استهداف مصر استهداف لفلسطين وكل العرب - بقلم:د.حسن عبد الله

01.02.2015 06:09 PM

المخطط الذي يتم تنفيذه في العالم العربي ، يقوم على أساس تفكيك الدولة القطرية وتشظيتها واستبدالها بدويلات طائفية متناحرة متقاتلة ، بهدف تدمير الجيوش والمؤسسات وقتل وجرح أكبر عدد ممكن من المواطنين ، لتظل نار الثأر مشتعله سنوات طوالا.

كان الجيش العراقي من أقوى الجيوش في الشرق الأوسط، وتميز بتدريبه ومراسه في الميدان ، فحطم التحالف الغربي بناه ومكوناته تحت شعار الديموقراطية وحقوق الانسان، ليتحول العراق الى ساحة صراع داخلي على طريق تجزئة ارضه وتقسيمها طائفيا، وانتقل تنفيذ المخطط التفكيكي التدميري الى سوريا، التي حرفوا انتفاضتها الشعبية عن مسارها ، وأشعلوا حربا داخليةً بمشاركة مقاتلين أجانب من كل بقاع الأرض، تداعوا الى سورية بذريعة نصرة المواطنين ورفع الظلم الواقع عليهم، تاركين بلدانهم الأصلية تسبح في ظلمات القرون الوسطى.

ولم تنج اليمن وليبيا من هذا المخطط ، بيد أن استهداف مصر اليوم من خلال هجمات دموية يكاد يكون الحلقة الأخطر في هذا المخطط التصفوي، فهي كبرى الدول العربية، ومركزها الديني من خلال  " الأزهر ودوره "، اضافة الى أنها  بؤرة الاشعاع التعليمي والثقافي والفني، لكنها استطاعت الخروج من امتحان الاستهداف، محافظة على تماسك جيشها ، الذي ينظر اليه كحام للامن والاستقرار.

وحتى يتسنى لاعداء مصر والعرب تحقيق أهدافهم ، انسجاما مع المخطط التصفوي، فالمطلوب ضرب الاقتصاد المصري، واشغال الجيش في تناقضات داخلية لاستنزافه وأضعافه، وهز ثقة المواطن الذي يتوق للأمن والأمان بالمؤسستين العسكرية والسياسية.

ومن يتابع الفضائيات المصرية ووسائل الاعلام الأخرى، يجد ان المحللين والمتابعين قد شخصوا هذا المخطط وبينوا أبعاده ومراميه مرارًا وتكرارا، لكن المفروض الا تنحصر الأمور في التشخيص والتحليل، لأن الخطوة الأكثر أهمية  هي ما بعد التشخيص، بمعنى اذا كان هناك وعي سياسي وثقافي وعسكري بل وشعبي أيضًا لهذا المخطط، ينبغي العمل بشكل جاد ودؤوب على اتخاذ مجموعة من الاجراءات في مقدمتها وضع الاصبع على مكمن الخلل الداخلي وعدم الانشغال في البحث عن جهات خارجية لتعليق الأزمة على أكتافها ، لان تبديد الجهد والامكانات في معارك اعلامية خارجية سيكون بالتأكيد على حساب المعالجة الداخلية. أما القضية الثانية فتتمثل في تدعيم وتعزيز الاقتصاد، حتى يشعر المواطن بانه لا يدور في حلقة مفرغة، بخاصة اذا شعر بأن أوضاعه الاقتصادية بدأت تتحسن تدريجيًا، سوف تتعمق ثقته بدولته ومؤسساتها ، وبالتالي سيجد المتربصون بالأمن المصري صعوبة بالغة في التحرك والعمل، حيث سيفقدون البيئة الحاضنة، والمتمثلة في الفقر الذي يشكل أرضيةً مناسبةً للأفكار والطروحات المتطرفة.
ان مواجهة الارهاب تتطلب عملًا وطول نفس وقدرة هائلة على حشد الطاقات، واستثمار الاعلام في التوعية والتثقيف وشد اللحمة، لا أن تستمر بعض وسائل الاعلام في المبالغة هجومًا وتشهيرًا على هذه الجهة الخارجية أو تلك ، ومن ثم الوقوع في خطأ التعميم كما فعل بعض الاعلاميين الذين تطاولوا على الفلسطينيين، متناسين أن الفلسطيني يكن مودة  فطرية لأخيه المصري، وأنه يتطلع لمصر من منظار أنها الأخت الكبرى، وأن الفلسطينيين من أكثر الشعوب العربية انشدادا لاخوتهم المصريين  ثقافةً وفنًا وتعليمًا.

والحقيقة أن الاعلاميين والمثقفين والمفكرين في كل البلدان العربية يتحتم عليهم في هذه المرحلة التسامي على الجراح وان ينبروا للدفاع عن الاقطار العربية، فقد كان الشعار الذي يتبناه التقدميون العرب "وحدة عربية بعيدا عن القطرية"، وللاسف فقد صغر الشعار نتيجة للتطورات الدراماتيكية على الساحة العربية، وصار المطلوب اولًا الحفاظ على الدولة العربية الواحدة من التفكك والتشرذم، لان تقهقر اية دولة الى مرحلة ما قبل الدولة بلا مؤسسات أو قوانين، من شأنه ذلك ان يعيدنا الى عصور بائدة لنقبع في هوامش التاريخ والجغرافيا قرونا أخرى .

لذلك حري بمصر أولاً والدول العربية الأخرى ثانيا استخلاص الدروس و العبر مما يجري في العراق وسوريا واليمن وليبيا، قبل أن يغرقنا الطوفان جميعًا، واستخلاص العبر يحتاج قبل كل شيء الى معالجة الاسباب الاقتصادية والثقافية والديمقراطية لقطع الطريق على المستفيدين من بيئة الفقر والجهل، لتنفيذ برامجهم ومخططاتهم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير