسط إسرائيل بعد الساعة 9:00 مساء، وهو ما فعلته".

لكن الإصابات التي وقعت في "تل أبيب" تلك الليلة، لم تكن بسبب إطلاق الصواريخ، بل من هجوم متعمد لمجموعة من "المتطرفين اليهود الإسرائيليين" كان هتافهم "الموت للعرب" و"الموت لليساريين،" وهاجموا المتظاهرين بالهراوات.

ورغم أن عديد المتظاهرين تعرضوا للضرب واحتاجوا للعناية الطبية، إلا أن الشرطة لم تعتقل أي أحد من المعتدين.

بعد أسبوع حدث الشيء نفسه في احتجاج آخر لمناهضي الحرب في حيفا. لكن هذه المرة، كان نائب عمدة المدينة سهيل الأسد، وابنه، من بين الضحايا، ولم يقم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإصدار أي بيان يدين أعمال العنف رغم قوله سابقًا إن من أولوياته "سلامة المواطنين الإسرائيليين".

إن الذم الصادر من الإسرائيليين القلائل الذين لا يوافقون على الجناح اليميني ليس بالشيء الجديد. حيث وقعت أعمال مماثلة قبل اغتيال رئيس الوزراء إسحق رابين عام 1995، لكنها الآن ازدات وتضاعفت وانتشرت.

10 تموز/ يوليو: لم تظهر الممثلة الإسرائيلية المخضرمة جيلا الماجور للأداء في مسرح "حبيمة- تل أبيب"؛ لتلقيها تهديدات  بالقتل على خشبة المسرح.

وفي مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قبل بضعة أيام، قالت الماجور إنها "أعربت عن الشعور بالخجل بعد اختطاف صبي فلسطيني (16 عاما)، محمد أبو خضير، وإحراقه حيا من قبل المتطرفين اليهود".

في مقابلة أخرى خلال الحرب على غزة، قالت الممثلة الكوميدية الشعبية أورنا بناي إنها "شعرت بالسوء لأن النساء والأطفال الفلسطينيين يقتلون"، لكنها طردت مرارا من منصبها كمتحدثة باسم مشغل السفينة السياحية الإسرائيلية.

كما استأجرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية حراسًا شخصيين لكاتب المقالات فيها جدعون ليفي، بعد أن كتب مقالا ينتقد طياري سلاح الجو الإسرائيلي.

الإسكات العدواني لأي شخص يعرب عن رفضه للسياسات الإسرائيلية أو عن التعاطف مع الفلسطينيين هو آخر مظهر من مظاهر عقلية "نحن في مقابلهم".

وبناء على الرواية الإسرائيلية، فإن الفلسطينيين هم "الأعداء الذين يهددون السيادة اليهودية ووحدهم المسؤولون عن الفشل في تحقيق السلام".

ومعسكر السلام الإسرائيلي - الذي يركز بشدة على وقف التوسع الاستيطاني ومتابعة حل الدولتين البعيد المنال في الوقت نفسه الذي تتجاهل فيه فشل إسرائيل في فصل الدين عن الدولة وضمان حقوق متساوية للمواطنين العرب- كان غير قادر على وقف عقلية " نحن في مقابلهم".

كان المجتمع الإسرائيلي غير قادر وغير راغب في التغلب على العرقية والدينية القومية التي تعطي امتيازات حصرية للمواطنين اليهود وتتمثل سياسيا من قبل حركة الاستيطان الديني واليمين العلماني المحافظ على نحو متزايد. ولاتزال القوى التقدمية في إسرائيل الليبرالية ضعيفة في مواجهة الاقتصاد القوي الذي يستفيد من الاحتلال، بينما التراخي الدولي يعزز الوضع الراهن.

في محاولة لتزييف كونها يهودية وديمقراطية، فإن معظم الإسرائيليين يختارون الأول على حساب الأخير.

لم يسبق، على سبيل المثال، أن تواجه إسرائيل بصدق حقيقة أن العرب غير اليهود الذين يعرفون عموما على أنهم مع الفلسطينيين يقدرون بنحو 20% من السكان (وهذا لا يشمل قرابة ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية في القدس الشرقية والضفة الغربية).

إسرائيل أيضا لم تحدد بوضوح حدودها، مفضلة الاحتفاظ بها غامضة ويسهل اختراقها. كما لم تعرف ما التمييز أن تكون "إسرائيليًا" عن كونك "يهوديًا"، الأمر الذي ترك فراغًا تم شغله من قبل القومية والأيديولوجيات الدينية.

وسمح ذلك لعقلية "نحن في مقابلهم" أن تنزف في المجتمع اليهودي الإسرائيلي. "نحن" لم تعد تشير إلى أي مواطن يهودي، و"هم" إلى أي فلسطيني. الآن، يعني "نحن" جميع أولئك الذين يدافعون عن الوضع الراهن من الاحتلال والتوسع الاستيطاني، بما في ذلك العديد من المسيحيين الإنجيليين والجمهوريين في أميركا. ويعني "هم" كل من يحاول أن يتحدى الوضع القائم، سواء حاخام، أو جنديًا إسرائيليًا من المعارضة أو رئيس الولايات المتحدة.

ربما هذا لا ينبغي أن يأتي بمثابة صدمة. وبالنسبة لمعظم الموجودين في إسرائيل، فإن غالبية الإسرائيليين سمحوا أن تكون الدولة باسم السيادة والأمن اليهودي، وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين - بما في ذلك الحصول على المياه وحرية التنقل والتجمع- حيث قامت الدولة بقتل متظاهرين عزل  ثم فشلت في إجراء تحقيقات، وسمحت للمستوطنين والجنود بالإفلات من العقاب، وسمحت بالتمييز بشكل منهجي ضد المواطنين غير اليهود، بعد سنوات عدة من قمع أولئك الذين يقفون في الطريق، والانتقال إلى استهداف "واحد منا" ليس بالشيء الصعب. الآن قلائل هم من الإسرائيليين اليهود الذين يتكلمون لغة حقوق الإنسان والذين يوصفون بالأعداء.

زئيف ستيرنهيل، أستاذ في العلوم السياسية وخبير في "الفاشية"، يعتقد أن "القومية المتطرفة وتآكل قيم التنوير وصلا إلى مستويات جديدة في إسرائيل". وكان ستيرنهيل شهد "العنف المتطرف اليهودي مباشرة عام 2008، أصيب بجروح نتيجة زرع مستوطن قنبلة في منزله".

ويبدو على نحو متزايد، أن الإسرائيليين غير مستعدين للاستماع إلى الانتقادات، حتى عندما يأتي من داخل أسرتهم. هم ليس فقط ليسوا على استعداد للاستماع، بل يحاولون إسكاته حتى قبل أن يتمكن من الكلام، مع عائلة كهذه، لذا أفضل أن أُعتبر واحدًا من "هم".
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير