الفيتو الأميركي يناطح حركة التاريخ بقرون من باطل

21.12.2014 02:55 PM

 كتب: حسن عبدالله

هل مستقبل وطموح الشعب الفلسطيني متعلق ب "فيتو" تلوح الولايات المتحدة باتخاذه في مجلس الأمن، لاسقاط وافشال مشروع، يحمل في طياته اشارة الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة ووضع حد لانهاء اخر احتلال على هذا الكوكب؟؟؟ وهل "الفيتو" وأي "فيتو" من شأنه ان يقلب الطاولة على رأس حركة التاريخ، ويجهض توجهات شعب يتوق للحرية والاستقلال؟ وهل يمكن لاية دولة مهما بلغت من قوة وجبروت ان تستأثر بمصير العالم؟؟ ربما تتوارد هذه الاسئلة وغيرها في ذهن مثقف فلسطيني قرأ التاريخ وتأمل أحداثه ومحطات مساره الزمني، وربما تتداعى الأسئلة في ذهن مواطن بسيط لكن بكلمات أقل تعقيدا، فبدل تجربة الامبراطورية قد يستعيد تجربة مختار تسلط على قريته وتحكم في مصير ابنائها، ثم غاب عن الوجود فيزيائيا ومعنويا، بعد ان طواه الزمن، وقد يستحضر ذهنيا متجبرا من بقايا الاقطاع اكل حتى انتفخ وتفرقع على مرأى الجياع الشامتين، فلكل قوة وجبروت وتسلط مدى، ولكل عربدة وظلم حد، هكذا علمنا التاريخ عندما نتحدث عن دول وحكام طغاة، وهكذا يعلمنا تاريخ قرية نائية ابتلع خيراتها طامع جشع ثم تحول إلى مجرد قصة تروى.

لم يدر في خلد قائد روماني ولم يتصور حتى في أسوأ أحلامه، ان امبراطوريته ماضية الى أفول، ولم يفكر أصحاب امبراطوريات كانت لا تغيب عن ارضها الشمس، بانها ستتقلص الى دول عادية محدودة الإمكانات والقدرات تصارع من أجل البقاء والاستمرار.

لذا من قال ان الولايات المتحدة الامريكية هي قدر سيظل ينيخ على صدور الشعوب الفقيرة المضطهدة ومن بينها الشعب الفلسطيني، الذي دفع الغالي والنفيس في سبيل انتزاع حريته. اجل فللولايات المتحدة اساطيلها وترسانتها النووية وشركاتها الاحتكارية العابرة للقارات، وهي تستطيع ان تدمر العراق في بضعة أيام، وأن تعيد ليبيا وافغانستان الى مرحلة ما قبل الدولة، وتستطيع تفكيك دولة عربية بزعم دعم "الربيع العربي" لتيبس كل نبته أو زهرة كان يمكن لها ان تجعل للربيع الحقيقي معنى، لكنها بالتأكيد سوف تكون غير قادرة على ترتيب عقول البشر على مقاسها، أو صناعة عالم وفق مشيئتها، حتى لو اكتسحت العولمة دولا وطمست ثقافات أصلية. وحتى لو أمطرت على رؤوس الفلسطينين كل يوم زخات من "فيتو"، فانها ستفشل في اجتثاث الاستقلال والحرية من عقل وحلم شعب لا يعتدي على أحد ولا يسرق أرض أحد، وكل ما يريده الحياة. فهل عرف التاريخ رئيساأو أمبراطورا أو دولة أو برلمانا يمنح الحياة لمن يشاء وينزعها مما يشاء؟؟ ألم تعمل كل الادارات الامريكية المتعاقبة على محاصرة كوبا وتدبير عشرات محاولات الاغتيال الفاشلة ل "كاسترو"، بيد ان كوبا لم تمت رغم الحصار والتجويع واستمرت وعاش ابناؤها، وها هي ادارة اوباما تعترف ان السياسات والمخططات الامريكية تجاه هذه الدولة قد فشلت، وحان وقت التصويب، من خلال التعامل الدبلوماسي المتكافىء معها، والسؤال من الذي انتصر بعد خمسين عاما من الصراع. الولايات المتحدة الامبراطورية الكبرى ام كوبا الصغيرة الصامدة؟

القوي لا يقرأ التاريخ جيدا وهو في علوه وزهوه وجبروته، لانه يصرف وقته في البطش واخضاع الاخرين، وكما قال المثل الشعبي "القوي عايب"، اي لديه اندفاع جامح للظلم والاستبداد. لذلك فان ادارة اوباما واية ادارة لاحقه من الصعب ان تقر طواعية بما ارتكبته من اخطاء تاريخية بحق الفلسطينين، لكنها ستضطر للاقرار بذلك بعد ان تجد نفسها وحيده مجردة من نفوذها وسيطرتها، وهذا ليس شعرا أو طرحا رومانسيا، وانما يرتبط بقراءة لتلك المتغيرات التي تجتاح العالم، والذي يعتقد ان التغير في الموقف الاوروبي لصالح القضية الفلسطينية هو مجرد موقف عابر، عليه الا يخرج بنتائج سريعة، كما يفعل بعض المحللين الذين يعتبرون ان هذا التغير غير جذري وضعيف. صحيح انه يفتقر للجذرية الان، لكن ما نراه عبارة عن مؤشرات وملامح لموقف مرشح لرؤية أكثر وضوحا، فاذا كان للولايات المتحدة مصالحها، فللاتحاد الاوروبي مصالحه المتشعبة في العالميين العربي والاسلامي، واذا كانت الولايات المتحدة تسعى لقولبة العالم وفق ما يخدمها، فالتكتلات التي تتشكل وتتبلور على مستوى العالم، هي الاخرى تنهض وتتقوى وفق المصالح والتحالفات والقواسم الاقتصادية المشتركة. والشعب الفلسطيني لا يعيش في جزيرة بعيدة معزولة عما يجري في العالم، وبالتالي مطلوب من السياسيين والمفكرين وذوي التخطيط الاستراتيجي في بلادنا، ان يقرأوا بإمعان الماضي والحاضر التاريخ والحاضر وان يواكبوا المتغيرات ليدركوا ان "الفيتو" الامريكي ليس ضبعا سيبتلع استقلالهم ويدمر توجهاتهم، اذا ما كفوا من المراهنة على أوهام الوعودات الامريكية التي ترهن كل شيء للمفاوضات التي جربوها مرارا وبرعاية امريكية، وكأن الفلسطينين وجدوا على هذه الارض ليفاوضوا ويفاوضوا ليحصدوا الريح، لأن المفاوضات يتم اللجوء اليها من أجل تحقيق هدف وفق منظور زمني، وليس لتوظيف الزمن في خدمة الطرف الآخر، وتمكينه من صياغة الجغرافيا والديموغرافيا كما يريد وفي الإطار الذي يخدم استراتيجيته.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير