في الإقصاء و جدارية جرار الجميلة

03.07.2015 03:40 PM

وطن - كتب باسل فراج:  قبل ما يقارب الشهر قرأت مقال بعنوان "قرف يقرفكوا" كتبه كمال الخطيب، نائب رئيس الشق الشمالي للحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 48. في ذلك المقال عبر الخطيب عن قرفه من زواج المثليين، من زواج رئيس وزراء لوكسيمبورج بصديقه، و من الاستفتاء الشعبي في ايرلندا حول حقوق المثليين في الزواج. كما و اتهم في مقاله "جمعيات مشبوهة من بلادنا و صحف صفراء و كتاب مأجورين" بالترويج "للشذوذ،" و تمنى الشقاء، الأوباء و مرض "الإيدز" لجميع المثليين.

تضايقت بعد قراءتي للمقال، و تساءلت: لماذا يكتب نائب رئيس حزب سياسي مهم مقال كهذا و بهذه اللغة؟ و الأهم، ما مدى تأثير هذا النهج الإقصائي على المجتمع الفلسطيني و رؤيته السياسية؟ كيف و لماذا يستطيع هذا الكاتب تصنيف و إلغاء الأخر؟ فبالنهاية، نحن المغايرون (اقرأ: أصحاب الأخلاق، الصالحون، السائرون على السراط المستقيم، و المستحقون لبركة الشيخ)، و هم المثليون (إقرأ: المتأثرون بالغرب، المقرفون، الشاذون و المستحقون لغضب الشيخ و زوال بركاته). جميل، قلت لنفسي، في كلمات قليلة استطاع الخطيب أن يفصل ما بين الخير و الشر، الإيمان و الكفر، الشرق و الغرب، و أن يلغي كل من يختلف معه. فبالطبع كل من يختلف معه يكون، و بدون شك، عضو في جمعيات مشبوهة، أو تكون، مثلا، كاتبة مأجورة.

فكرت في كتابة مقال أعبر فيه عن غضبي من ذلك النهج الإقصائي، و تلك النظرة الشائبة للعدالة التي تتمنى أقصى الأمراض لكل من لا يتفق البعض معه عقائديا أو فكريا (أو حتى جنسيا في هذه الحالة!). خفت. اكتفيت بالتعبير عن غضبي و قهري لعدد من الأصدقاء، و شعرت بعد ذلك بتلك الراحة الزائفة ـ راحة التضامن عن بعد  في مساحات العالم الافتراضي التي نخلقها و تخلق لنا. خفت، لأن الأفكار، في محاولة ترجمتها إلى كلمات، تكتسب شكلا أخرا و تصبح أكثر عرضة للنقد.

قبل عدة أيام أقرت المحكمة العليا بالولايات المتحدة حق المثليين بالزواج، و في غضون دقائق امتلأت صفحات الإعلام و التواصل الإجتماعي بالآراء المتعلقة بالقرار. قام ما يقارب الستة و عشرون مليون شخص بوضع علم قوس قزح على صورتهم الشخصية على "الفيسبوك." لفترة قصيرة تواجدت ألوان قوس قزح ذاتها على جدار الفصل العنصري قبل أن يزيلها بعض الشبان لأنها، كما قالوا، "قذارة" و ملهاة عن نضالنا الأساسي ضد الاحتلال الإسرائيلي.

تارة أخرى، وجدت نفسي أتساءل عن ذلك النهج المتبع لإقصاء و إلغاء الآخر.  فكما استطاع الخطيب أن يرسم حدود المقبول بكلمات مقاله القليلة، استطاع أولئك الشبان أن يحددوا مساحة الحرية في محيط انعدامها (أي الجدار ومحيطه). بسهولة يستطيع هذا النهج أن يلغي الآخر. يتهمه بانعدام الوطنية تارة، و بالكفر تارة أخرى. أو مثلا، كما كتب الخطيب في مقاله، يكون الآخر، و بدون شك، مأجور لصالح جمعيات غربية مشبوهة. بمعنى أخر، يحدد المحرمات و يمنع تخطيها، ولو اضطره ذلك إلى إيذاء الآخر. و يعتبر أي خروج عنها عملا أو فكرا مشبوها، عرضة للتشهير و الإقصاء.

لكن خالد جرار لم يخف. استطاع أن يكسر المحرمات، و أن يوصل رسالة فلسطين بصورة جميلة تصارع الاحتلال و جداره العنصري. إستطاع أيضا أن يعري قبح إقصاء الآخر و أفكاره، و أن يدعونا لحوار صريح مع الذات حول المسلمات و المحرمات التي نقدسها في زمن المحرمات . فجداريته دعوة لطرح المزيد من الأسئلة عن هويتنا الفلسطينية الجماعية: من نقبل له أن يكون جزءا منها و من نرفض. من يحدد ذلك، ولماذا؟

جدارية جرار دعوة لطرح أسئلة كثيرة من ضمنها، نعم، دور "الغرب" في تصنيف الحقوق، و الآلام، التي يراها أهم و أكثر قدسية من غيرها. فأن يغير الملايين صورتهم على "الفيسبوك،" و أن يحظى الخبر بهكذا تغطية دلالة على أولية أعطت لقرار المحكمة العليا الأمريكية. هذه أولية لم (و لن) تعطى، وبكل تأكيد، للمدافعين عن حقوق أخرى، و حتى للمثليين المهمشين في مجتمعاتهم و دولهم. هذا بالطبع لا يلغي، و لا يجب أن يلغي، أهمية القرار للمطالبين بحقوقهم بالزواج المثلي، لكنه تساءل عن دور وسائل التواصل الاجتماعي في تحديد أوجه التضامن و مساحتها. و ربما هنا تكمن أهمية جدارية جرار لأنها قالت بأن التضامن ليس بالشيء السهل، كتغيير صورة على "الفيسبوك" مثلا، بل هو نضال مستمر ضد أوجه الاضطهاد و الاستعمار كافة، و التي من ضمنها الاحتلال الاسرائيلي بكل أشكاله، الإقصاء، اضطهاد الأقليات و المرأة.

جدارية جرار الغائبة حاليا دعوة لمراجعة  الذات و علاقتنا بمن حولنا. جنوب افريقيا التي تقود إحدى أقوى حركات التضامن مع قضيتنا، و التي تتذكر تاريخها بالنظر إلى حاضرنا، حاربت (و ما زالت تحارب) من أجل مجتمع ديموقراطي، موحد، غير عنصري و لا يميز بين الجنسين. قضيتنا أيضا، هي قضية شعب يحارب لانتزاع واقع عادل و غير عنصري، و جدارية جرار ما هي إلا إحدى صور ذلك.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير