بريطانيا ومعضلة الخروج من الاتحاد الأوربي

26.05.2015 08:23 PM

وطن - وكالات: يواصل حزب المحافظين بزعامة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الضغط على السياسيين والمواطنين من أجل تحقيق هدف الخروج من الاتحاد الأوروبي، فبعدما أعلن كاميرون في خطاب موجه للأوروبيين منذ عامين رغبته في إعادة التفاوض على شروط ووضع بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وطرح نتائج هذا التفاوض في استفتاء عام للخروج من الاتحاد عام 2017، ها هو بعد نجاحه في الانتخابات الأخيرة يعمل جاهدًا بجانب حزبه للترويج لهذه الفكرة على نطاق واسع لنزع هذا القرار من البريطانيين.

وفي خطوة تعزز من فرصة نجاح الاستفتاء وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أعلنت الحكومة البريطانية أن غالبية مواطني الاتحاد الأوروبي المقيمين في بريطانيا لن يتمكنوا من المشاركة في الاستفتاء الذي تنوي لندن إجراءه حول عضوية البلاد في الاتحاد، وستقدم الخميس إلى البرلمان التدابير التي ستتخذ تمهيدا لإجراء الاستفتاء في وقت يطلق رئيس الوزراء ديفيد كاميرون حملة دبلوماسية بهدف الحصول على إصلاحات من الاتحاد.

كاميرون والاتحاد الاوروبي

وقال مكتب كاميرون في بيان له إن القوائم الانتخابية للاستفتاء ستستند "إلى قوائم الانتخابات التشريعية" التي جرت لتوها، ما يعني أن معظم مواطني الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي المقيمين في بريطانيا لن يتمكنوا من التصويت، وعلى غرار ما حدث في الانتخابات التشريعية، ستتم دعوة المقيمين من مواطني إيرلندا أو مجموعة كومنولث التي تضم 53 بلدا بينها اثنان فقط يشغلان عضوية الاتحاد هما مالطا وقبرص.

وفي مفاجأة جديدة أعلن "حزب العمال" البريطاني المعارض تأييده اقتراح كاميرون إجراء الاستفتاء، ونقلت صحيفة "صنداي تايمز" عن المسئول في الحزب هارييت هارمان، والمتحدث باسمه للشؤون الخارجية "هيلاري بين" أن "الشعب البريطاني يريد التعبير عن رأيه حول انضمام بريطانيا إلى الإتحاد الأوروبي …إن حزب العمال سيؤيد إذن تنظيم الاستفتاء".

تاريخيًا، بريطانيا لم تكن دوله راغبة وداعمة لقيام الاتحاد الأوروبي الذي بدأ باتفاقية روما التي تأسست بموجبها الجماعة الاقتصادية الأوروبية في عام ١٩٥٧، لكنها حاولت الانضمام في عامي ١٩٦٣ و١٩٦٧، لكن الفرنسيين بقيادة شارل ديجول هم هذه المرة الذين رفضوا انضمام بريطانيا، وتحقق لبريطانيا الانضمام في وقت متأخر في عام ١٩٧٣، لكن بعد عامين فقط من ذلك، تم طرح فكرة الانضمام على استفتاء عام انتهى باستمرار بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

على صعيد الأحزاب كان التساؤل المطروح والنقاش الدائر سياسيا بين المحافظين والعمال على مر التاريخ، وبين الجميع داخل بريطانيا هو ما إذا كان على بريطانيا العظمى أن تكون داخل الاتحاد الأوروبي أم خارجه، حتى أصبح المجتمع السياسي وداعموه منقسمين حول هذه القضية بالتحديد.

الأسباب التي يبرزها كاميرون في كثير من خطاباته على الرغم من أنه يرى أهمية للاتحاد الأوروبي بالنسبة للبريطانيين، فإنه يرى أيضا  أن هذه الأهمية ترتكز على ما يضيفه هذا الاتحاد للأوروبيين من قيمة تتمثل في رفع مستوى معيشتهم ورخائهم، فكاميرون يرى أن الاتحاد أصبح أكثر تدخلا وتقييدا لحياة الأوروبيين مما كان متوقعا، أو بمعنى آخر أصبح عبئا كبيرا عليهم، ما يستوجب إعادة التفاوض حول شروطه، كاميرون يريد استعادة بعض السلطات التي تخلت عنها بريطانيا للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تحديد ساعات العمل، والاتفاقيات المتعلقة بالجوانب الأمنية وتبادل المجرمين، وأخيرا وهو الأهم خوف بريطانيا من سيطرة دول منطقة اليورو الـ 17 على مجريات اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي.

سبب آخر مهم جدًا حسب رؤية الداعمين لهذا القرار أن الاتحاد النقدي الذي رفضت بريطانيا الدخول فيه، أصبح محور اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي، وأصبحت جميع القرارات تتطلب تفاوضا من قبل أعضائه في البداية، ثم يتم عرضها بعد اتفاق الأعضاء في منطقة اليورو على دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، وهذا أصبح يشكل حساسية كبيرة لدى الدول غير الأعضاء في منطقة اليورو، وعلى رأسهم بريطانيا.

رغم هذه الأسباب الذي وضعها كاميرون وحزبه، لكن هناك دراسات وأبحاث كثيرة أجريت لمعرفة نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد أوروبا أبرزها معهد أوبن يوروب البحثي الذي أكد أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى خسارة دائمة تبلغ 2.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد بحلول 2030 كما أن هذه التكاليف لا يمكن تعويضها فقط من خلال إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع شركائها السابقين.

وقال معهد أوبن يوروب إن إجمالي الناتج المحلي البريطاني سيعاني إذا لم تبرم لندن اتفاقية للتجارة الحرة مع أوروبا من خارج الاتحاد الأوروبي وإذا لم تسعى لأجندة للتجارة الحرة مع باقي العالم، وقد يسفر هذا عن تراجع حجمه 2.2 في المئة في إجمالي الناتج المحلي.

وترى دول أخرى في أوروبا، خاصة فرنسا وألمانيا أن الاتحاد الأوروبي ضرورة حتمية لما بعد الحرب العالمية الثانية التي كانت نتائجها مدمرة بالنسبة لأوروبا، بالإضافة أن الولايات المتحدة هي الأخرى ترى أهمية ومحورية الاتحاد الأوروبي، ولذلك وجهت رسالة قوية لحليفها الهام في أوروبا للبقاء في الاتحاد الأوروبي، لا سيما وواشنطن ترى دور بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي أهم بالنسبة لها من دورها خارجه، وهو بالتالي ما يعقّد الأمور بالنسبة للبريطانيين أنفسهم.

لذا المعارضون البريطانيون والأوربيون لهذا الاستفتاء يرون أن الثمن السياسي والاقتصادي كبير في حال مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، معولين على أن الشريك الأهم الآن في أوروبا هو الاتحاد الأوروبي وليس بريطانيا، وأن واشنطن الحليف المهم  ستحرص على استمرار الشراكة مع الاتحاد في مواجهة قضايا سياسية كبيرة كقضية الشرق الأوسط، بينما سينعدم تقريبا دور البريطانيين فيها في حال خروجهم من الاتحاد.

تصميم وتطوير