الإساءَة للوفد الأردني في الأقصى ليست مصلحة فلسطينية

24.05.2015 01:20 PM

وطن - كتب:حسن عبد الله  : مصلحتنا العليا نحن الفلسطينيين تتمثل في إقامة افضل علاقات مع البعد العربي القومي لقضيتنا، وهذا يتطلب تكاملاً مع الدول العربية الشقيقة، لا سيما وان حكومات الإحتلال المتعاقبة استعملت كل الأساليب لسلخنا عن محيطنا العربي، حتى يتسنى لها الانفراد بنا جغرافياً وسياسياً وانسانياً. وفي هذا السياق جاء ممثلون عن دول عربية وإسلامية للمشاركة في مؤتمر بيت المقدس الدولي السادس الذي عقد في بيت لحم، ما يمثل تطوراً في توسيع دائرة المشاركة والفعل حتى يتحمل الجميع مسؤولياتهم تجاه القدس ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية. وما صدر عن المؤتمر من قرارات وتوصيات هو جيد، لكنه يحتاج إلى متابعة من أجل التطبيق والتنفيذ وصولاً إلى صياغة استراتيجية فلسطينية عربية إسلامية مترابطة الحلقات ومتكاملة الأبعاد بخصوص القدس، حتى لا يظل التضامن العربي الاسلامي مجرد صيحات واستنكارات عن بعد.

وان يزور وفد عربي المسجد الأقصى، فهذا يخضع لاجتهادات ومبادرات، حيث ان هناك فريقاً يرى في زيارة الاقصى كسراً للحصار على اعتبار انه حق للعرب والمسلمين، فيما يرى فريق آخر بانه تطبيع، ولكل فريق منطلقاته وتوجهاته. لكن ان يحاول فريق رافض لمثل هذه الزيارات التعبير عن رفضه بالاساءَة للآخرين وتخوينهم، فذلك يخرج من اطار النقاش والرأي، إلى تعريض العلاقات الفلسطينية مع الجوار العربي للتوتر والأزمات.
لقد كنا ومازلنا مع نسج أقوى علاقة رسمية  وشعبية مع مصرالدولة العربية الكبرى، ونحن ندعو باستمرار إلى توطيد علاقاتنا مع الأردن وما تبقى من دول قُطرية، بعد ان تم اضاعة العراق وسوريا وليبيا واليمن تحت مسميات ومبررات، هي في الأصل تهدف إلى تفكيك الدولة العربية القطرية وتحويلها إلى دويلات طائفية متقاتلة متنازعة.
الأردن له موقف واضح من الإعتداءات المتكررة على الاقصى ويقوم باعمال الترميم للبنايات  القديمة ويشرف على الأوقاف، ويمكَّن المقدسيين من الحصول على جواز السفر الاردني لكي يتسنى لهم التحرك والتواصل مع محيطهم العربي والعالم، وبالتالي فان تنسيقة على هذا الصعيد مع الجانب الفلسطيني مستمر ويومي، فيما قام في السنوات الأخيرة بتبني ورفع أكثر من مطلب فلسطيني الى مجلس الأمن والمؤسسات الدولية. وعليه فان تعريض العلاقة الفلسطينية- الاردنية لمواقف متشنجة من شأن ذلك أن يقود الى  انتكاسات سيكون لها انعكاسات سلبية على قضيتنا.
ومعلوم ان وفداً تركياً زار الأقصى ولم تتعرض  زيارته لاي تشويش، وهذا أمر جيد، وكان يجب ان ينسحب على الوفد الأردني، لا ان تكيل بعض الجهات بمكيالين، لاعتبارات تتعلق بحلم "خلافة" جديد تجاوزته الأحداث والتطورات وتوجهات ومعتقدات الشعوب الا في حدود من يعتقدون أن التاريخ توقف عند مرحلة معينة ولم يغادرها.!!
ماذا بقي لنا من دول عربية تعيش ظروفاً مستقرة؟ انها معدودة على أصابع اليد الواحدة، واستقرارها بعد ما شاهدناه من دمار وتفتيت لدول أخرى بات يشكل مطلباً لكل اولئك الذين لا يرغبون في تكرار سيناريوهات التجزئة والتقتيل وضرب وحدة الدولة القُطرية.
الأقصى ليس لفئة معينة وفلسطين هي للشعب الفلسطيني، ومستقبلها هو في العلاقات مع العرب، وان اية دعوات للانزواء والعيش في "كانتونات" تحت رحمة الاحتلال، لا تخدم في النتيجة تطلع الفلسطينيين للتحرر والاستقلال. والقدس التي نطمح لدعم عربي اكبر واوسع واشمل لها، ما انفكت تشكل قضية دينية وعروبية وتاريخية وانسانية جامعة للشعوب العربية من المحيط الى الخليج، وعلينا ان نغذي وندعم ونقوي ونعزز هذا التوجه لا ان نحرفه إلى دروب خلافية ومتاهات مضرة للقدس والقضية الفلسطينية. نحن نريد تضامن واسناد مصر والاردن والجزائر ودول الخليج والمغرب وتونس، وكل الدول الشقيقة التي تستمر في الوقوف على اقدامها أمام مؤامرة التقسيم والتشظي التي تستهدف دولنا ومجتمعنا.
ومطلوب من السياسيين والمفكرين الآن ان يعيدوا النظر في شعارات قديمة على ضوء المستجدات والمتغيرات في العالم العربي، بعد أن انحرفت الإنتفاضات الشعبية عن مساراتها وراحت تخدم اجندات خارجية معادية، فصارت شعارات اسقاط الأنظمة تساوي شعارات اسقاط الدول لتعود مجتمعاتنا الى مرحلة ما قبل الدولة. فالآراء والمواقف التي كنا نتبناها ونكتب عنها قبل ما يسمى ب " الربيع العربي" لا يمكن ان تكون هي ذاتها، بنفس الشكل والمضمون، ونحن نرى الدولة العربية القُطرية تذبح من الوريد الى الوريد.
والمطلوب ليس علاقة دينية فقط مع الأردن بل إلى جانب ذلك علاقات اقتصادية وسياسية وتعليمية ومؤسساتية، والمطلوب أيضاً سوق مفتوحة مع مصر ولبنان وعلاقات مماثلة مع كل دولة عربية، فنحن جزء من هذا الأمة، ومن يبحثون في دهاليز التاريخ عن أصنام من الماضي سيبحثون طويلاً، بيد أن من يسعون للتكامل من اناس يتحدثون كما نتحدث ويتشابهون معنا ثقافياً وسيكولوجياً ويتواصلون معنا جغرافياً فذلك متاح ومتوافر، فالعرب حولنا، ويتوجب علينا ان نحسن انتهاج الوسائل المناسبه والضرورية للتعامل معهم واستنهاض طاقاتهم، بخاصة وان حكومة نتنياهو بسياساتها وتوجهاتها تشكل مناخاً مناسباً للعرب لتوحيد امكاناتهم والاصطفاف خلف استراتيجية واحدة، لأنها ترفع شعاراً واحداً ووحيداً وتعكف على ترجمته بالممارسة العملية، الا وهو العداء للفلسطينيين والعرب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير