مهاترات وطن: القدس تدق ناقوس الخطر بين مطرقة الاحتلال وسنديان المرابطين

27.07.2015 07:37 PM

وطن - كتبت:ناديا حرحش: أقرأ العناوين المتصدرة للأخبار عن القدس في هذين اليومين: "القدس في خطر". "القدس تناديكم"، "القدس تدق ناقوس الخطر"…  وأقول في نفسي:"لا يا شيخ !!!" حتى العناوين مبتذلة وصراخنا فارغ واستجداؤنا مبتذل. وفي هكذا مواقف تبدأ المهاترات الجماعية في مجتمعنا، قيادة ومؤسسات وأفراد. يدخل الجميع في استحقاقات الوضع والمناسبة. فتصبح القدس حكرا على المقدسيين، ويصبح المرابطون في الأقصى جنود الشعب المصفق والمهلل من بعيد. وبينما أقرأ شجب من هنا، واستحقاق مقدسي تحت اسم المرابطين من الشعب في باحات الأقصى، وبين عتب على العرب وغضب على المسلمين، وازدراء من الحال العام الفلسطيني. لم أستطع الا التوقف امام مسمى "مرابطون" والتي التصقت بأولئك المواطنون المقدسيون الذين وضعوا أنفسهم وحياتهم كسلاسل بشرية حقيقية أمام الهجمة الاستيطانية الممنهجة من قبل الاحتلال ومنذ سنوات. لن أقلل في ما يجري بالأقصى من خطورة حقيقية. فما جرى بالحرم الإبراهيمي منذ سنوات هو برهان على ان مطامع الاحتلال لا يوقفها مكان ولا زمان. فهم لا يكلوا أبدا من مطامعهم حتى ولو خفوا في حراكهم أحيانا. وبقدر ما أشعر كمسلمة ومقدسية شعور كل مسلم ومقدسي وغيره تجاه المكان. وبقدر ما أنحني احتراما لاولئك المرابطون في المكان لحمايته منذ اشتداد الهجمة العام الماضي. بقدر ما يجري اليوم يدخل في نفسي الريبة. أولا لعدم تصديقي لما أراه من نداءات واستغاثات. أصبحت الأقصى في نداء الاستغاثات من آجلها تشبه تلك الاستغاثات التي ينادى بها من أجل القرى البدوية المهددة بالهدم والإخلاء. ولا أرمي بكلامي هذا حتى التلميح بأقلية الاهمية لتلك القرى، على العكس. فأهميتها آكبر من الدفاع عن الاقصى. فبتلك القرى بيوت وعائلات مهددة عرضة للتشريد، ما يحل بأصحابها من دمار في فقدان أبسط ما يحتاجه الانسان في شعوره بالامن وهو وجود بيت يأويه. فالاستغاثات لهم ليست الا ملتقى لأصحاب المشاريع والطموح السياسي للظهور أمام الإعلام. فلا يلتفت أحد بعد انتهاء المؤتمرات الصحفية من تجمعات دولية لمؤسسات حقوقية ودبلوماسيين، الى هؤلاء البشر. وهكذا اصبحت الاستغاثة اليوم للاقصى…. فارغة خاوية، يتسابق الجميع من أجل الظهور الاعلامي وتسجيل موقف على الهواء.

فالقدس تهود منذ سنين والكل يقف يتفرج حتى اهلها. الصمود مرتبط ببقاء هوية يقدم فيها خدمات من قبل الاحتلال الذي نلعنه. المتوافدون من سكان المدينة باستجداء الاحتلال من أجل الحصول على الجنسية الاسرائيلية يتصاعد حتى اننا بدأنا ندخل في مرحلة شعور ان من لا يحاول الحصول او من حصل على الجنسية الاسرائيلية هو الغريب عن القاعدة. المستعمرات التي تحيط في المدينة وتتجذر كل يوم في أحيائها عنوة، وتشريد السكان من هدم بيوت واستيلاء على الممتلكات وغيرها من مآسي فما أصبح من حال القدس لا يزال أكثر أهمية من الاقصى. فللأقصى بالنهاية رب سيحميه. الأقصى ليس مأوى لعائلات ولا ساترا لعورات. الاقصى مكان عبادة. الحق حمايته ولكن حق السكان الذين يذهبون للعبادة في الحياة الكريمة بلا تهديد وامن أهم. لا أعرف لما نهب لنصرة الأقصى ولا نهب لنصرة عائلة دك سقف بيتها على من فيها؟ من عليه حماية الاقصى والسكان المقدسيين والفلسطينيين عموما هي القيادة الفلسطينية. لماذا نستمر في رمي البعض منا قرابين لاستحقاقاتنا المرتقبة؟

وبما أن كلامي لا يزال ثقيلا حتى على قلبي، أفكر بالمرابطين. ولن اسمح في هذه اللحظات وبينما هؤلاء فعلا يهبون من أجل القدس. وهنا تقع كلمة رباط على كل مقدسي يدفع بنفسه بلا تفكير في هكذا لحظات. فالوف الناس التي هبت بالامس هي كل مقدسي يحب القدس ويغار على مقدساتها ويشعر بكرامته من كرامة المدينة. شباب ورجال ونساء الحارات المختلفة من البلدة القديمة الذين يهبون كالاسود في وجه الاحتلال وعنجهيته والة حربه في كل مرة مدافعون ببسالة تسجل لهم. ما يؤرقني هو مصطلح "مرابطون"، وما ترتب عليه خلال العام من أحداث. فبين المرابطين القاطنين في المسجد الاقصى عبادة وبين المرابطين من اهل المدينة الذين يهبون عند هكذا مواقف اختلاف يجب الا ننساه. فما يجري في الاقصى عند انتهاء الازمات كهذه يصبح اشد خطورة او لا يقل عن تهديد الاحتلال. فالتطرف في التصرفات تحت اسم الدين بات المكان فيه وكأنه وكر داعشي ينمو برخاء. فاذا ما كان مصطلح "مرابطون" اطلق بالاصل على مجموعة معينة اختارت الرباط في الاقصى لاهداف دينية فنحن في خطر اشد.

ولعلنا نحن الفلسطينينون نربط كلمة "مرابطون" بكلمة "رباط" التي طالما استعملها الراحل ياسر عرفات، في كلمة له أثناء الاجتاح الاسرائيلي وحصاره في المقاطعة وتحديدا إلى اهل جنين عبر الراديو مخاطبا: "أحبتي وأهلي المرابطين في جنيغراد،في جنين القسام، يارجالنا ونساءنا واشبالنا وزهراتنا في مخيم جنين، قلعة البطولة والصمود والتحدي، ليس أحب إلى عقلي وقلبي من التحدث اليكم في هذا المعترك المصيري الذي يخوضه كل الشعب الفلسطيني من اجل الحرية والاستقلال، ومن اجل حماية المقدسات المسيحية والاسلامية في أرض الرباط، الارض المباركة، اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى نبينا محمد صلوات الله عليه وسلم ومهد رفعة سيدنا المسيح عليه السلام". ومع ان القدس ليست ارض الرباط تاريخيا، فهي بالاصح مصر. الا ان استعمال ياسر عرفات للكلمة قاصدا القدس، كان مقصدا تعبويا عربيا ان صح الوصف. فكان بكلماته ينادي العرب والمسلمون لنصرة فلسطين في تجميع للوطن بخص مسرى ومعرج الانبياء القدس كموحد لأمة، كانت في حينها لا تزال تربطها المقدسات وتستثير حماسها ونخوتها. فالرباط الذي نادى اليه عرفات لارض الرباط كان من اجل الوطن. فالوطن هو الانسان فينا. ببيته ومقدساته. فهبة المقدسييون للأقصى هي هبة من اجل الكرامة التي يستبيحها الاحتلال في همجيته وفظاظته. ومن يدافع عن القدس هم اهلها وهؤلاء هم مرابطوها.

اما اذا سلمنا للمرابطين بالمفهوم القائم لهؤلاء فيما بعد الأزمة وما قبلها، فالتعريف مختلف تماما. وما كنت لاتوقف هكذا لو لم نشهد ما لا نزال نشهده في الاقصى من حملات متطرفة ضد المسيحيين وضد كل من هو مسلم بطريقة غير طريقهم في بعض الخطب وفي نصرة داعش مباشرة او غير مباشرة. وغيرها من الممارسات المريبة، التي لا تنذر بخير لما يجري في المدينة في ظل انتشار التطرف بنهج داعش.

فالمرابطون هنا هم ما خطر في بالي بداية، اولئك الممتدون فكريا من تلك الحركة الاصولية الدعوية الاصلاحية الاسلامية التي تأسست من خلالها دولة المرابطين في المغرب والتي حكمت قرابة المئة والخمسون عاما بين القرن العاشر والحادي عشر، والتي كان لها دور كبير في نشر الاسلام في منطقة غرب افريقيا، وفي بقاء الاندلس إسلامية لعدة قرون. فهم الذين قضوا على حكم ملوك الطوائف وكسروا شوكة المسيحيون (تحديدا). كان المرابطون على المذهب السني المالكي، وهم بالاصل تجمعات قبائلية في غرب المغرب، ومما لا شك فيه ان وجودهم أبقى الدولة الاسلامية في الاندلس ومنع الفرنجة في حينها من استعادتها. ولكن ما شهده العالم الاسلامي في القرون الممتدة من حكم المرابطين لما تبعه من حكم الموحدون هو نفس المشهد الذي نعيشه اليوم في دولة داعش. ونفس المبدأ الذي نسمعه على المنابر في المساجد من طموح في امارة او خلافة اسلامية، يعتمد الحكم فيها على اختيار الامير وفق الشورى، يكون الامير فيها القائد الاعلى. وهناك قاضي الجماعة الى اخره من امور. ومن المفارقة هنا ان راياتهم اخذت اشكالا كثيرة في حملاتهم القتالية وكان من بينها ذلك الشعار الذي نراه على اعلام داعش في ايامنا هذه. وانتهي حكم المرابطون لما اعاثوا تطرفا وصل الى المسلمين انفسهم، وكانت نهايتهم على يد الموحدون بقيادة ابن تومرت. فاختزالا للتاريخ، فالدولة الاسلامية بين المرابطين والموحدين كانت كتلك التي شهدنا ما بين القاعدة وداعش. رؤية إسلامية دعوية أصولية متطرفة تختلف عن تلك التي بني عليها الاسلام الاصيل. الا انها هيمنت ووصلت الينا عبر ائمة بعباءة رسول الله واصبح الاسلام ما يروه ويريدوه ، واصبحت بطولاتهم استحقاقات لنفوذهم وبسط طموحهم.

وبينما تعيش القدس وأقصاها هجمة استيطانية ممنهجة بشراستها، وبينما لا تزال القيادة الفلسطينية مكتفة الايدي، تكتفي بالشجب والاستنكار، قد يأتي يوم يتفشى فيه التطرف الذي نخشى اقترابه تحت وابل داعش واخوانها، استحقاقا لما قاموا به دفاعا عن الاقصى ولقد غيبت القيادة الفلسطينية نفسها عن الساحة، فتركت لهم الساحة أبطال حقيقيون ربما، ولكن … ما تدفعه المدينة واهلها نتيجة لهذا خطر يتزايد وما من آبه او مكترث. ونهب شيه هبة في كل مرة وسط هجمات الاحتلال المستمرة، ونعود باستخفاف واستهتار الى غفلتنا الدائمة. فنبقى هكذا بين مطرقة الاحتلال وسنديان "الغفلة" من "مرابطي الاقصى". يندمج حابلنا بنابلنا ويصبح مرابط الامارة الاسلامية المترجاة هو مرابط المدينة الذي يتنفس عبقها حياة، ويموت فداءا لكرامتها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير