التسهيلات ليست الطريق الى الدولة- كتب:سامر عنبتاوي

19.04.2015 07:18 AM

وطنالسلام الاقتصادي... هذا هو هدف حملة ( اوكازيون التسهيلات) من قبل دولة الاحتلال ...لقد دأبت الحكومات المتعاقبة في دولة الاحتلال على استعمال سياسة العصا و الجزرة مع الشعب الفلسطيني ..و لم يكن في حسبانها او ضمن توجهاتها اي مسعى او قناعة بعملية سياسية تنهي الصراع و تعيد الحق لاصحابه و تؤدي الى حل شامل للقضية ..و بهذا فقد استمر مسلسل المراوغة و الدجل و تسويق الوهم الذي من الممكن ان ينطلي على البعض و لكنه لا يستطيع ان يقنع الشعب الفلسطيني ذو التجربة الطويلة و المريرة مع هذا الاحتلال الاحلالي الفاقد لمعاني الانسانية و الرافض و المتجاوز للقانون الدولي بكافة صوره .

و في هذا السياق برز معلمان اساسيان في هذا التوجه في الآونة الاخيرة و هذان المعلمان يفسران الحملة المسعورة من حجز الاموال و الحصار الاقتصادي اضافة لحملات الاعتقال و القتل ..فالمعلم الاول يتمثل بتنفيذ التهديدات و الوعيد بعد توجه القيادة الفلسطينية للمحافل الدولية و خاصة محكمة الجنايات الدولية و قرارات المجلس المركزي..و المعلم الثاني هو عبارة عن مرحلة الانتخابات التي تخللها الكثير من التصريحات المعبرة عن الكراهية المبطنة لكل ما هو عربي و التلويح بشكل صريح برفض كافة الحلول السياسية التي من الممكن ان تقود لدولة فلسطينية مستقلة ..و كذلك نتائج الانتخابات التي ادت الى اعادة انتخاب نتنياهو و حلفائه من اليمين المتطرف .

و بعد ذلك سرعان ما انبرى نتنياهو للعمل حتى قبل تشكيل الحكومة الجديدة و اعتبرها تحصيل حاصل و اصبح ( حاتم الطائي الاسرائيلي) يقدم بسخاء رزمة من التسهيلات لفلسطينيوا الضفة و قطاع غزة تتعلق بالامور الحياتية اليومية و تحسين الوضع الاقتصادي الذي اصيب بالشلل نتيجة السياسات الاسرائيلية من حصار و حجز اموال . فما سبب هذا (السخاء) ؟! و هل ياتي ضمن مشروع للحل ام مراوغة لكسب الوقت ؟ ام محاولات لامتصاص ردود الفعل الدولية نتيجة حصار الشعب الفلسطيني ؟ ام خوفا من تفجر الامور نتيجة الضغط على الفلسطينيين ؟ هل هو لمنع سقوط السلطة ام مساهمة لتقويضها و العمل على اعادة العلاقة مع الشعب مباشرة بدون وساطتها _ اي السلطة _ و طبعا هي علاقة لا تأخذ الندية ابدا بل علاقة السيد و العبد كما يحبون انت تكون .

لا يخفى على اي متابع للسياسات الاسرائيلية ان ما بنيت عليه هذه السياسات و ماعملت عليه خلال عقود طويلة هو الهروب التام من العملية السياسية و استبدالها بمشروع (السلام الاقتصادي) الذي يتعامل مع الوجود الفلسطيني على هذه الارض باعتبارهم مجموعات سكانية ليس لهم اي حقوق سياسية و لكن عليهم ان يقبلوا العيش تحت الهيمنة الاسرائيلية الكاملة على الصعيد الامني و الاقتصادي و لهم فقط بعض التسهيلات الحياتية التي تسد الرمق و تبقيهم على قيد الحياة و لو الى حين ليس اكثر ...و يرى هذا الفكر العنصري ان المقايضة لا تكون بالارض مقابل السلام بل تنازل الشعب الفلسطيني عن الارض و الحقوق مقابل فقط السماح لهم بالعيش على ارضهم كاقليات او كجاليات ليس لهم حقوق المواطنة و تقرير المصير . و من هذا التفسير تفهم هذه (التسهيلات) ..و يبرز هنا سؤال جوهري في هذا السياق ..الم يتمتع الفلسطينيون بكل هذه ( التسهيلات ) بل و اكثر منها اثناء وجود الاحتلال المباشر و قبل اتفاقية اوسلو؟ ..الم يكن دخول ما وراء الخط الاخضر مسموحا للجميع تجارا و عمالا ..نساء و رجالا ..اطفالا و كبارا و بسياراتهم الخاصة و العامة ؟ الم يكن الوضع الاقتصادي في السوق التجاري و سوق العمل بوضع جيد ؟ الم ( يغدق ) الاحتلال ب( كرمه ) على الفلسطينيين ؟ و عاشوا ازدهارا اقتصاديا تحت الاحتلال بدون سلام لأن الفلسطيني الجيد حسب تعريفهم هو الخانع و الذليل اما المقاوم و الرافض للاحتلال فهو ارهابي و مصيره غياهب السجون او الابعاد القسري او الاقامة الجبرية او القتل .. اذا لماذا خاض الشعب انتفاضتين قدم خلالهما عشرات الآلاف من الشهداء و الجرحى و قدم الغالي و النفيس ؟ اذا كان ما يبحث عنه شعبنا هو لقمة العيش الذليلة و السماح له ب( زيارة ) ارضه التاريخية كضيف زائر ..فلماذا يخوض نضال وطني اوشك ان يصل الى قرن من الزمان ؟؟ لو كان هذا ما ينشده الشعب الفلسطيني فقد كان ملك يديه في السابق ..و لوكان الشعب الفلسطيني _ لا سمح الله_ ذليلا يقبل الخنوع لرضي بتلك الحياة التي يرسمونها له ..و لكن شعبنا ثار منذ بدايات القرن الماضي بحثا عن حريته و كرامته و حقه على ارض وطنه ..و لم يقبل المساومة و لا يرضى مقايضة حقوقه بفتات الطعام و تسهيل تحركه .

حتى لو بحثنا بمصداقية هذه ( التسهيلات ) مباشرة فما طبيعتها ؟

- وجود رمزي للشرطة الفلسطينية في المناطق المسماة (ب) في ضواحي القدس تلك المناطق التي عاث فيها الاحتلال فسادا و اغراقا بعالم الجريمة و المخدرات حتى اصبح يخشى انعكاس ذلك على الداخل بين الاسرائيليين.. فهل تحل هذه القضايا بعشرات من الشرطة ؟

-السماح لمن هم فوق الخمس و خمسون عاما من الرجال و اكثر من خمسون عاما من النساء بعبور الخط الاخضر الى الداخل _ المضحك في هذا الامر ان المكان الوحيد الذي يرغب الانسان الكبر فيه هو كنف الاحتلال حتى يستطيع التنقل بجزء من الحرية _ الامر الذي يحمل في طياته ايضا محاولات التطبيع بعد شلالات الدم و مقاومة المقاطعة الشاملة للاحتلال و بضائعه .

-دخول بعض الاطباء بسياراتهم الخاصة الى القدس ( مائة طبيب) و الوعود لرجال الاعمال بنفس المعاملة خلال اشهر و بعض التسهيلات على الجسور الامر الذي يندرج و بشدة ايضا تحت بند التطبيع و انهاء المقاطعة .

-بعض التسهيلات المتعلقة بمرور المواد الى قطع غزة الامر الذي لا يعدو في احسن حالاته ان يشابه بعض التحسينات لطعام المعتقلين في سجون الاحتلال .

ان كل ما تقدم يقود الى الاستنتاج الى ان مشروع الاحتلال الآن يكشر عن انيابه و يلغي العملية السياسية بالكامل و يخير الشعب الفلسطيني بين لقمة العيش و الحياة اليومية و بين حقوقه التاريخية و كرامته ..انهم يلقون بجزرتهم العفنة بعد عصا غليظة لعقود طويلة ..و الهدف تقويض كل شيء و تمرير مشروعهم ...ان مايعرضونه هو اشبه بتسمين الخراف قبل ذبحها لان كل ما يقدمونه عبارة عن مرحلة انتقالية تمهيدا للضم الكامل و تطبيق القانون الاسرائيلي على المناطق طبعا بعد تفريغ اكبر نسبة من السكان ..و سواء كان هدفهم ابقاء السلطة ( مؤقتا ) اوتقويضها ..و سواء كان هدفهم امتصاص ردود الفعل الدولية او منع انفجار الناس او غيره من الاهداف ...فان مخططهم واضح المعالم و لا ينطلي على من يملك ذرة من التفكير ..و لذلك فالمراهنة على شعبنا الصامد و وعيه بعدم تصديق اكاذيبهم و المراهنة على اعادة توحيد الشعب و قواه حول برنامج وطني نضالي ..فليس مقبولا ابدا مسارعة بعض رجال الاعمال الى ( الاستفادة من التسهيلات ) و الحصول على التصاريح ..و ليس مقبولا قبول البعض داخل السلطة بجزرتهم او تسويق ( التسهيلات) ..بل على العكس من ذلك يجب التوعية الى ان هذه ( التسهيلات) لن تقود الى الحرية و الكرامة و الدولة ...بل ستقود اذا ما رضينا بها و تعاملنا معها الى تقويض كل هذه المطالب لا سمح الله ..
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير