المقاطعة والتطقيع

20.07.2015 04:59 PM

وطن - كتبت ناديا حرحش:تهافتات المقاطعة والتطقيع قبل عام، وفي مثل هذه الأيام، وبينما كانت الدماء في غزة سيول والجثث قنوات على قوارع الطرقات. قبل عام وفي مثل هذه الاأيام وبينما سوت البنايات بالأرض واختفت معالم الحارات والمساكن والبلدات، قبل عام وفي مثل هذه الأيام، وبينما عشنا نكبة جديدة. شهدنا فيها خيانة الأخ وتآمر الجار وبطش العدو ودعم الغريب …هبت بنا النخوة كشعب في حراك سقيم نحو ما لا يمكن ان يسمى الا "بأضعف الايمان" نحو مقاطعة الاحتلال.

راهن المحللون من جانب الاحتلال حينها بأن ما جرى ليس الا زوبعة في فنجان وستذهب في ادراج الهواء بلا حتى رياح. وراهن المحللون من جانبنا على صحوة حقيقية ستكون دائمة. فالدمار الذي لحق بغزة والاجتياحات في الضفة والظلم على اهل القدس واولئك الابرياء الذي سقطوا او صعدوا بأرواحهم ظلما وبطشا وبغتانا لن نفرط في دمائهم ونزهق بآرواحهم كما ازهق الاحتلال حياتهم.

بدأت حملة مقاطعة ولوهلة كانت صارمة. واولئك الذين لم يلتزموا على الاقل لم يتفاخروا وصارت مشترياتهم سرا او لنقل بلا تطبيل. ففي حياتنا الجديدة التي نعلن عن كل لحظة فيها على الفيس بوك، فإن النزهات في التبضع من المولات والسوبرماركتات الاسرائيليه صارت رقي وتعبير عن حالة اجتماعية افضل. وكعادتنا فإننا نتطرف في كل شيء. فتطرفنا في مفهوم المقاطعة بدون دراسة للممكن وللمستحيل منها. وهاجمنا او ايدنا الفكرة بلا تعقل او يقين.

فبدءا كان من الضروري الاعتراف المبدئي بأن المقاطعة الكاملة من قبل الفلسطينيين هي مستحيلة الحدوث، حتى في جزئيتها. فحياتنا تعتمد اعتمادا كليا على اسرائيل. فنحن كشعب تحولنا ومنذ اوسلو ومن ضمن بنود التفاهم الى مستهلكين للمنتج الاسرائيلي. وفي كل الاحوال لهم اليد العليا على حراكنا الاقتصادي والاستهلاكي. فالمقاطعة بكل احوالها كانت وتظل جزئية. وهنا اقصد بـ"أضعف الإيمان". ولكن هذا الضعف هو كل ما لدينا وبضعفه هو مهم في اضعاف الجانب الاسرائيلي. فإسرائيل بعكسنا، تفكر في مصالحها اولا، ولا تمشي على حسب مبدأ "علي وعلى اعدائي". مبدأها هو دائما "على اعدائي فقط". ولأننا سوق استهلاكي من الدرجة الثالثة لاسرائيل، فلنا اهمية لا بأس فيها. ومع هذا هناك اهمية سياسية كنا سنكسبها امامهم وهي"تقرير مصير ما". فاسرائيل في حينها نهجت الى سياسة إغراء غير مسبوقة في اعطاء التصاريح وتخفيض الاسعار والاكثار من العروضات. في حين علت اسعار المنتج الفلسطيني الى السماء مع شحه وقلة الجودة فيه.

اليوم، وبعد عام.. ولقد انتصر الاحتلال علينا مرة اخرى، قضية وقيادة وشعبا.

اليوم، وبعد عام، ولقد ازداد الاحتلال بطشا. فصار القتل عاديا. والسجن والضرب والسحل من يوميات الحياة. والاضطهاد زاد، والقهر صار حجرا على نفوسنا. يتسابق الكل منا اما بنقد وانتقاد فيه انتقاص لاولئك البؤساء الحقيقيون من المجتمع الذين نطالبهم بالالتزام بمقاطعة لا يلتزم بها احد. الكل يدعي ولا يطبق ويتسابق في فرصة للتطبيع بأي شكل من اشكاله. نلوم ذاك الجيل الكامل من الفلسطينيين الذين ينتهزون فرصة ملامسة اجسادهم ببحر.

المتأسرلون من اهل القدس المتفاخرون بالتبضع من المولات الاسرائيلية والجلوس بالمقاهي والتقاط الصور بالمطاعم، وكأنهم في جولات باوروبا. نلوم من في الضفة على هجنتهم في البلوغ الى اسرائيل، ونحن اهل البلد من القدس نتفاخر في تطبيعنا الارعن وكأن اسرائيل صارت استحقاقا وحكرا لحملة الهوية الزرقاء. واولئك الاغنياء المقتدرون من الضفة، الذين لا يحتاجوا لرؤية بحر او التبضع بأسعار ارخص لانهم يقضون الكثير من ايامهم خارج ما لا نزال نسميه وطن.

موضوع المقاطعة …ليس بكلمة قاطع. ماذا نقاطع وكيف نقاطع ولما نقاطع؟ المقاطعة ثقافة ترتبط بالانتماء نفتقد اليه شعبا وقيادة. قد استمر اللوم على قيادة كتلك التي تسوق بنا، ولكن.. القيادة في النهاية هي نتاج الشعب. فهي تعكس حقيقتنا ونراها في تصرفاتهم المخزية امامنا. فنخجل ولكن… نتصرف فيما بيننا مثلهم .. لانهم بالاصل منا ونحن منهم ..فالحال واحد.

فهنيئا لكل اولئك المقهورين الحقيقيين من الشعب الذي هرولوا للوصول الى البحر. لكل اولئك الذين ارادوا شراء ملابس افضل لاولادهم بالعيد لان احوالهم بائسة. المشكلة ليست فيهم. المشكله في اولئك منا المقتدرون. المشكلة الاساسية في هذه المعضلة في حملة الهوية الاسرائيلية الذين يتسابقون في المفاخرة بتواجدهم في الاماكن الاسرائيلية. في التبضع وفي الاستجمام. تناقضات منفصمة لا تبشر بخير وتستمر لتكون نذر شؤم لما هو قادم. تستفزني صورا بمقهى واكياس تبضع والجلوس امام طاولات بها عصائر اسرائيلية، لأناس يدعون للمقاومة وينبذون الاحتلال. قبل ايام استوقفني بوست لشخص وطني يتسوق في مول هرتسيليا على حسب وصفه بعد القدوم من شاطيء تل الربيع. ونسوة تتفاخر في الشراء بأكياس من المولات. اهي سخافة ام غباوة ام جهل لا يمكن استئصاله؟

لهؤلاء من المنكوبين من الشعب بفقدان عزيز او هدم بيت او تشريد عائلة، ألا يوجد ذرة حياء منا. اولئك القادرون على حياة في حين تنعدم الحياة من الاخرين.

خضر عدنان، لا يزال يمثل عبر جسده النحيل الضعيف مقاومة يستمر بالانتصار فيها على الاحتلال. وما ذا نفعل نحن.

غزة وبعد عام، لا تزال تلملم اشلاء ضحاياها وتعيد بناء نفسها من ركام تركها وكأنها دخلت الآخرة بها بما وراء حرب ذرية.

نحن شعب لا يزال يقتات على المعونات لنترزق، فلما التفاخر بما يزيد من تقليلنا لذاتنا؟ لما الهجوم على المساكين منا حتى ولو قلت مقاومتهم ؟ فنحن المتواجدون هنا في "عز" الاحتلال من يقع عليهم واجب الحياء اولا.

حولنا وجودنا الى سلع استهلاكية تبيعها القيادة بالجملة ونبيعها نحن بالمفرق … ولا نستحي من انفسنا عندما نقوم بالتطبيع الغبي الذي نستطيع الاستغتاء او حتى التستر منه. على الاقل "اذا بليتم فاستتروا". ولا نستحي من التذمر وسب الاحتلال الذي نتذلل له ونستجديه ليبقى لأننا صرنا ببقائه موجودون في غياب لوطن ضاع منا خلسة مرة وبعنا ما تبقى منه علنا ولا نزال في سبيل إرضاء لمحتل نحتاج منه ان يستمر في قتلنا وتدميرنا لكي نتذكر انه العدو. لأن ذله لنا جزء من وجودنا الذي نريد استمراره لانهم وبقبحهم اكثر جمالا منا.

فمقاطعتنا كالطقيع الذي نستعمله في إضفاء فرحة كاذبة في افراحنا. نطقعه رغم ازعاجه ومخاطره وعدم وجود اي متعة فيه. الا انه يعطينا بعض اللذة الكاذبة التي نستعرض فيها امام الغير انجاز تطقيعي بجدارة .

تحولت المقاطعة فينا الى ذلك التسابق على تلك الالعاب النارية في التوجيهي او الافراح. سباق لا يسمن ولا يغني من جوع. سباق فارغ يدل فقط على فراغنا من كل المضامين. سباق يضحك علينا العدو والصديق. سباق يتركنا مع دخان يتطاير في السماء بلا شيء الا رائحة فطساء تبقى حتى بعد انخماد الضوء ونعدام الاصوات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير