هل كل مسلم قاتل؟

18.04.2015 07:49 PM

وطن: كتبت غادة السمان

 

منذ اليوم الأول الذي تم فيه الاعتداء على عربي مسيحي في هذا القطر العربي أو ذاك انطلقت صفارات الإنذار داخل رأسي وقلبي وهالني بعدها ما يتعرض له يوماً بعد آخر ذلك العربي المسيحي، هنا وهناك، من ترويع وأذى وتهجير وخطف للراهبات وتكفير، وإيذاء للمطارنة الأجلاء، واعتداء على بعض الكنائس ومحاولات مخزية لتفريغ بعض المناطق من العرب المسيحيين.

وامتدت الموجة لتشمل ذبح المسيحيين في كينيا والفيلبين وسواهما كثير وبعضه استعراضي متلفز. وتكفي الآيات القرآنية لإيضاح موقف الإسلام من اضطهاد العربي المسيحي والمسيحي في كل مكان من كوكبنا.

جاء في القرآن الكريم: "لتجِدنّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى" وجاء أيضاً "لا إكراهَ في الدين" و "قل يا أهلَ الكتابِ تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألا نعبدَ إلا الله ولا نشرك به شيئا" و "أن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمنَ بالله واليوم الآخر وعملَ صالحاً فلهم أجرهم عند رَبِّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هُمْ يحزنون" وجاء أيضاً "وكذلك جعلناكم أمة وسطا".

فمن أين جاء ذلك التطرف الفتاك؟

بين حقيقتنا وصورتنا

جاء أيضاً في القرآن الكريم "ولا تعتدوا إن الله لا يحبُ المعتدين".

وحين ذهب جند أحد الخلفاء الراشدين (عمر بن الخطاب) إلى القدس تم تدوين ما يدعى "العهدة العمرية" وهي وثيقة الأمان للمسيحيين ومما جاء فيها: "أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم. لا تُسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من خيرها ولا من صُلبِهم ولا من شيء من أموالهم ولا يُكرهون على دينهم" فماذا يحدث لنا اليوم؟
أي جنون يجتاح بعضنا وباسم دين العدالة والحكمة والرحمة والسلام والإنسانية؟

في خطبته بمناسبة عيد الفصح، أدان قداسة البابا اللامبالاة الغربية بمصير المسيحيين في الشرق. ولكن يقع على عاتق أبناء الشرق أولاً التنصل من تلك الأفعال المجرمة بإدانتها والتظاهر ضدها، وهو ما لم يحدث ولم تخرج تظاهرة مليونية أو مئوية واحدة في مدينة عربية ضد تلك الأفعال المخزية مما يجعلنا ـ كما يبدو من الخارج ـ شركاء فيها، ويجعل الإسلام يبدو ـ من الخارج أيضاً ـ دين القتل والعنف والاستبداد ويغذي نزعة (الإسلاموفوبيا) التي يعاني منها ملايين المهاجرين العرب إلى الغرب سعياً وراء الرزق والحرية وملايين المسلمين في أوطانهم، فقد جاء من يسرق الأرزاق والحريات بذريعة دين الإسلام الحنيف. ثمة هوة هائلة بين حقيقة الإسلام من جهة، وبين صورتنا في الغرب من جهة أخرى بفعل ممارسات البعض تحت "راية الإسلام" ظلماً وعدواناً للدين السمح. ومن الضروري أن نعلن إدانتنا لكل إعتداء على وردة واحدة في حديقة عربي مسيحي.

وعلينا دائماً أن نتذكر قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم "الخلقُ كلهم عيالُ الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله" ولم يقل المؤمنون فقط هم عياله تعالى.

الاعتداء على الحريات بذريعة الإسلام

حينما يطلق أحدهم الرصاص على طلاب في جامعة ما، ارتاع خوفاً من أن يكون مسلماً!..

وحينما تقع طائرة ما وتتحطم في فعل انتحاري إجرامي أظل قلقة خوفاً من أن يكون الفاعل مسلماً انتحارياً توهم أنه في طريقه إلى جنة الخلد. وثمة محاولات بعضها صهيوني يحاول الترويج لفكرة: إن كل مسلم قاتل بالضرورة وفقاً لتعاليم دينه!

وجاء في القرآن الكريم أيضاً ما يحرم اغتيال الحرية الفردية ومنها "لا إكراهَ في الدين" و "مَنْ شاءَ فليؤمنْ ومن شاءَ فليكفر" وهكذا يضمن الإسلام حتى حرية الكفر، فالعقاب عند الخالق لا (الأمراء) الذين يفرضون فظاظتهم وغلظة قلوبهم على الناس ويسممون روح الإسلام السمحة، ويجعلون البعض يتوهم أنه عليه قمع الآخر حتى في تفاصيل الحياة اليومية.
وينسون قول الرسول "الكلمة الطيبة صدقة" وأقوالهم عدوانية تهديداً ووعيداً وتحذيراً ويرغون ويزبدون.

كل قمع للحريات حتى الصغير منها يستفزني.

منها مثلاً ما حدث للزميل العزيز الياس خوري ذات مرة في مطار بيروت قبل أعوام طويلة وعلمت به مما كتبه خوري عنه منزعجاً. فقد كان يحمل زجاجة (عرق) معه في سفره إلى الغرب كهدية إلى صديق طلبها منه.

الموظف في المطار الذي يفتش حقائب اليد خوفا من متفجرة انتحارية انفجرت داخل رأسه زجاجة العرق وصار عدوانياً في تعامله مع خوري. هذا على الرغم من أنه مسيحي ودينه لا يحرم ذلك، وكان العزيز الياس محقاً في كل كلمة غضب سَطّرها ولم أنسها! وكتبت أنه لا يحق لموظف الأمن في المطار الاعتراض على حامل (العرق) فوظيفته تطبيق قانون الدولة لا تطبيق الشريعة في وطن قائم على تعايش 18 طائفة دينية ودستوره يكفل الحريات.

ينابيع "الإسلاموفوميا"

ثمة فئة تقوم بالإجرام بإسم الإسلام نجحت في أقناع معظم الغربيين بأن "كل مسلم قاتل بحكم عقيدته..".
وذلك ليس صحيحا تاريخياً أيضا وجذور الاستبداد وطبائعه تعود إلى ينابيع أخرى بينها ما هو غربي!

وباختصار: ليس بوسع أي قلم مهما أبدع دحر "الإسلاموفوبيا" إذا لم نحسن "حقيقتنا".. وذلك يبدأ برفض اي أذى وظلم لإنسان في كوكبنا تحت راية الإسلام، بما في ذلك أسلوب البعض في التعامل المهين اللاعصري مع المرأة بذريعة الإسلام وقهر النساء في عصر الفضاء، فمن مقاييس الرقي الإنساني كما العصري هو أسلوب مجتمع ما في التعامل مع المرأة.. وسوء ذلك يساهم إلى جانب عوامل أخرى عديدة في ضخ الدم في (الإسلاموفوبيا) العالمية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير