مصر واحتمالات "العدوان" على غزة.. بقلم: إسلام حلايقة

03.03.2015 02:22 PM

بعد ستة أشهر من أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ألقى الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن خطابا خلال مراسم احتفالية أقيمت لمواساة أهالي الضحايا والمصابين، وقال مما قال وقتها أن على الولايات المتحدة أن تستمر في محاربة الإرهاب وأن تتصدى لمن يملكون أسلحة الدمار الشامل.. في إشارة واضحة إلى العراق  ونظام صدام حسين. كان ذلك قبل الحرب الأمريكية على العراق بسنتين ونصف تقريبا.

من المعروف عن الدول والقادة السياسيين قيامهم بحملاة تخدير إعلامية ذكية وخطيرة للشعوب، حتى يجعلوها مهيئة لتقبل أي خطوة استثنائية قد تقدم عليها الدولة، تجنبا لموجة الرفض والمعارضة الشديدة، كما يلجؤون أحيانا لخلق عدو وهمي وتضخمه إعلاميا حتى تجعل الشعب في حالة استنفار دائم ومستعد لأي جديد.

الأمر ذاته – وإن بشكل ساذج ومكشوف- تتم ممارسته من قبل النظام المصري الحالي، فقبل الإقدام على كل خطوة مستهجنة شعبيا وعربيا ودوليا بأيام وأحيانا بساعات، يمثّل النظام مسرحية ساذجة يحاول من خلالها إيجاد المبرر للقيام بها ثم ينفذها رغم المعارضة الشديدة، مستعينا في ذلك بجهود جيش من "ضباط الإعلام" الذين يقلبون الحقائق، ويرجون لعمليات الجيش والحكومة، ويغسلون أدمغة بسطاء الناس.

فقبل أن تقدم السلطات الحالية في مصر على تدمير مدينة رفح المصرية ومسحها عن الوجود بتفجير كل البيوت المحاذية لقطاع غزة بعرض عشرة كيلو مترات، استفعلت تفجيرا راح ضحيته العشرات من الجنود المصريين الأبرياء في سيناء، وقد تلا هذه المسرحية حملة إعلامية مذهلة تدعو "لتطهير" الشريط الملاصق لقطاع غزة، ما هي إلا أيام قليلة حتى مسحت رفح المصرية عن الوجود وشرد أهلها.

الأمر ذاته حدث في ليبيا، حيث سلط النظام القائم في مصر إعلامييه على حكومة طرابلس، وقد هدد إعلاميون كثر، بتوجيه ضربة لليبيا و "معاقل الإرهاب" فيها. وبالفعل، وقعت مسرحية إعدام 21 مصريا في ليبيا على أيدي داعش، وما هي إلا ساعات حتى كان الطيران المصري يدك بيوت الليبيين موقعا قتلى وجرحى غالبيتهم أطفال ونساء.

في ذات اليوم كان إعلاميون يروجون لعملية عسكرية في غزة، ويتمنون أن تذهب الطائرات المصرية العائدة من قصف ليبيا لتكمل المهمة في غزة، بقصف مواقع حماس والمقاومة فيها.

في الحقيقة لم تكن تلك الحملات الإعلامية التحريضية محض صدفة، أو مجرد مشاعر لإعلاميين يتم التعبير عنها في برامج إعلامية مفتوحة، بل هي جزء لا يتجزأ من مخططات نظام مترهل يعيش في حقل أزمات أشبه بحقل ألغام، يحاول أن يتجاوزها بتخبط وارتباك شديدين. إن حملة التحريض الطويلة التي مارسها الإعلام المصري على مدى سنتين من الإنقلاب ضد قطاع غزة وحركة حماس ما هي إلا انعكاس طبيعي لقرار سياسي تم اتخاذه في الدوائر السياسية والعسكرية العليا في مصر، وهو قرار يقضي بتشديد الخناق على قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، وهي الحركة التي تعتبر امتدادا سياسيا للخصم السياسي الأول لنظام السيسي وهو جماعة الإخوان المسلمين.

إن قرارات اعتبار كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس تنظيما إرهابيا، وبعدها بنحو شهر اعتبار حركة حماس ذاتها حركة إرهابية لهي إرهاصات خطيرة ومقدمات جدية لاحتمالية توجيه ضربة عسكرية لقطاع غزة وحركة حماس التي تسيطر فعليا عليه. هناك حملة تهييج وإثارة غريبة للجماهير تمارسها وسائل الإعلام أحادية الصوت التابعة للسيسي، لدرجة يشعر المراقب أن بيانا واحدا قد وزع على هذه المؤسسات الإعلامية جميعها وطلب منها تلاوته كل بنغمته الخاصة.

هذا تحذير جدي لكل الأطراف من أن هناك ضربة عسكرية مصرية محتملة لقطاع غزة، هكذا يمكن الإستنتاج من خلال مراقبة وسائل الإعلام المصرية والناطقين ومتحدثي النظام في الأيام الأخيرة، وهذا ما عهدناه من النظام المصري الحالي البارع في اختلاق الذرائع لتنفيذ عمليات هنا وهناك، ولذا لا نستبعد حدوث عملية تفجيرية ضد مواقع للجيش المصري أو ضد أي مؤسسة مصرية حيوية في القريب العاجل، حتى تكون مبررا للعدوان على غزة، تصحبها مباشرة حملة تحريض قوية وغير مسبوقة من قبل وسائل إعلام النظام، لتبديد أي تعاطف أو شفقة لدى الجمهور الداخلي والخارجي مع غزة وأهلها، وتزيين عملية الجيش وترويجها.

هدف هذا المقال ليس مجرد تحريك لعواطف القارئ والمواطن العربي، بل هو استنتاج منطقي لتسلسل الأحداث في مصر والمنطقة، وتحذير من حدث خطير متوقع كما تشير الإرهاصات والدلائل.

سيناريوهات متوقعة:

- قد يقدم الجيش المصري على تنفيذ حملة جوية محدودة أو موسعة ضد قطاع غزة وحماس.
- وقوع هذه الحملة سيخلق موجة غضب جماهيرية عربية واسعة ضد نظام السيسي وجيشه.
- حماس حريصة أشد الحرص على عدم الإنجرار في مواجهة مع أي طرف عربي لأن لديها أولويات أخرى، كالمواجهة مع الإحتلال وكسر الحصار، لكنها قد لا تتمكن من ضبط كل عناصرها وأجهزتها في حال حدث عدوان على القطاع.
- إسرائيل ستكون أسعد الأطراف وأكثرها ربحا ودعما لمثل هذه الحرب، فهي تفضل أن ينخرط بلد عربي في حرب لا ترغب بالإنخراط هي فيها مع عدوها اللدود حماس.
- من الصعب على نظام السيسي أن يقدم على مثل هذه الخطوة دون مباركة وموافقة الداعم المالي الخليجي له، لكن التقارب السعودي الجديد مع تركيا ومهادنته للإسلاميين قد تحول دون ذلك.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير