خطاب نتنياهو سيتبدّد وأثره نووياً محدود

02.03.2015 08:56 AM

وطن:  كتب حلمي موسى

تتجه أنظار الكثيرين إلى طريقة استقبال كل من الإسرائيليين والأميركيين لخطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس. وواضح أن الخطاب لن يحتوي على مفاجآت كبيرة بسبب أن نتنياهو نفسه سيكون قد ألقى خطاباً في مؤتمر اللوبي الصهيوني "إيباك" الذي يعتبر "ملعبه البيتي". ومن الصعب تخيّل أن يبقي لخطاب الكونغرس مفاجأة يكون قد أخفاها عن سنده الأول في الكونغرس وهو اللوبي الصهيوني.
ورغم ذلك ليس ثمة في الموقف الإسرائيلي من الاتفاق النووي الذي يتبلور بين إيران والقوى العظمى بقيادة أميركا أي شيء مجهول. فهذا الموقف يتردّد تقريباً منذ عشر سنوات من دون مفاجآت جوهرية وكبيرة. وإذا كانت صرخة "الذئب.. الذئب" قبل عشر سنوات تعني أن إيران ستمتلك خلال عامين قنبلة نووية فإن هذه الصرخة صارت في السنوات الخمس الأخيرة تتحدّث عن امتلاك القنبلة خلال ستة شهور.
وبدا واضحاً أن إيران لا تتطلع إلى امتلاك قنبلة نووية بقدر ما تتطلّع إلى احتلال مكانة "دولة حافة نووية". وهي في سبيل تحقيق هذا الهدف لا تمانع في توفير كل الضمانات الدولية مثل إخضاع منشآتها النووية للرقابة الدورية. وبكلمات أخرى تسلك إيران سلوكاً مناقضاً تماماً للسلوك الإسرائيلي الذي عدا عن امتناعه عن الالتزام بالعهود الدولية بهذا الشأن يرفض إخضاع منشآته للرقابة الدولية. ويبدو أن العالم الغربي انتبه إلى مسألة فائقة الأهمية وهي أنه لا يمكن التعامل مع إيران فقط من منطلق النيات لأن البديل مدمر،
وقد انتبه إلى ذلك رئيس الموساد السابق، مئير داغان، الذي أكد الضرر الذي يلحق بإسرائيل جراء اعتبارها المشروع النووي الإيراني خطراً خاصاً بها واندفاعها لتزعم الجبهة ضده. وأشار إلى حجم المفارقة التي يظهرها مثل هذا الموقف في حين تعلم كل دول العالم أن إسرائيل لم توقع لا على معاهدات حظر انتشار الأسلحة النووية ولا على إجراءات الرقابة. وبكلمات أخرى إسرائيل تريد من العالم أن يتعامل مع إيران بشكل يناقض تماماً تعامله معها. والأدهى أنها تريد أن تفرض على أميركا، تحديداً، وهي الدولة التي قدمت كل الأغطية ودافعت بشدة عن انتهاكات إسرائيل، موقفاً يتعارض مع مصالحها الأشد أساسية.
فما يدفع أميركا إلى محاولة القبول باتفاق نووي مع إيران يعود أولاً وقبل كل شيء إلى التزام إيران بالمواثيق الدولية ومطالبتها بحقها في التخصيب السلمي. وما يجبر أميركا على القبول بهذا الاتفاق يعود إلى حقيقة أن رفضه يبقي الوضع في دائرة رمادية من ناحية أو يضطر أميركا إلى اللجوء لخطوات عسكرية. ولهذا السبب فإن الحديث يدور حالياً حول الضمانات بعد إقرار مبدأ حق إيران في التخصيب بنسب تصلح للاستخدام السلمي وليس العسكري. وعدا ذلك يبدو أن إيران أبدت تنازلاً بتقديم استعداد لتخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي التي تملكها واستعداد أيضاً لنقل جزء من اليورانيوم المخصب لديها إلى روسيا. وليس صدفة أن وزير الخارجية الأميركية جون كيري في مساجلته لنتنياهو أمام الكونغرس حاول التذكير بواقع تصريحات نتنياهو نفسه في العام 2002 بشأن المشروع التسلّحي العراقي. وذكر كيري الجميع بالنتائج الكارثية للحرب الأميركية على العراق والتي ألمح إلى أن نتنياهو يحاول دفع أميركا لارتكاب مثيلتها ضد إيران.
ويشكل كلام كيري جوهر موقف إدارة أوباما التي وصلت إلى سدة الحكم على خلفية ضجر الأميركيين من سياسات الرئيس الجمهوري جورح بوش الذي ورط القوة الأعظم والعالم في حرب قادت إلى كوارث بشرية واقتصادية هائلة. ولكن اليمين الجمهوري في الكونغرس الذي عاد بقوة إلى موقع الأغلبية في مجلسي الكونغرس بفضل أخطاء إدارة أوباما في السياسة الداخلية يحاول من جديد اعتبار سياسة بوش العدوانية منهاجاً صالحاً. وهي تجد في موقف اليمين الإسرائيلي، بقيادة بنيامن نتنياهو، عوناً كاملاً ليس فقط في مواجهة إدارة أوباما وإنما أيضاً في مواجهة القوى العظمى الأخرى التي تريد الاتفاق النووي مع إيران.
على أية حال من الصعب تخيّل أن يكون لخطاب نتنياهو أثر فعلي على نتائج المباحثات مع إيران لأسباب بينها قناعة إدارة أوباما أنها تتصرف وفق مقتضيات الأمن القومي والمصالح الأميركية وليس الإسرائيلية. وإذا كان نتنياهو قد كسب رضى الجمهوريين فإن تاريخ النفوذ اليهودي في أميركا يشهد على أنه كان في صفوف الديموقراطيين بشكل أساسي. ولهذا السبب فإن من يتحدثون عن ضرر خطاب نتنياهو على إسرائيل واليهود والموقف من المشروع النووي الإيراني يستندون إلى أساس. فقد وقف الديموقراطيون، بمن فيهم النواب اليهود غالباً، إلى جانب رئيسهم وحزبهم وليس إلى جانب نتنياهو قادة الجمهوريين.
وهناك توقعات بأن تكون العلاقات بين إدارة أوباما والحكومة الإسرائيلية في الحضيض بعد الخطاب إذا فاز نتنياهو في الانتخابات العامة الإسرائيلية وكلف بتشكيل الحكومة المقبلة. لا أحد يبالغ في أثر ذلك على العلاقات الإسرائيلية الأميركية عموماً، ولكن من شبه المؤكد أن ما جرى يثير علامات استفهام كبيرة حول هذه العلاقات.
يكتب بن كسبيت في "معاريف" أن نتنياهو جبان ويخاف على مستقبله السياسي وليس على مستقبل إسرائيل وشعبها لذلك "لم يبق لديه سوى التحدي. وبالكلام لن يوقف أحد أجهزة الطرد المركزي. خطابه سيتلاشى بعد أيام من سماعه... لكن ما سيتدمر أكثر هو العلاقات الحميمة بيننا وبين الولايات المتحدة".

عن السفير

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير