لا تكن إمّعة .. رامي مهداوي

24.01.2015 09:12 AM

زمان ما كتبت بلغة بداية زاوية «خرم إبرة» الكتابة بالعامية، الكتابة البسيطة التي تعبر ببساطة عن حالة الشارع بكل مكوناته المكونة لفضاء مجتمع فلسطيني، وهنا أنا الكاتب هو جزء بسيط لا يتجزأ من حالة وواقع البلد، بمعنى أن الكاتب هو ليس سائحاً قادماً من قارة بعيدة يحمل بيده خارطة ويتلعثم باللغة المحلية ولا يعرف القوانين والعادات والثقافات المحلية، لهذا الكاتب جزء أساسي من عملية نبض المجتمع له الحق في إنتاج موقف ما نختلف و/أو نتفق معه، نعارض و/أو نؤيد هذا. والأهم من كل هذا هو أن الكاتب - كاتب المقال -  يجب ألا يكون على الحياد وماسك العصا من الوسط لأنه حضرتك مش دبلوماسي، وبستغرب من هؤلاء اللي يطلبون من الكتاب أن يصفْ ويطفِ ولا يتدخل بتفاصيل التفاصيل قائلين له: «ما تدخل وما تحشرش حالك في قضايا أكبر منك».
بصراحة ومن غير زعل أنا ما بفهم معنى الحياد في الكتابة عند بعض الكتاب، وبالتأكيد أرفض رفضاً تاماً طلب الأصدقاء والدائرة المقربة من حولي بأن أكون محايداً، وبصراحة أشعر بسذاجة كل من يقول لي: مالك ومال وجع الراس... يا أخي اعمل حالك مش شايف. مشكلتي أنا «الكاتب» بأني مش فاهم شو معنى حياد؟ حياد هل هو اسم؟ فعل؟ جماد؟ حيوان؟ هل الحياد والكاتب يلتقيان؟
كلما تناولت كتاب.. مقال.. قصيدة.. فلم.. أغنية ... دبكة... أحاول أن أتعمق في قلب الفعل كي أتمكن من الرسالة التي تريد أن تصلنا، فلا يوجد فعل إنتاج دون موقف، أنا الكاتب لا أصف لون البحر .. الشمس.. السماء.. وإنما وظيفتي أن أجد علاقتهما مع بعضهما البعض وهل المطر ضحيتهما أو إنتاج مشترك لها جميعاً، وهنا نختلف نتفق موضوع آخر... لكن لن أكون على الحياد.

الحياد كلمة غامضة أو هي لغز، كل منّا يقوم بالإجابة عليها كيفما يشاء ومتى يشاء حسب مصلحته، هنا أقوم بالتمييز بين الكاتب والصحافي وربما نسبة ما يسمى بالحياد تكون أعلى عند الصحافي الذي ينقل الأخبار كما هي، دون أن يضع المكياج على الحدث. 

كيف سأكون على الحياد مع خاطف أرض أجدادي؟ مع من يقتلني؟ يسرق بيتي؟ مع من يسعى الى تدمير مجتمعي؟ الحياد مع قاتل طفل.. مع مسؤول فاسد!! مع من يعذب أبناء شعبي؟! مع من يريد إشعال وتمزيق جسد الوطن؟! مع من يختار الجهل مقابل العلم؟! مع مرتشي؟! مع من يطلق النار على أبناء شعبه؟! مع من يقذف بالأوساخ من سيارته الى الشارع؟! مع من يكسر ويدمر الممتلكات العامة؟! هل يجوز الحياد في كل تلك الحالات؟! لا تجاوب على هذا السؤال بالحياد... انتبه!!

وأنتم أعزائي القرّاء، هل تقفون على الحياد حتى ولو لم تكونوا كتّاباً وأصحاب موقف رأي معين، عليكم أيضاً مسؤوليات حول أي فعل، ولا تجعلوا من هذا الكائن الغريب الذي اسمه حياد أن ينال منكم، أو تعلموا أولادكم أن يقلدوكم بالحياد التام لما هو حولنا.

أنا متأكد من أن داخلكم شيء لا يريدكم أن تقفوا على الحياد مع من يريد تدمير البلد.. مع من يستثمر في القضية الفلسطينية.. من يتاجر بالدين.. مع من يبيع تراب فلسطين... مع من يسلخ الجيب والعقل حتى يبني له مجداً زائفاً. نعم أضع هنا اعترافاً أمامك عزيزي القارئ أنا لست على الحياد ولا أحب هذه الكلمة، ولم أكن يوماً من الأيام على الحياد... الحياد هو للجبناء فقط لا غير يختبئون خلفه.
لا حياد في الحب.. لا حياد في الإيمان... لا حياد في القانون... لا حياد في الموت والحياة... لا حياد في تشجيع فريقك .. الوطنية لا تعرف الحياد.. العلم لا يعرف الحياد... الأمن لا يعرف الحياد... الثقافة لا تعرف الحياد... الغابة لا تعرف الحياد... المجتمع غير محايد.. الله غير محايد بين الشر والخير، حياتنا ذاتها غير محايدة ولا تنسجم مع الحياد... الشاعر خائن إذا كان محايداً في قصيدته... الجندي في المعركة خائن إذا أعلن حياده في وسط المعركة... الطبيب غير محايد بين المرض والمريض...

من يتنفس هو منحاز للحياة ضد الموت.. لهذا علينا أن نستمر في مواجهة الموت بالعمل .. البناء.. الإبداع... نحاسب من يخطئ ونزرع الحقل سنابل لغدٍ أفضل... الحياد في الزراعة دودة الأرض.. الحياد في المعركة رصاصة بالقلب.. الحياد في كتابة المقال خيانة للقارئ.. الحياد في الحب كمن يقلع الورد ويغرس الشوك... الحياد عدو دائم احذروه. في أواسط القرن الماضي قال مارتن لوثر كنج مقولته الشهيرة: «إن أسوأ مكان في الجحيم محجوز لأولئك الذين يقفون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة».

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير