نتائج "التوجيهي" والحاجة الى بدائل للتعليم الحالي في بلادنا- كتب: عقل أبو قرع

04.07.2015 07:57 AM

قبل ايام اعلنت وزارة التربية والتعليم، عن نتائج امتحان الثانوية العامة" التوجيهي"، وفي هذا العام، وكما كان في الاعوام السابقة، هناك عشرات الالاف من الطلبة او من الشباب، الذين اجتازوا او نجحوا في الامتحان، وبمعدلات مختلفة، وبالتالي فأنهم من الممكن ان يلتحقوا او لا يلتحقوا بالجامعات والكليات والمعاهد الكثيرة، المنتشرة في بلادنا، وبالطبع هناك عشرات الالاف من الطلبة، اي من الشباب الذين هم في مقتبل العمر، والذين لم يحالفهم الحظ في النجاح، او في اجتياز الامتحان، وكل لاسبابة المختلفة، التي قد لا تعكس قدراتهم العقلية او الثقافية او الابداعية او التعليمية او غير ذلك؟

وبالتالي فأنهم لا يستيطعون الالتحاق بالتعليم العالي الاكاديمي بأنواعة، ومن ثم، فأنهم اما ان ينضموا الى قوافل البطالة المنتشرة في بلادنا، اوان يصبحوا عمالا هنا او هناك او في داخل الخط الاخضر، وبعضهم من الممكن ان يترك البلاد اذا استطاع ذلك، وبعضهم من الممكن ان يتجة الى مجال التعليم المهني او التقني او التكنولوجي، المشتت والمحدود وغير المدعوم والذي لا توجد لة ميزانيات او خطط استراتيجية بعيدة المدى عندنا، اسوة بما تقوم بة دول متقدمة ومتحضرة، والتي تعتمد في الاساس على تقدمها، على الاستثمار في هذا النوع من التعليم، وبالتالي الاستثمار في الاشخاص الذين يتجهون الى هذا التعليم، وبالتالي في تلبية اجتياجات البلد والمجتمع وسوق العمل، وفي توفير حياة كريمة للناس، بعيدا عن تراكم البطالة وعن التخبط هنا او هناك، وبعيدا عن تعليم اكاديمي عالي، اصبح في جزء منة عالة على المجتمع وعلى الخريج نفسة؟   

حيث تبلغ نسبة البطالة في بلادنا وحسب الاحصاءات الحديثة حوالي 26% من القوى العاملة، وتصل هذه النسبة معدلات اعلى بكثير عند الخريجيين الجامعيين، قد تتعدى ال 40%، وقد تصل الى حوالي 80% عند الخريجين الجدد وفي بعض التخصصات، وهذا الوضع هو وضع مأساوي بكل معنى الكلمة، مأساوي للخريجين ولعائلاتهم اللاتي استثمرت فيهم، وللوزارات المعنية بالتعليم العالي والتخطيط والعمل والاقتصاد وما الى ذلك، وكذلك وضع مأساوي للمجتمع الذي في فلسفتة، يعتمد من اجل النمو والتقدم والتنمية على هذه الاجيال التمعلمة والمتدربة.

وحسب الخبراء والمختصين،  وللحفاظ على هذه النسبة الحالية من البطالة، اي نسبة حوالي ال 26%، فأننا نحتاج الى ايجاد  حوالي 600 الف وظيفة خلال العشر سنوات القادمة، اي بمعدل حوالي 60 الف فرصة عمل سنويا، وأننا نحتاج الى نمو اقتصادي سنوي يقدر بحوالي 7% من الناتج المحلي الاجمالي، وهذه نسبة مرتفعة بكل المقاييس والمعطيات، وبمعنى اخر، فأن عدم تحقيق نسبة النمو السنوية غير الواقعية هذه، يعني ان نسبة العاطلين عن العمل، في ظل نوعية التعليم والتخصصات الحالية او نسبة البطالة سوف تزداد، وبشكل مضطرد، وما لذلك من تبعات مختلفة، وبالاخص ان هناك عشرات الالاف من الخريجين، او من الشباب، الذين يطمحون ببناء مستقبل ومجتمع، ولا يجدون الموقع او الفرصة للقيام بذلك؟

وبعد ايام او اسابيع من الان، سوف يلتحق عشرات الالاف من الطلبة الجدد، اي الطلبة الذين اجتازوا امتحان التوجيهي بنجاح، سوف يلتحقون بالجامعات الفلسطينية وبتخصصات مختلفة، وان جزءا كبيرا من هؤلاء الطلبة سوف يلتحقون في تخصصات مكررة في الجامعات الفلسطينية، وهم يعرفون ان فرص ايجاد عمل في هذه التخصصات هي فرص ضئيلة او معدومة، وتعرف كذلك الجامعات والوزارة ان المجتمع الفلسطيني قد اصبح مشبع او وصل درجة فوق الاشباع في هذه التخصصات وبالتالي لا حاجة اليها، او على الاقل لا حاجة اليها في كل الجامعات، وان بقاؤها قد اصبح عالة على المجتمع ويعكس سؤ التخطيط او الادارة من قبل الجامعات والجهات المسؤولة وكذلك يظهر عدم الاهتمام بمستقبل الخريجين وبحاجات المجتمع، حيث اضحى الاهتمام فقط  ب أعداد الطلبة وبالتالي ما يحضرونة من اقساط، من اجل حل ازمة الجامعات المالية، والتي بالاساس هي المسؤولة عنها، وبالادق مجالس امانئها.

وفي ظل هذا الوضع القاتم والجامد والغائم، يتحدث الكثير عن التعليم المهني او التعليم التقني، او التعليم غير الجامعي، والذي هو ربما اهم من التعليم الاكاديمي الجامعي في بلادنا وفي غيرها من البلدان، ورغم الحديث الكثير عن هذا النوع من التعليم،  الا ان القليل قد تم من اجل تشجيع الاقبال على هذا التعليم او خلق الفرص والامكانيات من اجل توجة الطلبة نحوة، ومن ثم ربطة وبشكل استراتيجي، سواء من حيث الكم اوالنوع  مع احتياجات المجتمع، ومع سوق العمل ومع الابتعاد عن شبح البطالة، وتوفير حياة كريمة، للطلبة الذين اجتازوا او لم يجتازوا امتحان التوجيهي؟ 

والتعليم المهني او التكنولوجي في بلادنا، يتطلب وجود استراتيجيات بعيدة المدى، وسياسات وقوانين وانظمة من اجل زيادة الاقبال علية، وهذة القوانين من المفترض ان تحدد الاسس ومن ثم الحوافز من اجل التوجة الى هذا التعليم، وهذا يتطلب ايجاد تخصصات متقدمة ومحترمة وتساهم في تقدم المجتمع كما ساهمت في تقدم مجتمعات اخرى وليس فقط تخصصات اعتاد الناس عليها مثل الحرف التقليدية البسيطة، وهذا يتطلب كذلك توفير الامكانيات من مختبرات ومشاغل واجهزة وكوادر بشرية، وهذا يتطلب زيادة الوعي عند الناس لتغيير نظرتهم الى التعليم المهني والتفني وكأنة درجة ثانية بعد التعليم الجامعي، وهذا يتطلب الشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص الذي لا يتقدم كما يتم التقدم، في المجتمعات الاخرى بدون الاعتماد على مخرجات هذا التعليم، وبدون الاستفادة من نتائجة في تطويرة منتجاتة وخدماتة

والتعليم المهني يحتل مستوى متقدم، في دولة مثل المانيا مثلا، التي تملك اقوى اقتصاد في اوروبا، وتعتبر من من اقوى الاقتصاديات في العالم، والذي تحتل الصناعة الالمانية فية اعلى المراتب من حيث الجودة والمنافسة والامان، والذي يقبل غالبية الطلبة، الذين انهوا الدراسة في المدارس علية، وبدون حساسية او الشعور بأنة تعليم من الدرجة الثانية، وتستثمر الدولة والقطاع الخاص فية، وتتسابق الصناعة والشركات على خريجية، ويجد الخريجين فرص عمل، ولا تبلغ نسب البطالة عند الخريجين،  تلك النسب التي تنطبق على خريجي الجامعات او الذين لم يجتازوا امتحان التوجيهي في بلادنا.

وحسب الاحصائيات الاخيرة اصبحت بلادنا وجامعاتنا مشبعة ليس بتخصصات العلوم الانسانية او التربوية او الطبيعية، ولكن اصبح يوجد طبيب تقريبا لكل 500 مواطن، وصيدلي تقريبا لكل 800 مواطن وهذه النسب لم تبلغها اكثر الدول تقدما في العالم، ويمكن قياس ذلك على تخصصات الهندسة والتربية والاداب وغيرهما، وسوف يستمر هذا الوضع المأساوي حتى ايجاد استراتيجية وطنية، يمكن تطبيقها عمليا، للاقبال اكثر وللاستثمار اكثر ومن تم لاستغلال التعليم التقني والمهني والتكنولوجي في بناء الفرد والمجتمع الفلسطيني.

ومع الاعلان عن نتائج التوجيهي، والبدء في التسجيل في مؤسسات التعليم العالي، فأن علينا ان نتعلم من دول اخرى، تقدمت بسبب الاستثمار في مؤسسات التعليم العالي في البحث العلمي، وبسبب هذا الاستثمار تقدمت اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، وبالتالي اصبح البند الاول في ميزانيتها من حيث كمية الاموال او من حيث الاولوية، هو التعليم، ومن الامثلة الحديثة على ذلك تركيا، حيث وفي ظل هذا الاستثمار، تعمل مظلة التعليم العالي على تحقيق اولويات البلد والمجتمع، وتقوم باستغلال المصادر والامكانيات والكفاءات من طلبة ومن استذة، ليس فقط للتعليم وتخريج الطلبة، ولكن وبالتوازي ومن حيث الاهمية، تقوم بأجراء الابحاث التي يحتاجها المجتمع، اي الابحاث التي تهدف لسد حاجة او نقص في البلد، او نوعية الابحاث التي يتم تفصيلها عل مقياس المجتمع وليست الابحاث التي يتم استيرادها مع اموالها من الخارج. 

وفي ظل هذا الوضع القاتم، وبالتالي، الحاجة الى العمل من اجل  ايجاد بدائل جذرية، وحلول بعيدة المدى، للتعليم العالي الحالي في بلادنا، يبرز التعليم المهني او التقني او التكنولوجي، او التعليم غير الجامعي او غير الاكاديمي، كـأحد البدائل المستدامة، ذلك التعليم،  الذي تستثمر فية الدول المتقدمة الجزء الاكبر من الميزانية والوقت والاعداد، والذي يقبل علية الكثير في هذه الدول.
وفي ظل تدفق عشرات الالاف ممن لم يجتازوا او حتى ممن اجتازوا التوجيهي،  على سوق عمل، والذين لا يجدون فية فرص للعمل، اليس من الاجدى بمؤسسات التعليم العالي، وبالجهات الرسمية، وبالمجتمع الفلسطيني ككل، بالعمل من اجل البدء بالتغيير الجذري، في النظرة وفي الممارسة، وفي الهدف من التعليم العالي، وبالتخطيط المشترك، بعيد المدى، وعلى المستوى الوطني، للحد من او للتخلص من تخصصات او مجالات اصبحت عالة، على البلد وعلى المجتمع وعل الطالب وعلى الخريج وعلى اهلة، وبان يتم ملائمة ما تقدمة الجامعات وبشكل علمي موضوعي ومهني مع احتياجات مجتمعنا الحالية والمستقبلية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير