العدالة البيئية بين تعديات الاحتلال والعواقب الاقتصادية؟ - بقلم:عقل أبو قرع

30.01.2015 09:24 AM

تقوم فلسفة العدالة البيئية‘ على اساس حق افراد المجتمع، او الناس، وبغض النظر عن الموقع او عن الجنس او الدين او العرق او عن المستوى الاجتماعي او المادي، بالتمتع بالعيش وبممارسة النشاطات، في بيئة صحية ونظيفة وخالية من التلوث والاضرار والمعيقات، وفي وضعنا الفلسطيني، يعني ذلك في المناطق المحتلة، سواء اكانت القريبة من المستوطنات او من نشاطات الاحتلال او تلك البعيدة والمقيدة او المحكومة بممارسات الاحتلال.

وحسب "وكالة حماية البيئة الامريكية"، التي تعتبر اكبر مؤسسة في العالم، تعمل من اجل حماية البيئة والحفاظ على مصادرها، يتم تعريف العدالة البيئية على انها" المعاملة او التطبيق العادل لقوانين وتشريعات البيئة، على كافة الناس، بغض النظر عن الجنس او عن اللون او الاصل او الدخل، والتي يمكن تحقيقها حين يتمتع كافة الناس بالحماية من التلوث البيئي ومن مخاطرة ومن تداعياتة، ويحصلون على امكانية الوصول الى عملية صناعة القرار من اجل بيئة صحية، تضمن لهم العيش او التعلم او العمل".

وبشكل اعمق، او اكثر تفصيلا، بات مفهوم العدالة البيئية مرتبطا ارتباطاً وثيقاً بالعدالة الاجتماعية وبحقوق الانسان، حيث ان عدم المساواه فى الحقوق البيئية ينتج أساساً عن تفاوت القوى الاجتماعيه و السياسية والاقتصادية، وبالاخص بسبب تباين القوة بين الاغنياء والفقراء حيث يلاحظ أن الاغنياء فى العالم يستهلكون ويستنزفون الموارد الرخيصة التى يقدمها الفقراء وفى حين أن المجتمعات الفقيرة تتحول الى اماكن لدفن المخلفات الخطرة للصناعات الملوثة للبيئة  وهناك على كل المستويات أمثلة عديدة لمظالم  بيئية تحتاج إلى البحث والمناقشة فى محاولة لتصحيحها أو تقليل آثارها المدمرة، واوضاعنا البيئية الفلسطينية، تحت الاستيطان والاحتلال وبسبب ممارساتة، يمكن ان تعكس هذه الصورة، من الظلم البيئي ومن استنزاف المصادر ومن تلويث البيئة، وبالتالي من غياب للعدالة البيئية.

حيث ما زال الاحتلال، وبالاخص المستوطنات الاسرائيلية تساهم بشكل او باخر في تلويث وتحطيم البيئة الفلسطينية، وما زلنا نسمع عن مجاري المستوطنات والمياة العادمة سواء اكانت مكررة او غير مكررة، تصب في قرى سلفيت وبيت لحم والخليل ورام اللة، وما زال الاستيطان يعيق عمل مكبات النفايات كما حدث لمدينة البيرة، او حتى يحد من استعمال مكبات نفايات جديدة، كما يحدث في منطقتي الخليل وبيت لحم، وما زالت مصانع "جيشوري" الاسرائيلية الكيميائية في منطقة طولكرم تلوث البيئة، وما لذلك من تداعيات قصيرة وبعيدة المدى، ومتواصلة على البيئة الفلسطينية وعلى صحة الناس، وبالاضافة الى ذلك، شوهت المسنوطنات المناظر والتواصل الطبيعي الذي يربط الاراضي الفلسطينية، وادى بناؤها وتوسعها الى الاخلال بالتنوع الحيوي في فلسطين، من نباتات وحيوانات برية وطيور.

والوضع البيئي في بلادنا يمتاز بالخصوصية وبالصفات، التي تجعل الاخلال بة، لة تداعيات قصيرة وبعيدة المدى، حيث المصادر الطبيعية، من مياة، والتي تشكل المياة الجوفية اكثر من 90% منها،  ومن ارض، ومن تربة صالحة للزراعة ومن وحيز، هي مصادر محدودة، والمساحة الجغرافية ضيقة، وكثافة البشر في تلك البقعة مرتفعة، وربما تعتبر من اعلى النسب في العالم، وخاصة في قطاع غزة، التي تبلغ مساحتها تقريبا  365كيلومتر مربع، وتحوي اكثر من مليون ونصف المليون انسان.

وفي بلادنا، ما زلنا نرى النفايات في الشوارع وفي الاماكن العامة، سواء اكانت نفايات صلبة، او نفايات مجاري او بقاياها كما يحدث في مناطق قطاع غزة، وما زلنا نستخدم المبيدات الكيميائية بشكل مكثف وفي احيان عديدة بشكل غير امن او غير سليم او غير مراقب، وما زالت مياة المجاري وليست فقط المياة العادمة المكررة، تصب في بحر غزة وفي بعض الشوارع والازقة، واصبحت مياة غزة الجوفية مالحة، وربما ملوثة وما زالت التقارير تشير الى ان اكثر من 95% من المياة في غزة هي مياة ملوثة، وما لذلك من عواقب اقتصادية، بالاضافة الى التبعات البيئية والصحية.

ومن اجل تحقيق نوعا ما من العدالة البيئية، ولو في ذلك المسار الذي نستطيع ان نتحكم بة، فأننا نحتاج الى الى مراجعة واصلاح بنود، ومن ثم تطبيق حازم للقوانين الفلسطينية المتعلقة بحماية البيئة، سواء اكان ذلك، قانون البيئة الفلسطيني لعام 1999، او قانون الصحة المتعلق بالبيئة، او قانون حماية المستهلك الفلسطيني، ونحتاج الى تبني استراتيجية وخطة عمل بيئية وطنية، تعتمد على الحقائق لتحديد متطلبات التدخل، وهذا يعني اجراء الفحوصات لعينات بيئية من خلال مختبرات مؤهلة سواء اكانت تتبع جهات رسمية او غير رسمية، ومن خلال دراسات تقييم علمي وموضوعي للاثر البيئي لمشاريع او لاعمال يمكن ان تؤثر على البيئة، ومن خلال تفعيل المراقبة والمتابعة لقضايا بيئية، ومن خلال تفعيل العلاقة والتواصل مع المواطن الفلسطيني الذي هو الاساس من اجل حماية البيئة التي يحيا فيها.

ومن اجل تحقيق العدالة البيية، فأننا نحتاج الى التخطيط لحماية البيئة بشكل مستدام، وهذا يتطلب التركيز على تنمية الوعي البيئي، في المدارس والجامعات وفي المصانع وفي الحقول الزراعية، ويتطلب الاستثمار وبشكل عملي في التعليم البيئي وخاصة في الجامعات، بشكل يلائم احتياجات البيئة الفلسطينية، وكذلك الاستخدام اكثر واعمق واوسع للاعلام  في مجال البيئة، والاهم ترسيخ مفاهيم البيئة واهمية حمايتها وفهمها كاولوية وطنية، تهدف الى تحقيق العدالة البيئية للجميع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير