وحدتنا اللغة وفرقتنا اللهجات..أهي عنصرية دفينة؟! :شذى " أحمد رأفت "غضية

25.10.2014 11:14 AM

يجلسون على طاولة واحدة مستديرة، هذا قدسي، و آخر نابلسي، و هناك الخليلي و الكرمي و الجنيني و الحيفاوي و الغزاوي، لربما تفرقوا الى تكتلات و احزاب سياسية، لكنهم في نهاية اليوم جمعتهم طاولة المقلوبة و الكنافة و صحن الفلافل، جمعهم الثوب الفلسطيني، و خبز الطابون و الزيتون و الزعتر،  تجمعوا على العراقة و الأصالة لتجمعهم فلسطين في كل شيء لم يستطع الاحتلال اختراق سدّه المنيع النابع من تاريخ قديم نهجه لنا اباؤنا و اجدانا لنتمسك بأبسط الاشياء التي تجمع حروف فلسطين وتحفظها محنطة من الانقسام التراثي.

سأكسر قواعد اللغة، وأضع بدل القاف كاف، و أقلب الهمزة الى واو، سأحول الذال الى زاي، والثاء الى سين، والضاد الى ظاء، سأجعل من الطاولة الصغيرة (اسكملة) ، ومن النقود (مصاري)، والملابس (أوعي) ، سأنادي أمي بـ (يما)، و أبي (يابا) ، سأحول لماذا الى (ليش)، و سأمد ضميري المتكلم ليصبح (أني)، لأصنع في النهاية قواعد اخرى تعود اصولها الى اللهجة العامية التابعة للهجات الشامية الجنوبية.

تعد اللهجة الفلسطينية العنوان الذي يندرج تحته كافة التفاصيل التراثية الاخرى، هناك ما يزيد عن 35 مدينة فلسطينية كبرى في الضفة و القطاع و اراضي ال48، ولكل مدينة منها لهجة تميزها، رغم انها دولة واحدة الا ان اختلاف المناطق الجغرافية كانت سببا بتحويل بعض الالفاظ و طريقة نطقها من منطقة الى اخرى، فتجد قرى القدس  و قرى طولكرم وجنين وقلقيلية والمجدل وقراها وتقريباً جميع قرى شمال ووسط الضفة الغربية وبعض قرى يافا وقرى نابلس ورام الله وكذلك قرى منطقة المثلث في اراضي ال48 يقلبون حرف القاف الى كاف مثل تحويل كلمة (قلم الى كلم ).

كما أن بعض المناطق يقوم أهلها بقلب القاف إلى جـ مصرية (چ) أو كـَ، ومن هذه المناطق قرى الخليل وبعض قرى يافا وغزة ودير البلح ورفح مثل تغيير كلمة ( قال الى چال )،و توجد بعض المناطق في فلسطين التي يقوم أهلها بقلب القاف إلى ألف مثل القدس و نابلس و الخليل، و حيفا وبعض قراها ،و طبريا والكثير من قراها،و عكا  و الناصرة  إضافة إلى المدن يافا و الرملة واللد متل كلمة ( قريب تصبح أريب )، و نضيف الى ذلك بعض المناطق الفلسطينية التي يقوم أهلها بقلب الكاف إلى "اتش" مثل مناطق قضاء القدس والأحياء المحيطة بها مثل السكان الأصليين لمناطق الطور وسلوان والعيسويه والعيزرية وأبو ديس والسواحرة وجبل المكبر وبيت حنينا ومنطقة رام الله والمناطق المحيطة بها، وكذلك قرى منطقة المثلث وكفر قاسم في اراضي ال48 متل تحويل كلمة (كرسي الى تشرسي )، أما جنين فيبقى اهلها على القاف العربية.

يعتبر البعض اختلاف اللهجة حاجزا بينهم وبين فهمهم للطرف الاخر، مما يجعل عندهم نوع من انواع التحيز لمنطقتهم، و انفصالهم عن كل شخص ينتمي لأي مدينة او قرية يتحدثون بلهجة ليست مثلهم ، و في هذا السياق تم أخذ بعض الاراء حول قضية العنصرية، و تم انقسامهم الى مؤيد و معارض.
فتقول الطالبة ورود خليل من مدينة نابلس " تقوم اللهجة بخلق حاجز بيني و بين الطرف الاخر نتيجة فهمهم لبعض التصرفات والمحادثات بطريقة خاطئة " و تؤيد هذه الفكرة الطالبة تسنيم ادريخ بوصف نفسها بالعنصرية لعدم مقدرتها على التعامل مع كل الإختلافات.
وتعقب صفاء بلال بقولها " بالنسبة لي نعم، لانه قد يقال بعض المصطلحات غير المفهومة من الطرف الاخر و اذا تم السؤال عنها يعتبر تقليلا من قيمته او استهزء بلهجته".

أما المهندس اسلام قريني من مدينة طولكرم عبّر عن وجه نظره المختلفة بقوله " لا تعتبر اللهجة حاجزا بالنسبة الي بحكم طبيعة عملي والاختلاط مع كثير من اللهجات والتي تعد متقاربة الى حد بعيد ، ولكن عند كثير من الاشخاص اللهجة تشكل انطباع مباشر عن طريقة العلاقة في التعامل فيما بينهم ويمكن ان يعطي انطباع ان الشخص المقابل متخلف او متحضر او مثقف او جاهل بناء على اللهجة فقط والغالبية الكبرى تؤدي الى سوء تفاهم وفهم عكس المراد".

وتضيف الطالبة روان دردس من مدينة نابلس و المقيمة في دولة الامارات " لا أظن ذلك أبداً ، لنأخذ مفهوم اللهجات على نطاق أوسع ، على نطاق الوطن العربي ككل ، العام الماضي كان صفي الدراسي يحوي على جميع اللهجات مغربي ، مصري، تونسي ، فلسطيني ، إماراتي ، سوري. ، عراقي .. الخ ، لكن ذلك لم يكن حاجزاً أبداً أمام خلق جسر تواصل بين الجميع ، حتى أن معظم الصداقات العميقة كانت لفتيات يختلفن في الجنسية و اللهجة تماما ، لكن عندما نأخذ الأمر على مستوى البلد الواحد فلا أنكر أن البعض يأخذ منحى عنصريا بعض الشيء ،على سبيل المثال البعض و حتى اليوم يعتبر من يتحدث باللهجة الفلاحية في فلسطين أقل شأنا ممن يتحدث باللهجة المدنية ، حتى أن ذلك يجبر البعض على التخلي عن لهجته الأصلية في سبيل إرضاء ذائقه من حوله ".

وتصرح مارلين عيسى من مدينة نابلس و المقيمة في الولايات المتحدة " اللغة هي فقط وسيله اتصال وتعبير، وبرأيي اللهجة عبارة عن ثقافه معينة للشخص أي انه بإمكانك ان تكون فلاح او مدني وتتحدث اكتر من لهجة، والكلام جميعه عبارة عن وسيله تواصل، وأحيانا تكون إيماءات الشخص اقوی من اللغه لتوصيل الفكرة او الشعور" .

ويشير محاضر الاعلام في جامعة النجاح الوطنية الدكتور فريد ابو ضهير الى أن اختلاف اللهجات هو نوع من أنوع التشويش في الاتصال، لانه يحرف انتباه الشخص إلى اللكنة واللهجة وأسلوب الكلام غير المعتاد بالنسبة له، ولكنه يرى انه من مهم ان نغرس في عقول أطفالنا ثقافة الاختلاف في اللهجات وفي الأفكار، لأن الاختلاف ثروة للأمة، واختلاف اللهجات يُغني اللغة، ويعطي العراقة للاتصال، ويدل على أسلوب الحياة الخاصة للبشر في كل منطقة، ويدل على أنماط علاقات قد تكون فيها اختلاف عن المناطق الأخرى.

أما الأستاذ ابراهيم العكة وهو محاضر في كلية الاعلام، لا يعتبر اختلاف اللهجة  سببا في صعوبة فهم الشخص الذي امامه لكن الصعوبة تكمن في تقبل رأيه المختلف، ويضيف " في كثير من الاحيان نتعامل مع اناس مختلفين في اللغة والدين والفكر ولكن لا تشكل الثقافة المختلفة عائقا للتواصل وفهم الطرف الاخر أما الجزء الاهم يكمن في كثير من الاشخاص يحاولوا ان يصنعوا ثقافة خاص بهم متناسيين بذلك ثقافة المجتمع".

حين تغيب اللغة الام وهي اللغة العربية الفصحى و المرجعية  لنا كعرب اولا و كفلسطينيين ثانيا، ينشأ لدينا تعدد في اللهجات، و مع غياب الجانب التوعوي في حياتنا الاجتماعية، تصبح ثغرة التقسيمات اكبر، وفايروس التراجع الفكري سينخر في عظامنا اكثر.

اللهجة الفلسطينية رغم تقسيماتها بين المدن المختلفة، يبقى لها رونقها و قيمتها عند اهلها، بإعتبارها الركيزة الاساسية وكلمة المرور للتمييز فيما بينهم، ولكن المبالغة في بُعد اللهجة عن الأصول يضعف من بنيتها لنخرج في نهاية المطاف بمجتمع غير حضاري و غير مثقف، حيث ان الخلفيات المعلوماتية يجب ان تُبنى من المعاجم العربية القديمة، لتجميد فكرة العنصرية بين ابناء شعبنا الواحد و للإبتعاد عن سوء الفهم في الألفاظ التي تحمل معاني عدة والتي تسبب حساسيات عند جميع الأطراف الجالسة على الطاولة المستديرة الواحدة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير