نتنياهو "مرشداً روحياً" للكونغرس في غياب رئيسه

04.03.2015 12:12 PM

وطن:  كتب حلمي موسى

متجاهلاً كل التحذيرات، ألقى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خطابه أمام الكونغرس، متحدياً إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، رغم تكراره تقديم الثناء لها.

وبدا نتنياهو في الخطاب، الذي حضرته غالبية كبيرة من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، أقرب ما يكون إلى زعيم يحاضر في أعضاء حزبه، الذين كانوا يصفقون ويهللون تقريبا لكل ما يقول.
وكان واضحاً أن نتنياهو تعامل مع أعضاء الكونغرس الحاضرين وكأنه "مرشد روحي"، يرسم للولايات المتحدة سياستها، ويقرر عنها ما ينبغي فعله، وهو ما يستدعي انتظار الرد، الذي لاحت بوادره في تصريحات لمسؤولين أميركيين انتقدوا ما وصفوه بـ"الاهانة"، فيما قال الرئيس باراك أوباما انه «لم يشاهد» كلمة نتنياهو، بل "قرأ النص"، الذي "لم يجد فيه أي جديد".
وبالرغم من أن الكراسي في قاعة "الكابيتول" امتلأت، بعدما ملأ مساعدو أعضاء الكونغرس الحاضرون مقاعد أعضاء الكونغرس الغائبين، إلا أن الغياب كان سيّداً.
وغاب عن الخطاب رئيس الكونغرس، وهو نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، وحوالي 60 من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، ومن بينهم يهود، كما أن قضاة المحكمة العليا الـ 11، ومن بينهم ثلاثة يهود، الذين تلقوا الدعوة رفضوا الحضور، وجميعهم يرون أن أمراً غير دستوري وقف خلف الخطاب.
وسارع مسؤول في البيت الأبيض إلى التعقيب على خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية، معلناً، في مقابلة مع شبكة "سي ان ان"، أن نتنياهو "لم يعرض أي فكرة جديدة، ولا أي خطة بديلة واضحة، وإنما مجرّد كلمات من دون أفعال".
كذلك، حملت زعيمة الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي بشدة على نتنياهو، واعتبرت خطابه "إهانة" للولايات المتحدة، قائلة إنّ تقديرها للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية دفعها إلى أن تكون "قريبة من البكاء أثناء الخطاب". وأضافت "لقد غضبت من إهانة الاستخبارات الأميركية، ومن التعالي بشأن معرفتنا بالخطر الذي تمثله إيران، والتزامنا بمنع انتشار السلاح النووي".
وسبق للإدارة الأميركية أن وصفت الخطاب بأنه "مدمر" للعلاقات بين الدولتين. وقبل يومين وصفه أوباما بأنه "خاطئ".
واستبقت الإدارة الأميركية الخطاب بأن حذرت نتنياهو من الكشف عن تفاصيل حول المفاوضات السرية، بل وألحقت تحذيرها بوقف التعاون الاستخباري بشأن إيران، بحسب ما نشرت القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي.
لكنّ ذلك لم يمنع رئيس الحكومة الإسرائيلي من الكشف عن بعض التفاصيل التي يعتقد مراقبون أنها ستزيد غضب إدارة أوباما على نتنياهو وحكومته.
وشدد نتنياهو على معارضته القوية للاتفاق الذي يتبلور بين إيران والقوى العظمى. وأضاف إلى مطالبه السابقة مطالب جديدة، من بينها اشتراط إبرام الاتفاق "بوقف عدوانية إيران في الشرق الأوسط، ووقف دعم الإرهاب في أرجاء العالم، والكف عن التهديد بإبادة إسرائيل، الدولة اليهودية الواحدة والوحيدة".
وكشف نتنياهو النقاب عن أن الاتفاق النووي مع إيران لا يطلب "تفكيك ولو منشأة نووية واحدة"، كما أنه لا يشير البتة إلى مشروع إيران الصاروخي. وشكل كلامه هذا تحدياً واضحاً للبيت الأبيض، الذي حذر من أن الكشف عن معلومات حول الاتفاق يعتبر "خيانة للثقة".
وحاول نتنياهو تبرير ذلك بالقول إنه "برغم عدم التوقيع على الاتفاق، فإنّ ثمة عناصر منشورة، ولا حاجة لأجهزة استخبارات، ولا معلومات سرية لمعرفتها. يمكن فقط البحث في (غوغل) عن تفاصيل الاتفاق. ومن دون تغيير جوهري، نحن نعرف بالتأكيد أن كل اتفاق مع إيران ينطوي على تنازلين جوهريين: الأول بقاء بنية تحتية نووية جوهرية تترك لإيران مدى اختراق زمني قصير للقنبلة، والثاني انه لن يتم تدمير أي موقع نووي في إيران، وبوسع إيران الاحتفاظ بآلاف أجهزة الطرد المركزي وآلاف أخرى تفصل عنها الكهرباء، لكن لا يتم تدميرها. معظم البنى النووية ستبقى مكانها، ولذلك فإن زمن الاختراق الإيراني سيكون قصيراً جداً".
وتابع "إذا واصلت إيران إنتاج أجهزة طرد أكثر تقدماً، فإن مدى الاختراق يمكن أن يقصر جداً".
واستخف نتنياهو بالمراقبين الدوليين والقيود التي يفرضها الاتفاق على المشروع النووي، قائلاً "هذه هي المشكلة: المراقبون يوثقون الانتهاكات، لكنهم لا يمنعونها. على غرار كوريا الشمالية، انتهكت ايران مراراً اتفاقيات دولية في حالات عدّة، في الاعوام 2005، 2006، و2010. وكما هي الحال مع كوريا الشمالية، تضع إيران أقفالاً، وقد أطفأت الكاميرات وخدعت المراقبين الدوليين".
وتابع "إيران، لا تنتهك هذه التعليمات فحسب، وإنما تعرف كيف تتلاعب وتخدع المراقبين".
وشرح نتنياهو معارضته للنظام الإيراني الذي "يفعل بالضبط ما أراد مؤسسوه: لقد دخل إلى غزة، لبنان، ولديه ممثلون في سوريا. هم يطوّقون إسرائيل ويحاولون خنقها بطوق إرهابي. ولإيران أنصار في العراق واليمن أيضاً، وهم يهددون المضائق الحيوية لمرور البضائع. إيران تريد خنق مرور النفط العالمي. قبل أسبوع أجرت مناورة عسكرية، قصفت خلالها نموذجاً لحاملة طائرات أميركية أثناء إجراء المباحثات النووية. وإيران تنفذ عمليات أيضا في الولايات المتحدة، وهي مسؤولة عن مقتل آلاف الجنود الأميركيين في بيروت والعراق وأفغانستان".
وتابع "إيران تسيطر حالياً على أربع عواصم: بغداد، دمشق، بيروت وصنعاء. وإذا لم يتم وقفها، فإن عواصم عربية أخرى ستقع في أيديها".
وأمعن نتنياهو في التحريض قائلاً: "هناك من يأملون أن تقبل إيران في الأسرة الدولية، لكن إيران تسيطر، وعلينا الوقوف سويا لوقف حملة الاستعباد والإرهاب الإيرانية". وأضاف "لمن يؤمن بان إيران تهدد الدولة اليهودية ولكن ليس الشعب اليهودي، استمعوا إلى قائد حزب الله حسن نصر الله، قائد الإرهاب الإيراني بالوكالة. لقد قال: إذا تجمع كل اليهود في إسرائيل فإنهم سيوفرون علينا مشقة ملاحقتهم حول العالم".
وقال "قيل لنا منذ عامين ان نعطي الرئيس (حسن) روحاني ووزير الخارجية (محمد جواد) ظريف فرصة لتغيير إيران وتطويرها. إن حكومة روحاني تشنق الشباب وتضطهد المسيحيين وتسجن الصحافيين. في العام الماضي، قام ظريف الذي سحر الديبلوماسيين الغربيين بوضع إكليل من الزهور على ضريح عماد مغنية، العقل الإرهابي الذي أراق دماً أميركياً أكثر من أي إرهابي، إلى جانب أسامة بن لادن".
وأشار نتنياهو إلى من يتحدثون عن محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" - "داعش"، قائلاً إن إيران الإسلامية هي شكل آخر من "داعش"، وأنه لا ينبغي التعامل معها من أجل محاربة التنظيم الإرهابي.
وكان نتنياهو بدأ خطابه، الذي استمر 45 دقيقة، وقوطع بالتصفيق 25 مرة، بالثناء "على جميع من حضروا". وأضاف "أعلم أن الخطاب موضوع خلاف كبير، وأنا آسف لأن أناساً يفسرون وصولي إلى هنا على أنه أمر حزبي، وهذا لم يكن أبداً قصدي. أنا أشكر الديموقراطيين والجمهوريين على دعمهم لإسرائيل عاماً بعد عام، وعقداً بعد عقد. وأنا أعرف أن لا فرق في أي جهة تجلسون، جمهوريين وديموقراطيين، فأنتم إلى جانب إسرائيل. والتحالف الاستثنائي بين أميركا وإسرائيل كان دوماً فوق السياسة الداخلية وسيبقى كذلك".
وأشار نتنياهو إلى التعاون الوثيق بين أميركا وإسرائيل، شاكرا باسم إسرائيل "الشعب الأميركي والرؤساء الأميركيين. وأنا أقدر كل ما فعل أوباما من أجل إسرائيل. قسم مما فعله أوباما لإسرائيل معروف كالتعاون الأمني، الاستخباري وقسم غير معروف. لقد اتصلت به في العام 2010 من اجل حريق الكرمل وهو وافق فوراً على تقديم العون. كما اتصلت به في العام 2011، خلال حصار سفارتنا في القاهرة وقدم مساعدة مهمة جداً. وأنا أقدر تأييده الصيف الماضي لعملية الجرف الصامد (ضد غزة). في كل واحدة من هذه اللحظات اتصلت بالرئيس وكان حاضراً. وليس بالوسع الحديث عن قسم من المباحثات المتعلقة بأمور حساسة. لكني أعرف ما يفعل بالضبط، ودوما سأبقى مديناً له على هذا الدعم".
وطبعا لم ينس شكر أعضاء مجلسي الكونغرس على الدعم السخي لإسرائيل، وخصوصاً "المساعدة العسكرية، في الدفاع ضد الصواريخ".
وقال "في الصيف الأخير حظي ملايين الإسرائيليين بحماية من آلاف صواريخ حماس بعدما أتاح الكونغرس لإسرائيل التزود بمنظومات القبة الحديدية".
وعمد نتنياهو إلى عرض نفسه كرسول لـ "الشعب اليهودي"، وقال أنه جاء الى واشنطن "لأن الموضوع (الاتفاق النووي) قد يعرض وجود إسرائيل ومستقبلها للخطر".
وشدد نتنياهو على أن "التاريخ اليهودي صمد أربعة آلاف عام في مواجهة محاولات الإبادة"، مشيرا إلى أن اليوم هو "عيد المساخر" والذي يسخر فيه اليهود من هامان "المستشار الفارسي القوي الذي تآمر لإبادة الشعب اليهودي، لكن امرأة يهودية شجاعة ـ استير ـ كشفت مؤامرته، وهكذا دافع الشعب اليهودي عن نفسه ونجا".

عن السفير

تصميم وتطوير