فقط في فلسطين: حكومة و2770 مؤسسة أهلية تدعم الاحتلال!

22.10.2014 11:33 AM

 كتب: معن سمارة

  أعرف أن هذا العنوان ثقيل جدا، وغير مقبول من قبل العديد من الفلسطينين، وربما يكون غير حقيقي في معناه، وفحواه لهم، ولكن الدراسة التي خرج بنتائجها يوم أمس مرصد السياسات الإقتصادية والإجتماعية " المرصد" حول عمل وعدد المؤسسات الأهلية في فلسطين يشير إلى هذا العنوان بشكل أو بآخر.

فما معنى وجود أكثر من 2770 مؤسسة أهلية فلسطينية تتماشى مع السياسات العامة للدول والمؤسسات المانحة دون أن تفرض أي شرط فلسطيني تنموي سياسي أو فكري بهذا في مقابل هذا التمويل؟

ما معنى أن تقبل الحكومة الفلسطينية دوما بقرارات المانحين والإحتلال فيما يخص الحياة اليومية العامة في فلسطين؟

ما معنى أن يظل الإنقسام، والتفرقة بين الضفة وغزة مستمرا، وإن كانت هناك محاولات وهمية لدحرها؟

ما معنى أن الحريات العامة في تراجع مستمر؟

ما معنى إستمرار الإستيطان، والإستيلاء على المصادر الطبيعية في فلسطين من قبل الإحتلال؟

ما معنى إنعدام أي تطوير حقيقي في قطاعات الصحة والتربية والشباب؟

ما معنى إستمرار مناهج وطرق إستغلال المنصب، وتفشي الواسطة والمحسوبية في شتى مناحي الحياة الفلسطينية؟

ما معنى تفرد القطاع الخاص ببنية وشكل الإقتصاد الفلسطيني، والتعامل مع الموارد برؤى فردية لا تخدم مفاهيم بناء الدولة والتحرر؟

ما معنى تزايد حالات قتل النساء على خلفية الشرف؟

لقد أفرز عمل المؤسسات الأهلية الفلسطينية ثقافة مخصية مغتربة عن بنية المجتمع الفلسطيني، وبدل من أن يكون لهذه المؤسسات دور مهم في خلخلة وغربة المنظومة الفكرية المجتعمية والثقافية والإقتصادية والمعرفية للمجمتع الفلسطيني لبناء مجتمع حقيقي قادر على مقاومة الإحتلال، ورافض دائم لوجوده بكافة الأشكال التعبوية، صارت هذه المؤسسات تعزز ثقافة قبول الإحتلال والتكيف معه، وبل تعدت ذلك إلى تعزيز مفاهيم تغيير جذري في حياتنا بناء على يقرره ويرسمه لنا من معالم حياة.

ومن هنا تفشى هذا الفكر المؤسساتي الفلسطيني الخاص في التركيبة الحزبية الفلسطينية، كون هذه المؤسسات عملت، وبكل جد وتعب، على إستقطاب رؤوس الأحزاب الفلسطينية، وناشطيها المميزين، وحولت عملهم السياسي على مر السنين الاخيرة من عمل إستقطابي نضالي إلى عمل هائم لا يقوم على رؤية أو فكرة فلسطينية بقدر ما هو خادم لمصالح الممول وأهدافه، وكأنها تعطي العالم قربانا يكفرون فيه عن إخطائهم وإهمالهم تجاه القضية الفلسطيني ودعم ومساندة أيدلوجيات العمل الوطني التحرري.

والغريب في هذا الموضوع هو التماهي والتكامل الواضح بين دور الحكومة الفلسطينية وهذه المؤسسات في تعزيز هذه الثقافة المغتربة، والعمل المشترك في محاولات حلب الممول مهما كان، ومهما كانت إيدلوجياته، وتحول الحكومة من رقيب منهجي ووطني على عمل المؤسسات إلى مؤسسة كبيرة جدا تنافس على المال، والمشاريع، والسفر، وورشات العمل، الامر الذي حدا ببعض مدراء عامين في وزارات السلطة إلى حجز مناصب دائمة لهم في الحكومة بعد أخذ أجازات طويلة لهم وإنتقالهم للعمل مدراء على بعض مشاريع التمويل في المؤسسات ( راتب أكبر). وذكر هذا المثال هنا ليس أكثر من نقطة في بحر كبير على حالات الفساد الكبيرة المشتركة بين المؤسسات الأهلية ومؤسسات الدولة الفلسطينية في محاولات إقتسام مال المانحين، والتشارك في كعكة هي سبب تسممنا جميعا، وإضمحلال توقعاتنا في دولة مستقلة.

وفي مفاهيم العمل الشبابي المجتمعي يقتصر دور الحكومة والمؤسسات على تقديم دورات تقنية خالصة خالية من أي مفاهيم بنيوية، أو تأطيرية لصالح القضية الفلسطينية، وهي حولت في ذلك مفاهيم العمل التطوعي الفلسطيني الذي كان أحدى ميزات الإنتفاضة الأولى في العام 1987، حولته إلى نظام الورشات والفنادق الفارهة، ونماذج المواصلات، وبوفيه الغداء، وهي وبوعي كامل يجب أن تحاسب عليه، أفرغت هؤلاء الشباب من قيمهم الأصيلة، وسلبتهم إرادتهم وفكرهم وثورتهم، ومدت يدها تشحد عليهم على أبواب الدول والمؤسسات المانحة.
وقد ساهمت هذه المؤسسات وبرامجها في خلق ماكينة إعلامية مستغلة، كل هدفها هو الحصول على جزء من كعكة الممول السامة، وغابت قضايا الناس، وسلب الأراضي، والقدس، والمساءلة.

وفي العمل الدولي، تنتصر إسرائيل علينا في أغلب الصراعات القانونية الدولية، وهو الأمر الذي يشير إلى ضعف ووهن دور الحكومة والمؤسسات الاهلية في هذا الإطار، ويظهر بكل وضوح سلبية دورها، وعدم قدرتها في الإشارة إلى فلسطين كدولة وكيان وشعب تحت الإحتلال وبطشه وصهيونيته.

إن الحاجة ضرورية وماسة اليوم إلى إعادة تقييم مجتمعي حقيقي لدور هذه المؤسسات والحكومة في سلب الحريات الفلسطينية، ومفاهيم التحرر، والعمل الشبابي السياسي الفلسطيني. بحاجة أيضا إلى ركل كل من يتاجر بإسم الشعب الفلسطيني في فنادق أوروبا والعالم العربي، ويبكي كالتماسيح على قضية ضائعة، وهو يحسب بينه وبين نفسه كم صار راتبه، وكم تراكم في حساب توفير أولاده البنكي، وكيف يقنع الدول المانحة بوقود سيارته، وبفواتير النسكافيه الذي يشربه.

إن فلسطين بحاجة إلى حكومة قريبة من هموم الناس ومشاكلهم، وأن تقف بشكل حقيقي في وجه إحتلال يقتلهم كل يوم، في ذات الوقت الذي هي في حاجة فيه إلى أحزاب ناهضة تنويرية علمانية في إيدلوجياتها ومنهجيات نضالها. ومؤسسات تقدم سياسات تنموية تطويرية قائمة على الحاجة، والضرورة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير