برنامج "ارب ايدول" والهروب من الواقع؟

30.10.2014 11:03 AM

وطن- بقلم: د.عقل أبو قرع

بدون مبالغة، فأن برنامج المواهب، "ارب ايدول"، والذي يتم بثة حاليا على شاشة قناة ال م.ب.س، من بيروت، يستحوذ على عدد كبير من المشاهدين، من عندنا ومن كل انحاء العالم العربي، والغريب او المثير للانتباة، ان نوعية المشاهدين لهذا البرنامج متنوعة، اي لا تقتصر المشاهدة على فئة معينة من الناس، اي بالتحديد على الجيل الشاب او المراهق، اوعلى تلك الفئة من الناس ذات الميول الفنية او الغنائية، ولكن واذا سألت او تتبعت وبحثت ولو بشكل بسيط، لتكتشف ان مشاهدة او الاهتمام بهذا البرنامج، تشمل الشاب والطفل والمراهق، والبالغ وكبار السن، وكذلك من الجنسين، اي من الرجال والنساء.

وبدون مبالغة فأن العائلة بأكملها تقريبا، تنتظر لكي تتسمر، ايام بث البرنامج، اي ايام الجمعة والسبت من كل اسبوع، امام شاشة التلفزيون، لمشاهدة البرنامج والذي قد يمتد عرضة، لاكثر من ساعتين، وهذا بحد ذاتة يستدعي الانتباة ومحاولة البحث والتفسير، ليس فقط على الصعيد الاعلامي والاعلاني والغنائي، ولكن على الصعيد الاجتماعي والثقافي،  وبالاخص في ظل ظروف مثل ظروفنا واوضاع مثل اوضاعنا واوضاع المنطقة العربية الملتهبة والمدمرة والتي تنتقل مأسيها من دولة الى اخرى، وكذلك بشكل عام، اوضاع العالم غير المستقرة والمقلقة والمزعجة؟

وقد يكون تنوع خلفيات واصول المشاركين في البرنامج، او قد يكون اختيار المشاركين من حيث الجودة والنوعية وشمولة معظم الدول العربية هو احد الجوانب التي تجذب نسبة كبيرة من المشاهدين في الوطن العربي، والتي قد تصل الى عشرات الملايين من المشاهدين، حسب بعض التقديرات، وقد يكون الاهتمام الحقيقي بالفن او بالغناء وبالطرب هو الجاذب للمشاهدة، وقد يكون طبيعة البرنامج، من حيث الدفع نحو المشاركة غير المباشرة بالمنافسة، وبالتالي تحديد الفائز من خلال التصويت، وبالتالي التباهي بأبن البلد، او حتى بالصوت المفضل ان لم يكن من نفس البلد، وقد يكون الهروب من الواقع العربي الروتيني التي اعتدنا علية في الوطن العربي، الواقع الملئ بالتناقضات والالام ومشاهد القتل والدمار، والذي لا يغيب عن معظم البلدان العربية هذه الايام، حتى لو بدرجات متفاوتة، وقد يكون الرغبة في سماع صوت او اصوات جميلة، وقد يكون الرغبة في تغيير ما تم الاعتياد على سماعة او مشاهدتة من برامج ومن مسلسلات ومن افلام ومن اخبار، اصبحت روتينية او معادة او حتى مملة؟

وما ينطبق على العرب، ينطبق علينا في فلسطين، وبالاخص انة يوجد لنا في البرنامج اثنان من المتسابقين، اي متسابقين من فلسطين، ويحملان اسم فلسطين، ويمثلان ويتباهان بتمثيل فلسطين في البرنامج، وبغض النظر عن المكان الذي جاءوا منة من فلسطين، وحين تكون المنافسة مع دول اخرى، وحين يمتلكان اصوات رائعة،  وحضور مميز، فأنهما يجذبان المشاهدين في بلادنا، ومن غير بلادنا،  وبغض النظر عن كونهما فلسطينيين، فأنهما وباعتراف المهنيين، يعتبران من الاصوات المميزة والهامة والجاذبة والواعدة،  ومن الاصوات التي تحتاج الى التشجيع والدعم والاحتضان، ولا نعرف اذا كانا سوف يستمران في البقاء، وان كانوا سيصلون الى المراحل المتقدمة، سواء اكان كلاهما او احدهما، ولكن وان وصلا او لم يصلا، فان الناس عندنا وعلى ما يبدو، سوف تستمر في المشاهدة، وفي الاستمتاع بالاصوات الاخرى، وهذا يوحي بأنة ليس فقط وجود او التعاطف مع ممثلي البلد، هو الدافع للمشاهدة وللمتابعة، مع العلم ان هناك متسابقين اخرين، من دول عربية،  ولكنهم يحصلون على دعم وتشجيع من دول اخرى، ليست هي دولهم؟

وقبل تقريبا اكثر من عام، حصل المتسابق الفلسطيني " محمد عساف" على اللقب ومن خلال نفس البرنامج، وحظي خلال تلك الفترة بدعم وبتشجيع، ليس من فلسطين فقط، ولكن من معظم البلدان العربية، وما زال يحظى بالاهتمام والمتابعة والرعاية والاقبال الكبير على اعمالة، سواء اكان ذلك بسبب صوتة او اداءة او بسبب الشخصية التي يتمتع بها، وهو الذي شد الناس، وقادهم بشكل او باخر نحو دعمة والسير معة، ونحو تحقيق هدفة وحلمة بالفوز باللقب، بدون مكافأت او مغريات او وعود شخصية، بعيدا عن السياسة وعن الاقتصاد وعن الشعارات وما الى ذلك،  ويبدو ان الناس كانوا في امس الحاجة لكي يجدوا من يجمعهم او من يسعدهم او من يرفة عنهم، بعيدا عن السياسين وعن الشعارات وعن البرامج والخطط؟ 

وبدون شك ان الهروب من الواقع، وبالاخص من الواقع السياسي والاقتصادي ومن التبعثر الاجتماعي ومن الاغتراب الثقافي الحالي، والهروب في محاولة للابتعاد عن الجمود وعن التكرار وعن الانتقاد وعن التذمر، الذي اصبح شبة يومي عندنا وعند معظم العرب، من لبنان الى مصر ومن ليبيا الى اليمن ومن العراق الى سوريا، والهروب في محاولة للتركيز ولو لفترة قصيرة على امور اخرى، لها نوع من الجمال ومن الفن ومن التضامن ومن الشعور العربي الواحد، بعيدا عن السياسة وعن تداعياتها ىوعن مأسيها، وعن الحروب وعن القتل وعن مصادرة الاراضي، هي من ضمن الاسباب التي تشد الناس الى مثل هكذا برامج، والتي باتت وبما تحوية من صفات فنية وجمالية، هي المتنفس للابتعاد عن واقع لا يريد لة ان يستمر، نحن ومعظم العرب؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير