هذا الفجر.. يولد بين عدنان ومروان!

22.05.2015 07:18 AM

كتب: طارق عسراوي

ومن عاداتي أنّي نؤوم الغسق، متأخر اليَقظة، وقد قلتُ ذات أمنية ماذا لو أنامُ كالبدءِ تسعة أشهر كامله، فهل أستعيدُ البداية من أولها! وربما كان ذلِك واحد من أسباب تعلقي بذاكرة الولادة والبدايات بما لها وما عليها.

أصغي لتراتيل الحمام المبكّرةِ وجوقة الدُوريّ، تخطر في بالي كلمات محمود درويش "ليس من حق العصافير الغناء على سرير النائمين" أكررُ مبتهجا بصلاتها: أمنحُكِ كلّ الحق، أقلّب عناوين الأخبار سريعا، أقرأ مقالا عن خضر عدنان ورفاقه أبطال أسطورة الأمعاء الخاوية، لقد تأثرتُ منذ البداية بصلابة إرادة خضر، فليس عاديا من يجتَرحُ حريّته في نِزال الإرادات، ليكون الآن في مخبزه يَرِقُّ الدقيق و ينفث فيه من نار شوقه عيشاً كريما، وأيّ صمتٍ هذا الذي أطبَقَ على شفاهنا فانحدرنا أمام عُلُو قامته وإرادته!

قرب رأسي أرى كتاب "ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي" الذي بدأتُ في قراءته ليل أمس، وتوقفتُ فيه عند كيف بدأ مروان المعزول في زنزانة رقم ٥ في سجن "أوهلي كيدار" في بئر السبع، باستغلال ساعة الشمس "الفوره"  لتعليم زملاءه من أسرى العزل الأبطال من خلف نوافذ تلك القبور "كما يسميها" المفردات العبرية وكيف أنهم تعلّمو اللغة سماعيا، وكلمةً كلمه، وتخيلته كيف يمشي وحيدا في الساحة يلقّنهم الكلمة بصوت مرتفع، وهم من داخل الزنازين يلتقطوها منه قبل ان يعود ليلقنهم كلمة أخرى.

لا يهزمُ من يتسلّح بالإرادة ويَسنّها رمحا ليجترح فيها الإنتصار.

أأكمل قراءته الان؟ ماذا لو ألقت الكلمات طالعها في ساعة الفجر هذه على هذا النهار! ولكن
أيُّ عزلة أسوأ مما نحن فيه الآن!!

إنها الرابعة فجراً، لا أصحو بهذا الوقت ولكني إنبلجتُ من عتمتةٍ في مثل هذا الوقت ذات فجر، لأدق بوابات هذا الصبح، إنها ساعةٌ من ساعات البدايات المرتبكة، أوّثِق هذا الفجر بهذه الكلمات وأستسلم لنداءات القهوة.
- صباحُ الخير،
للجباه المُشرقة بشمس الأمل والوعد، الصابرة على الجوع والعزل وفراق الأهل.
لساعة الولادة المتفلّقةِ من رحم العتمة وتبشرنا بالغد الحر الجميل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير