بطل الجبل - في أثر أبو علي إياد - بقلم: طارق عسراوي

27.07.2015 09:35 PM

ربما ضحك كثيرا حين سمع لقبه للمرة الأولى "عمروش"، فقد كان اللقب مدعاة ابتسامة الشهيد وليد أحمد شريم الذي سيتكئ بعصاه المميزة الساحرة على غرّة الأسطورة، ويروّض كبوتها صاعدا جبل البطولة الأخير مضرجا بجرح صهيلِ الخيل المشتاقة لدرب قلعة " قلقاليا" في طرف السهل الساحلي، تلك القلعة الكنعانية التي تزينت و تعطرت بزهر الجوافة في انتظار الحبيب الذي لم يعد، ومن يومها صارت يافا أبعدُ من ملحها وقطّع الجدار دروب قلقيلية في انتظار عودة الشهيد كما وعد الرفاق!

من مشفى الهلال الأحمر الفلسطيني في مزّة الشام سار موكب الشهيد أبو علي إياد إلى مسجد فلسطين في مخيم اليرموك في العام 1971، وحملت الأكتاف نعشا ضم حزن البلاد ورافقته الحناجر بالهتاف وبالدموع.

كان مشهدا أسطوريا يليق بوداع بطل الجبل، ويفتح السؤال أبواب الأسطورة على الاحتمال، أين جثمان الشهيد؟!

كان العمروش غائبا عن جنازته كما غابت عصاه، إلا أن الدمع كان حاضرا في حناجر البرق الغاضبة من فجيعة الاغتيال، وقيل أنّ الصدى هرّب من جنبات الهتاف الحار نسمات تموزيّة نُسبت فيما بعد للياسمين، كانت تشبه ابتسامته التي اعتادها الرفاق منه، إذا ما ذكر أحد المؤبنين لقب الشهيد!

أما أصل اللقب "عمروش"، فأظنهُ فعل إضافة للأسطورة، وتشبيها بالعقيد عميروش صاحب النظام الثوري الجزائري، وقد يحمل اللقبُ دلالاته الخاصة، فالدلالة القاطعة لا يقبلها رجال الجبال.

دُوّنَ رسمياً، أن أبو علي إياد استشهد في ٢٧/٧/١٩٧١، ولكن الأسطورة تأبى النهايات المتوقعة، ولا تقبل المعتاد في سرد الحكاية، فقبل أيامٍ قال لي صديقي أن مسكوناً بأحداث الأسطورة روى أنه التقى بطل الجبل بعد جنازته بعام أو اثنين وكان جالسا دون عكازته!!

قُلتُ: أين ذلك وكيفَ؟

فقال: لقد خلط العمروش الحقيقة بالخيال!

هو الذي لم تقبل خطاه السير بعيدا عن خط النار، وآثرت عيناه إبقاء البلاد في مدى رؤياها، عصاه التي استعاض بها عن ساقه اليسرى، وربما أضافت الألسنة اللاحقة ما يخصها للحكاية حتى صارت حكايته جمعيّة تتعدى حدود الذات المفردة!

اليوم، في الذكرى الرابعة والأربعين على حدوث جنازة بطل الجبل، أقرأُ آخرُ ما كتب الأسطوريّ في رسالته للرفاق من الجبال ممتلئا بكبرياء صنوبر الأحراش، وطالّا على شال البلاد القريبةِ، وما سيغدو شعارا ثوريا تحمله الأجيال من بعده: نموت واقفين ولا نركع..

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير