ثلاثة انتصارات حققها خضر عدنان - د. احمد جميل عزم

30.06.2015 11:41 AM

  رغم أنّ دروس الماضي تعلّم عدم استعجال إعلان النصر الفلسطيني في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وتعلّم أنّ الإسرائيليين يجدون طريقة للنكوص عن تعهداتهم، إلا أنّ كل الدلائل تشير إلى أنّ خضر عدنان، ابن تنظيم "الجهاد الإسلامي"، استطاع فرض أجندته على الإسرائيليين، ودفعهم إلى تقديم نص اتفاق يرضى عنه، ينهي بموجبه إضرابه عن الطعام، والممتد منذ 54 يوما، ضمن ضمانات قبل بها، أو كما كتب القائمون على صفحته على "فيسبوك" إنّه "حصل على كافة الضمانات التي أرادها.

هو من قرر متى يبدأ الإضراب ومتى ينهيه وكيف ينهيه"، بل حتى حصل على قضايا شكلية يريدها، مثل تناوله أول ملعقة لبن من يد والدته. وهذا النصر له دلالاته على مجمل العمل الفلسطيني الراهن.

لقد حقق خضر عدنان انتصارين، وكاد يحقق الثالث قبل انسحاب الإسرائيليين.

الانتصار الأول، أنّه بعد إضرابه الأسطوري عن الطعام في العام 2012، دخل أسرى عديدون تجربة الإضراب الفردي، وهو ما أثار جدلاً حتى بين أشد الناس اهتماماً وانشغالاً بشؤون الأسرى. إذ تولدت وجهة نظر أن الإضراب الفردي عن الطعام أمر معقد، وأنّ الأجدى تنظيم حراكات جماعية.

ومع تتالي الإضرابات، صار هناك تخوف من عدم القدرة على حشد التأييد اللازم، وهو أمر أساسي لنجاح الإضراب. لكن خضر عدنان استطاع أن يكرر الأمر، ويثبت جدارة الإضراب الفردي، وكذلك أن يحرك تدريجياً كرة ثلج تضامن محلي ودولي غير مسبوقين. وإذا كان لجوؤه للإضراب الأقسى، الذي يتضمن الماء فقط، حتى من دون ملح (والملح مهم لعدم تعفن الأمعاء)، ومن دون مدعمات غذائية وهو الأمر المسموح به في أعراف الإضراب عن الطعام، فإنّ خطابه والكاريزما الخاصة به لهما أيضاً دورهما. فهو صاحب خطاب إنساني عام، يركز على مفهوم المحبة.

وكما في كل مرة، تجد أنّه بعد إعلان الاتفاق هذه المرة، أرسل رسالة مع القيادي العربي داخل الأراضي المحتلة العام 1948، عضو الكنيست أحمد الطيبي، كانت أولى جملها "الحمد لله أن منّ عليّ بمحبة شعبي وأحرار العالم". وقد وجه الناشطون في التضامن معه تحية خاصة للناشطين في "اسكتلندا وإيرلندا وفلوريدا ودبلن، وفي كل مكان"، في إشارة لبدء حركة عالمية كانت تتسع.

الانتصار الثاني، هو قدرة خضر على فرض الحصول على اتفاق مكتوب محدد المعالم والتواريخ، بضمانات من جهات يقبلها، مع صعوبة الالتزام الإسرائيلي. ولكن نادراً ما يوافق الإسرائيليون على التزامات محددة. وقد استطاع خضر بشخصه ومن معه، أن يضغط ويجعل أعلى مستويات القرار الأمني والسياسي الإسرائيلي تنشغل بقضيته، وتسلّم حتى بالشكليات التي أرادها، مثل وجود عائلته عند فك الإضراب.
الانتصار الثالث، الذي كان على وشك الحدوث في الساعات الأخيرة، والذي ربما أسهم في الانسحاب في الموقف الإسرائيلي، هو بدء التحرك الشعبي.

فمع وصول أسرة خضر لمحيط المستشفى في صرفند، بدأ حراكٌ من سياسيين وناشطين بالوصول إليه، وبدأت عملية حشد. وكان القائد الأسير المقيد لسريره خضر عدنان يسمع هتافات المحتشدين في الخارج. وبدأت عملية حشد بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات الهاتفية مع أعضاء الكنيست العرب وغيرهم، ومع الإعلام، ما كان يهدد ببدء تحرك جماهيري حول المستشفى، وحول غرفته، فضلا عن تحرك في الشارع الفلسطيني. ولعل المسيرات في شوارع القدس القديمة بشكل خاص، والتي تحركت بأعداد كبيرة نسبية احتفالا بانتصار خضر، مؤشر إلى أين كانت تتجه الأحداث.

بعد هذه الانتصارات الثلاث، فإنّ هتافات مسيرة القدس الاحتفالية، كانت لافتة بالنداء للفصائل "فتح" و"حماس" والجهاد" وغيرها، هذا رغم أنّ خضر قدم قصة صمود وبطولة وتحد بالاستناد إلى نفسه وجماهير الناس العادية، مع القليل من الجهد الفصائلي المنظم في التضامن والتعاون معه.

لكن خضر نفسه ليس بعيدا عن الفصائل، وهتافات الناس لعلها رسالة بأنّ الطاقات الشعبية موجودة، وأنّ حيوية الشارع موجودة، وتتجلى كل يوم بشكل جديد في مواجهة المشروع الاستيطاني والاحتلالي، لكن ما ينقص هو تفعيل أطر العمل المنظم، وعودة الفصائل القديمة أو غيرها للقيام بواجباتها المفترضة، وأنّ الناس تنتظرها.

مرة أخرى، يثبت خضر عدنان دور الإنسان الفلسطيني، وحيوية الشعب الفلسطيني، ويظهر فوضى ومحدودية دور الحركة السياسية المنظمة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير