هناك سبعة أسباب لعدم قيام وحدة عربية وهناك سبب واحد لقيامها

18.12.2014 03:22 PM

وطن - كتب:د.عدوان نمر عدوان**:الوحدة العربية حلم العرب في العصور جميعها منذ هانئ بن مسعود ، ومقطع الوضين حنظلة بن ثعلبة في يوم ذي قار ، مرورا برمز العرب الأكبر الرسول محمد الذي وحدّ العرب جميعا تحت راية واحدة وحتى عبد الناصر في العصر الحديث ، والعربي يرضع العروبة ويعتز بها منذ خروجه من بطن والدته ، ولكنّ عدة أسباب منعت وتمنع قيام وحدة عربية واحدة أساسها العروبة :

1-وجود محاور إقليمية أشدّ بأسا من الدول العربية الوطنية وأكثر جذبا وعلى رأسها المحور الإيراني الشيعي ، وأذرعه المتعددة والمتجذرة في المنطقة ، والمحور التركي المتنامي المدعوم من الناتو وذراعه الإسلام السياسي ، وإسرائيل التي أحد أسباب وجودها الوظيفي ضرب كل وحدة عربية ناشئة .

2-ضعف التنمية العربية لا سيما في المجال التعليمي والتكنولوجي ، فما زالت الدول العربية تتبوأ مراكز متقدمة في الأمية وهجرة الكفاءات والخبرات إلى بلدان العالم ، ومن المعلوم أنّ أيّ أمة تهاجر كفاءاتها وصفواتها سيهاجر نموها وتغيّب ريادتها ، ناهيك عن ضعف القراءة في العالم العربي وفق الإحصاءات التي تشير إلى أنّ معدل قراءة العربي في السنة لا يتجاوز الدقائق، ومن بين تسعة عشر ألف عربي ثمة كاتب واحد مقارنة بألمانيا التي تحظى بكاتب من بين أربعمئة مواطن .

3- ضعف الاقتصاديات العربية، فالعالم العربي لا يملك اقتصاديات وشركات ومؤسسات تؤهله لمنافسة الاقتصاديات العالمية العملاقة الأوروبية والأمريكية واقتصادات شرق أسيا ، بل إنّ المدخرات العربية في الخزائن الغربية والبنوك العالمية متوفرة وتعمل بالضد إذ تدعم التنمية في أمكنة متعددة في العالم ويبقى المحروم الوحيد منها العالم العربي نفسه .

4-الحركات الإسلامية التي يقدم بعضها أيديولوجيته الفكرية على الوحدة العربية ، وكأن وجود الوحدة العربية عامل مضاد لوجودها فانتماءاتها سواء أكانت شيعية أم سنية انتماءات إقليمية ورهاناتها غير عربية خالصة .

5-تحكم العجم طويلا بالسياسات العربية منذ الدولة العباسية ، فمرة يسيطر الفرس على المنطقة ومرة يسيطر الكرد أو الترك أو المماليك، وامتداد هذه السيطرة مدة تزيد عن الألف عام جعل العرب يتخبطون خبط عشواء فكرا وتنظيما وانتماء، وأضعف آلية التخطيط والوعي العملي لقيام وحدة عربية ذات ثقافة إسلامية تنمو من بذور العرب وتسقى بأيديهم .

6- وجود البترول في مناطق الهامش باستثناء العراق -الذي أعدّ له ما أعدّ- وليس في المنطقتين المركزيتين الشام ومصر ، فباتت أموال البترول تستخدم لتنمية الأحقاد وتصفية الحسابات ، وأصبحت الدول الوطنية قبائل أبوية عمادها الثأر ورفض (النحن) القومية ، فتفشت (المازوخية) وتعذيب النفس وسلخها في الروح الجمعية ، وتناسى العرب أنهم خير أمة أخرجت للناس .

7-التوجس الأوروبي والغربي من قيام دولة عربية واحدة مجاورة ومسارعتهم إلى إجهاضها والتحالف ضدها على الرغم من كون بعض القائمين عليها غير عرب من أحمد باشا الجزار إلى ظاهر العمر إلى إبراهيم باشا... ، فعمدت الدول الغربية بوسائلها ومغامراتها إلى إنهاء الوحدة العربية بطرق مختلفة مثل تجييش الجيوش وعقد التحالفات والصفقات مع القوى الإقليمية والعالمية ، لأنهم يدركون أن الوحدة العربية خط أحمر يهدد وجودهم الفكري والاقتصادي والسياسي والجغرافي فما زال هنيبعل القرطاجي وموسى بن نصير وقروون طويلة في صقلية والأندلس ماثلة للعيان في وعي الغربي وفي لاوعيه ، فكان أمر قتل هذا الطفل البشير في غاية الأهمية ولو تطلب الأمر رشوة القابلات الخائنات .

بالرغم من كل هذه التحديات التي تحبط قيام وحدة عربية واحدة فإن هناك سببا واحدا يجعل الوحدة العربية حقيقة مطلوبة وإن دفنت في الأرض فلا بدّ أن تضرب جذورها لتخرج يوما ما إلى عالم الوجود ، فجميع المرجعيات الحالية من كان منها مرهونا إلى الدولة الوطنية ، أو إلى فكر معين أو إلى سياسة خارجية ، أو إلى ضلال فشلت فشلا ذريعا ولم تنتج إلا حملا كاذبا وتفسخا قسم المقسم وجزأ المجزأ .

الوحدة العربية إذا هي الفكرة الوحيدة التي تتيح للعربي أن يحقق عالمه المثالي المتخيل ، العالم الذي يستعيد توازنه فيه ، والعروبة هي الوطن الذي يمكن الوجود فيه دون تغريب أو اغتراب، والعربي حينما يعيش في عالمه المنشود لن يبقى في إطار ردة الفعل تمرّ عليه الحوادث وهو ملموم ويمر عليه الناس بلا حساب بل سيبني عالمه ويعيش فيه ويحقق كينونته ، فاغتراب الوطن والغربة في المنافي ناتج عن غياب الفكرة ، والإنسان إذا فقد فكرته تاه ، وما التذمر القبيح الذي يرافق العربي طوال حياته إلا تعبير عن ضياع فردوسه المفقود وإحساسه بالتيه وشوقه الدائم لاسترداد فكرته وحلمه . .

العربي سيظل يقرأ عن الأبطال العرب الذين عاشوا الفكرة وسيظل يستنشدهم ، سيستنشد محمدا وعبد الملك والعمرين وهارون والمعتصم وصقر قريش، وكل أصحاب الزمن الجميل غير آبه لأزمنتهم الواقعية التي لم يعشها ولم يعرف تفاصيلها التاريخية معرفة وثقى . إنه يبحث عن الزمن المثالي والأبطال المثاليين الذين يعيشون الفكرة وينتمون لها ويموتون فيها أكثر من بحثه عن البترول والمال والذهب ، ففي الفكرة النموذج المبتغى الذي يظنه المستقبل والعش الدافئ لأولاده وأحفاده .

**جامعة النجاح الوطنية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير