وحدة الأسرة في مرمى وسائل الإتصال الحديثة - بقلم:د. حسن عبد الله

19.04.2015 06:53 PM

تطور وانتشار وسائل الإتصال والتواصل هل هو نعمة أم نقمة؟- كيف السبيل لتحويل وسائل الإتصال الحديثة إلى روافد معرفية وتثقيفية في مجالات الحياة كافة؟- وهل من طرق وآليات للحد من التأثير السلبي لثورة تكنولوجيا الإتصالات على المواطن والأسرة وبالتالي المجتمع؟

كيف يمكن لنا أن نحول الانترنت في بيوتنا ومؤسساتنا إلى وسيلة نرتقي من خلالها بوعي الانسان ونطور قدراته وإمكاناته المعرفية والمهارية؟- وما دور الفرد، الأسرة، المدرسة، الجامعة ، النادي، المؤسسات الإجتماعية، الأطر السياسية، وما دور الإعلام في توظيف وسائل الاتصال في تمتين الروابط الاسرية لا خلخلتها وتفكيكها؟-  هل نترك أطفالنا فريسة لغرف الدردشة ومواقع الجنس وأفلام الرعب وعنف المصارعة؟

والحقيقة لو أردنا ان نفسح في المجال لمزيد من الأسئلة لانهمرت كالمطر، منها ما يتعلق بالجوانب الإجتماعية ومنها النفسي والثقافي والديني والأخلاقي والحقوقي والانتاجي، واقصد بالانتاجي هنا استثمار الوقت ايجاباً لصالح الفرد والمجتمع بعيدًا عن تبديده في قضايا تلحق الضرر بالانسان ومحيطه.

الانترنت على وجه الخصوص هو حاضنة وسائل الاتصال على اختلاف أنواعها ومسمياتها "والستاليت" الذي يضعنا أمام عالم متشابك ما بين الايجابي والغارق في السلبي، وإذا وظفا توظيفا ممنهجاً فانهما يوفران للأسرة قاعدة معلومات ومعارف من شأنها ان تجعلها اسرة متفتحة متابعة، مواكبة للجديد والمفيد ، أما اذا اسيء الاستعمال فاننا سنجد على سبيل المثال أسرة من خمسة أفراد موزعة على عوالم مختلفة مشتته في ميادين وتوجهات متضاربة، الأب ينشغل في عالمه والأم في عالمها والأبناء كل يبحلق في شاشة هاتفه النقال أو "اللابتوب" يتابع قضايا ويدمن عليها تلقائياً، بمعنى أننا نتحدث عن أسرة موجودة جسدياً تحت سقف واحد ومتشظية اجتماعياً ونفسياً تطغى عليها الفردية.

هل حال الأسرة المثال هو القانون العام. بالطبع كلا. لكن هل هذه الأسرة المثال هي استثناء- الجواب أيضاً كلا.
انقسمت الدراسات والبحوث التي تناولت تأثير وسائل الاتصال الحديثة على الأسرة العربية بين الايجابي والسلبي، لا ايجابي مطلق ولا سلبي مطلق، بل إن النسبي هنا سيد الموقف.

من الدراسات اللافتة التي اطلعت عليها في هذا المجال. دراسة بعنوان " التكنولوجيا وضعف العلاقات الإجتماعية في الاسرة.. أسباب وحلول"... للباحث عباس سبني- تناولت التأثير الإجتماعي والنفسي للاستعمال الخاطيء لوسائل الاتصالات الحديثة، حيث بينت أن أكثر الافراد تعرضًا لخطر الإصابة بمرض ادمان الانترنت هم الذين يعانون عزلة إجتماعية وفشلاً في اقامة علاقات طبيعية مع الآخرين. وان المجال الالكتورني قدم لهم امكانية التعويض، وأغفلت الدراسة نفسها أن هناك من يتعاملون مع الانترنت بدوافع النشاط الاجتماعي والتعارف والتفاعل، لكنهم يقعون تدريجياً في مشكلة الإدمان والتقوقع، بحيث يختزلون نشاطهم وحيوتهم في الشاشة. أي ان المنعزل والنشط مرشحان للادمان والتقوقع والسلبية.

ومعلوم ان الهاتف النقال المرتبط ببرامج حديثة، أصبح عامل تفكك أسري وقد يقود إلى مشكلات للأولاد وأيضا للأب و الأم،  الاولاد بحكم المراهقة وقلة الخبرات، لكن هناك كثيراً من الأزواج ما اندفعوا وتاهوا في دروب يصعب الخروج منها، قادت الى علاقات خارج نطاق الأسرة، ولم تنج زوجات من هذه المعضلة، ونحن نقرأ بين الحين والآخر في الصحف والمواقع الالكترونية عن حوادث تسببت بالطلاق وتفكك الأسرة.

والسؤال كيف السبيل إلى حماية أسرنا من الإغراء التكنولوجي ومن إمكانية الانزلاق؟

الاعلامية منتهى الرمحي أخذت توجها مختلفا قي محاولة لتقديم علاج من خلال حلقة تلفزيونية خصصتها لدور التكنولوجيا الحديثة في توسيع الفجوة بين الآباء والأبناء- فقد عرضت الاشكالية وبينت مخاطر وسائل الإتصال الحديثة على بنية الأسرة، واستضافت عددا من المتخصصين في علمي الاجتماع والنفس وكذلك في الإعلام، وراح كل منهم يناقش القضية من زاويته، وتراوحت الآراء بين تبيان الايجابيات والسلبيات ، لكن كان هناك اجماع عن ان الوالدين يجب أن يضطلعا بدور مهم في متابعة ما يشاهد الأبناء وتوجيههم للايجابي وفق الأصول الدينية والاجتماعية والعادات والتقاليد ووفق متطلبات الحياة المعلوماتية والثقافية- وبرز في الحلقة سؤال يمكن ان نسحبه على المجتمعات العربية لكن بتفاوت، كيف يمكن لأم أن ترقب وتتابع ابنها ونسبه الأمية النساء في بعض الأرياف العربية تصل الى 50-60%، ربما تكون النسبة أقل في مجتمعات عربية معينة وأقل في مجتمعنا الفلسطيني، لكن الأمية في معرفة القراءة والكتابة يقابلها أمية كمبيوتر وانترنت لدى نسبة ممن يعرفون القراءة والكتابة، أي أن الوالدين اللذين لديهما مشكلة في معرفة مفاتيح الاتصالات الحديثة سيكون من الصعب عليهما التوجيه والمتابعة.. هذه اشكالية - لكن هناك في المقابل نسبة لا بأس بها من الآباء والأمهات الذين يعرفون ولديهم المهارات، لكنهم لا يتابعون ولا يدققون ولا يربون.. ومع ذلك فان الدور الأكبر والرئيس هو للوالدين، ثم تأتي المدرسة والجامعة.

ودور الوالدين من المفروض ألا يكون قمعياً بل ديموقراطياً – ليس بمنع الانترنت وانما بالتوجيه- والاشارة الى المواضيع التي يتم توجيه الأبناء بطريقة سلسلة لمتابعيها . اما دور المؤسسات التعليمية فينبغي أن يركز على استخدام التكنولوجيا في التعليم والتطوير وفتح دروب معرفية للطلبة، لكن هل نجحت مؤسساتنا التعليمية في ذلك .. اتضح من خلال تقرير بمشاركة اساتذة وطلبة من كلية فلسطين الأهلية الجامعية، أن هناك انقساماً في الآراء حول نجاح او فشل فلسطين في استثمار التكنولوجيا في خدمة التعليم.

اذن التكنولوجيا موجودة ومتاحة للمجتمعات لا يمكن حجبها - انها حقيقة واقعة، بيد ان استعمالها بشكل صحيح- يحتاج الى أولا تربية أُسرية.

ثانياً ثقافة، فالخواء الثقافي يقود الى العبث.

ثالثاً إلى إعلام وطني ذي رسالة.

رابعاً إلى دور فاعل على مستوى وزارة التربية والتعليم.

خامساً دور رجال الدين.

سادساً المؤسسات والأحزاب.

سابعاً- جهد الأكاديمين والمثقفين والكتاب والباحثين.

إننا بحاجة باختصار إلى ثقافة مجتمعية تجعل التكنولوجيا نعمة مجتمعية وثقافية ومعرفية، فدور الأسرة وحده لا يكفي، والمدرسة بمعزل عن الأسرة سيظل دورها قاصراً. اننا نحتاج الى تكامل وتناغم مكونات المجتمع، لا سيما ونحن الفلسطينيين أصحاب قضية ولا يجوز أن نغيب عن واقعنا ونلجأ الى عالم افتراضي.. نريد الاستفادة من وسائل الإعلام لبناء مجتمعات تعمر الرؤوس والأدمغة لا تحز الأعناق وتشيع ثقافة العنف والثأر والتقتيل، المطلوب ثقافة تسامح تعزز التعايش مع الآخر المختلف في الأسرة والمجتمع واحترام هذا الاختلاف، لا الدخول في صراع تناحري مع المختلف تحت عنوان الإستئصال والإقتلاع والشطب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير