"إنهاء الاحتلال" شعارا وبرنامجا.. بقلم: أحمد جميل عزم

21.10.2014 08:57 AM

يتمثل التوجه الفلسطيني الرسمي الراهن بالدعوة إلى تحديد تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 موعداً لإنهاء الاحتلال، واستصدار قرارٍ من الأمم المتحدة بتبنيه. من هنا انعقدت الدورة الأخيرة للمجلس الثوري لحركة "فتح"، تحت شعار "سوياً لحماية الأقصى وبناء غزة وإنجاز الاستقلال". وعمليّاً، باتت هناك عبارة رائجة الآن في كثير من الأروقة، وعلى لسان كوادر متقدمة في صفوف حركة "فتح" تجدها في الإعلام بسهولة، وهي أنّ هذه مرحلة "إنهاء الاحتلال". فما الذي يعنيه هذا ميدانيّاً؟

مما يفتقده الشارع الفلسطيني حاليّاً، الشعار الجامع (رغم وجود قضايا جامعة). وتاريخيا، كان لكل مرحلة شعارها، بل ولكل فصيل شعاره، وكان جزءٌ من نجاح الفصيل في تحويل الشعار إلى برنامج عمل أو موقف شعبي. في وقت من الأوقات، كان شعار حركة "فتح" هو "فتح ديمومة الثورة وشعلة الكفاح المسلح". ومع أنّ "فتح" في البدايات عارضت فكرة التسوية، واصطدمت مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر بسبب ذلك، فكانت فكرة المقاومة المسلحة شعارا وبرنامجا، إلا أن الحركة طورت شعارها ليصبح "البندقية تزرع والسياسة تحصد"، وبات هناك شعار على لسان الطفل والرجل والمرأة في قطاعات واسعة، هو: "الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس"، باعتبارها هدفا وطنيا عاما. وفي الأثناء، ومع تأسيس حركة "حماس" نهاية الثمانينيات، أصرت هذه الأخيرة على شعار مضاد هو: "فلسطين من البحر إلى النهر"، وأن لا تفاوض على أي جزء منها.

يلاحظ المراقب للسنوات الأخيرة أنّ الشارع الفلسطيني يكاد يخلو من شعارات جامعة، وبالتالي لبرامج يجري الالتفاف حولها شعبيا. فشعار الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، بات يفقد جاذبيته العملية لأسباب متعددة، أهمها تعثره، والإرباكات والمعضلات الناتجة عن الخلط بين إقامة كيان دولاتي (سلطة وحكومات في الضفة وغزة، بما فيها من أجهزة أمن وشرطة وصراع الفصائل عليها). أضف إلى ذلك، ورغم معارك غزة، أنّ فكرة رفض المفاوضات وفكرة رفض التسويات اختفت من شعارات حركة "حماس"، وحلت بدلاً منهما تصريحات في صحف ووسائل أنباء عالمية عن "الحقوق الوطنية المشروعة"، التي عرّفها خالد مشعل وغيره بصراحة على أساس الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967؛ وبالتالي صار الشعار الأصلي مرتبكا أو مفقودا.

عمليا، تعني فكرة "إنهاء الاحتلال" المطروحة حاليا، ضرورة رفض الحديث عن مفاوضات تتعلق بقضايا مثل المعابر والجزئيات، أو ما عبّر عنه عضو في المجلس الثوري لحركة "فتح" بقوله: "نريد إزالة الاحتلال وإقامة الدولة وتطبيق الشرعية الدولية. ونرفض الحديث عن أسرى أو استيطان أو معابر، وكل جزئيات الاحتلال وسلوكه، إلا بإزالة جذوره وإفرازاته، وأن نصبح أحرارا موحدين مناضلين، ولتوقف كل العلاقات مع الاحتلال، وأن يتكلل ذلك بدولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها وحدودها وسيادتها ومطارها ومينائها".

يستبق شعار "إنهاء الاحتلال" خطر الوقوع في مفاوضات تتحدث في الجزئيات، وتهمل الوطن (الدولة)؛ فيصبح الحديث في قضايا الحياة اليومية مقبولاً، ومفاوضات إنهاء الاحتلال مرفوضة. ولكن حتى يتحول شعار "إنهاء الاحتلال" إلى شيء عملي، يصبح المطلوب مواجهة حقائق، أهمها: أن الذهاب للأمم المتحدة والمحافل الدولية هو جزء أساسي من المعركة، ولكنه بالمطلق غير كافٍ. وأنّ المواجهة مع الاحتلال هي الأساس. وأنّ إبقاء الأمر في المقاومة الشعبية أسير الشعارات العامة؛ من دون برامج واضحة ومطلوبة من الشعب، ومن دون آلية لفرضها على من يخالفها، يشكك في مدى إمكانية تحول الشعار إلى برنامج عمل.

البرنامج يتضمن، أولا، إجابات سياسة. فمن المفهوم أنّ إنهاء الاحتلال يعني إنهاء احتلال أراضي العام 1967، ولا يجيب عن باقي القضايا، وأهمها فلسطين التاريخية وشعبها، وماذا سيكون الحل بالنسبة لهما. وثانيا، كيف يمكن جمع كل الفصائل على قاعدة هذا الشعار؟ فمثلا، هل يمكن عقد مؤتمر وطني جامع ممثل للشعب تحت شعار "إنهاء الاحتلال"؟ ثم، ما هي الخطوات اليومية والشهرية والأسبوعية المطلوبة من كل فلسطيني؛ وكيف ستعلن ومن سيحددها؛ وما مدى مركزيتها وعدم مركزيتها؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة لطرح هذا البرنامج؟ وأول هذه السيناريوهات، بالنسبة لمن يرفعون الشعار، هو أنّه لم يسمح للمجلس الثوري لحركة "فتح" أو مؤتمرها العام بالانعقاد في فلسطين إذا تحول البرنامج لشيء جدي، فما هو العمل؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير