مجدلاوي وجرار ...بين نارين

25.04.2015 10:29 AM

وطن: كتب جبريل محمد

حين قدمت خالدة جرار (عجل الله فرجها) مداخلتها أمام المجلس المركزي، وبينت موقفا صريحا من أوسلو وما جر اتفاقها المشؤوم من ويلات على الأرض والشعب الفلسطينيين، جاء الرد سريعا وقاسيا وعن قرب من رئيس السلطة الفلسطينية عليها، بقوله "إن أوسلو الخيانية التي تدعين هي من قدمت لك ما أنت فيه"، وحين ردد جميل مجلاوي "فك الله حصاره" صرخة الجوعى في غزة ووجعهم  من سياط الأتاوات والضرائب التي تفرض عليهم، انبرى أكثر من قائد في حماس ليهاجم المجدلاوي في جيبه وراتبه،، وكأن ما أطلقه كل من مجدلاوي وجرار مجرد مواقف شخصية، وتقديرات ذاتية، لا موقف قطاع اجتماعي سياسي، وقوة فلسطينية لها من تاريخ المقاومة والنضال الوطني مالها وعليها ما عليها، أسوة وربما أقل من فصائل أخرى فيما عليها، فهي لم تغرق في وحل السلطة، ولا اتفقت ونسقت أو تحاول أن تتفق أوتنسق مع الاحتلال، ولا دخلت دهاليز التفاوض المباشر أو غير المباشر الذي لم يحصد سوى ازجاء الوقت للمستوطنين في سلب الارض.
المفارقة أن جرار قدمت موقفا سياسيا ونقدت موقفا سياسيا آخر، فتم الرد عليها بهجوم شخصي، أما المجدلاوي، فقد قدم موقفا اجتماعيا اقتصاديا ديمقراطيا طالما تراخت الجبهة الشعبية في التصدي له بحزم، فردوا عليه بأنه أوسلوي، وكأن من شكل حكومة عام 2006 بريء من الانخراط في لعبة أوسلو القاتلة، والغرق فيها حد الافتتان بالسلطة والحكم فكان ما كان يوم الانقسام الأسود.
أن  يتم الهجوم الحاد على موقفي جرار والمجدلاوي، يعني أنهما في لحظة أمسكوا بأطراف الخيط السياسي الحقيقي الذي يجب أن تختطه دون وجل الجبهة الشعبية وأن تعمل بصبر وأناة وتحمل مشقة التركيم الصعب بين الجماهير لتنمية الخط الوطني المقاوم حقا دون استعراض إعلامي، أو افتعال لمعارك جانبية هنا وهناك.
ليست الجبهة الشعبية مسؤولة عن خطايا من يخطئون، ولا يجب أن يلام اليسار على تصديه لسياسات خاطئة، بل إن اللوم والنقد الشديد يقع عليها لعدم كفاية الفعل، فيما النقد الحقيقي لا بل والعمل السياسي يجب أن ينصب على من يرتكبون الفواحش السياسية والاقتصادية بحق شعب، لا زال متمسكا بموقف أن التناقض الرئيسي مع الاحتلال هو مؤشر البوصلة، وينحي جانبا وربما هنا يقع في خطأ مميت محاسبة المتسببين في الانقسام والمغذين له، والمتمسكين به كشماعة ومخرج لسياسات فئوية ضيقة لا تهمها سوى مصالح طبقة بيروقراطية اعتاشت على الريع، أو مجموعة من سماسرة البيع والشراء اختلط فيهم السياسي مع الاقتصادي، فبات الانقسام هو البيئة الحاضنة لأعشاش الغربان التي تغطي أفق الحلول الوطنية الحقيقية.
لقد سيطر أصحاب فرض أتاوة "التكافل الاجتماعي" على مساحات من الأرض كانت تشغل أيام كانت مستوطنات عشرة آلاف عامل غزي، فإذا بها تتحول إلى معسكرات تدريب أو إقطاعات تقتطع لأصحاب النفوذ فمنها ما اقتطع لبناء مدينة أعلامية لحماس ومنها ما تحول إلى مزارع خاصة تهدف للتصدر لا لإنتاج حاجات مجتمع محاصر، ولفترة سيدوا اقتصاد التهريب عبر الأنفاق لتخلق طبقة جديدة من المبتزين والمعتاشين على  أتاوالت من نوع آخر.
وفي الضفة، راحوا يطلقون العنان لآليات السوق الوحشية تعيث فساد في البنية الاقتصادية الملحقة والبائسة ليزيدها بؤسا على بؤس، ولا يغرنكم كل هذه الطوابق العالية من العقارات التي تنبت كالفطر في رام الله، فليس ذلك سوى سعي سريع لاقتناص ما يأتي من ريع ويصب اسمنتا يصب مالا في ارصدة تحالف العقاريين والبيروقراطيين.. والثمن والمحصلة في النهاية هو تشويه الوعي الشعبي، وتمزيق الارادة الوطنية وزرع الوهن فيها، وتحويل الشعب إلى كائن لا حول له ولا قوة الا في  الركض لانتزاع اللقمة من بين انياب الطبقة الطفيلية الجديدة.
هل كانت ردات الفعل السريعة والقاسية والشخصية جدا على جرار والمجدلاوي من طرفي الانقسام، تعبيرا آخر غير التعبير عن الأزمة التي يعانيها الطرفان في السياسة والاقتصاد والثقافة، هل كانت حتى  محاولة راشدة وعقلانية لتبرير السياسة التي ينتهجونها، أم كانت ردودا انفعالية فجة، تعبر عن عمق الأزمة التي لا يريدون الخروج  منها، لا بل يستأنسون بها، لأنها الضرع الذي يدر لهم كل ما يبنونه من مصالح ومكانات صارت أهم من الوطن والشعب والقضية.
أما من أطلق الصرخة السياسية والاجتماعية، فعليه مسؤولية أن يستمر، عليه مسؤولية أن يجيد الجمع بين الوطني والاجتماعي في النضال باعتبار ذلك مسؤولية تاريخية تقع على عاتقهم، وتاريخهم على الأقل يؤهلهم لانطلاقة جديدة، هذا إذا صح العزم، لأنه كما قيل "إذا صح العزم وضح السبيل".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير