الاستقالة ليست هي الحل ..كتب ..رمزي نادر

28.07.2015 09:03 AM

سربت وسائل الاعلام العبرية نبأ حول نية الرئيس عباس اعلان الاستقالة خلال الاشهر القليلة القادمة ,مع التزامن في تسريب معلومات حول لقاءات جرت في عواصم غربية وعربية للبحث عن خليفة الرئيس وسبل اقصاءه عن الحكم ,في الوقت الذي جرى الحديث عن مليء فراغ مقعد السيد ياسر عبد ربه الذي قيل انه افرغ من اجل ان يستقبل وافد جديد يتم تهيئته ليكون خليفة الرئيس استنادا لسيناريو قديم نفذ ,مع الزعم بان هذا الوافد هو ضمانة شخصية للرئيس عباس , علما بان السيد عبد ربه عندما شغل منصبه لم يكن هو الاجدر او الاحق به ,و رغم قول عبد ربه بأنه انتخب لهذا المنصب من المجلس الوطني ,إلا ان هناك من قال بان عبد ربه قدم لهذا المنصب دون تشاور مع الفصائل او حتى فتح , ومن قدمه لهذا المنصب هو الرئيس عباس , ويعد منصب عبد ربه هو المنصب الثاني الارفع في هيكلية المنظمة وهو المنصب ذاته الذي كان يشغله الرئيس عباس قبل توليه منصب رئاسة اللجنة  .

لم يسعدنا كثيرا خبر الاستقالة الذي نشرته وسائل الاعلام العبرية رغم اختلافنا مع الرئيس عباس في الكثير الموضوعي لما يحمله من مضامين ومعاني سواء اذا كانت هذه المعاني بالونات اختبار من باب الضغط على الرئيس عباس او رمي للحجر في البركة الساكنة لفتح شهية الطامحين لمنصب الرئاسة للتعبير عن ذاتهم والبدء في تقديم اجنداتهم للمفاضلة بينهم ,او حتى لو كانت هذه التسريبات تعبر عن حقيقة نوايا الرئيس عباس , فتحت اي ظرف لا يحق للرئيس عباس امام الشعب الفلسطيني تقديم استقالته في ظل الوضع الراهن للسلطة والمنظمة وحتى حركة فتح احد كبريات فصائل الشعب الفلسطيني .

عندما دفع الرئيس عباس بالسيد عبد ربه الى منصب امين سر اللجنة التنفيذية هل كان ينظر الى الخلف ام الى الامام ,ام انه كان ينظر الى الطرفين في ان واحد عندما غيب هذا المنصب المهم عن رجالات فتح ومنهم كثر قادرين على سد هذا الفراغ الذي طرأ بعد توليه هو منصب رئيس اللجنة ,حتى يستقيم المعنى ان الذي اهل الرئيس عباس لمنصب رئاسة السلطة هو منصبه كأمين سر سابق للجنة التنفيذية ,وبهذا كان يدرك ان من يجلس على هذا الكرسي يجب ألا يكون منافس له في المستقبل لذلك تم اختياره من خارج فتح حتى لا يتكرر سيناريو ترسيمه رئيسا للسلطة على الاقل في ذلك الوقت الذي لم يستعد فيه الرئيس بعد للرحيل فكان عبد ربه الذي لا يملك اي قاعدة جماهيرية او سند تنظيمي قوي وبذلك فهو لا يشكل اي تهديد فعلي .

مع بزار الاسماء التي اطلقت مؤخرا لخلافة الرئيس من بين اعضاء مركزية فتح وقادة الاجهزة الامنية وطامحين قدامى ,كان من المنطقي ان هناك شيء ينضج بعيدا عن الاعين وليس بعيدا عن حسابات الرئيس عباس الذي كان يفاضل بين خياراته ,ولعل اقالة عبد ربه وما خلفها من ترشيح السيد صائب عريقات لم يكن امر مفاجئ لكثير من المراقبين والمحللين لاسيما بعد التصفية السياسية التي بدأت في التخلص من الخصوم السياسيين الاقوى فالأضعف والتي بدأت مبكرا بإزاحة دحلان ورفاقه عن المشهد من خلال فصله من مركزية فتح وإبعاده من رام الله والمحاولات التي اتبعت من خلال تجريده من حصانته تمهيدا لمحكمته من اجل قطع الطريق عليه وصولا للفخ الذي نصب للرجوب وكان بمثابة محرقة شعبية له , وحتى ما يجري في الاعداد للمؤتمر السابع لفتح ومحاولات تفصيله بمقاييس ومواصفات معينة كل هذا ذات علاقة مباشرة بالحسابات التي تجري من اجل اعداد خليفة الرئيس .

ولكن هل ينجح السيناريو القديم في تنصيب السيد صائب عريقات منصب رئيس اللجنة التنفيذية تمهيدا لوصوله لمنصب رئاسة السلطة والحركة كما حدث مع الرئيس عباس سابقا , لا اعتقد ان الظروف الموضوعية او المحيط او خارطة النفوذ التي يمتلكها الرئيس عباس تسمح بتكرار هذا السيناريو فان الخارطة الجيوسياسية لم تعد هي ذاتها التي سمحت بتولي الرئيس عباس المنصب رغم افتقاره للقاعدة الجماهيرية .

مع تقديرنا الشديد للسيد صائب عريقات وتاريخه النضالي والسياسي الكبير والتي لا يستطيع احد انكار اي منهما او يستطيع انكار قدراته التي يتمتع بها لكنه لا يصلح لمنصب الرئيس ولن يجد الظروف ذاتها التي حظي بها الرئيس عباس لتضعه في هذا المنصب  لاعتبارات كثيرة اهمها ان الرجل رغم تاريخه السياسي الطويل لا يتمتع بأي حضور شعبي اضافة لفقدانه عدة  عناصر وأهمها سيطرة فتح والسلطة على قاعدة ارتكاز صلبة اسمها غزة كانت هي المصنع الحقيقي لنجاح الرئيس عباس في تولي الرئاسة وما حملته هذه الساحة من تغيرات جذرية في ولائها طوال السنوات الثمانية الاخيرة ,وفي الضفة الغربية استند الحكم في السنوات الثماني الاخيرة على نظرية الامن مما افقد السلطة ومعها فتح جزء كبير من الحماسة الجماهيرية تجاههما علاوة عن تشتت الولاءات الجماهيرية بين الطامحين على هذه الساحة و في الشتات يكاد يكون رصيد دكتور صائب صفر ,اما الرهان على مخرجات المؤتمر السابع في حال نجح انعقاده فهو رهان خاسر وفيه الكثير من المراهقة لأنه سيخلف آلاف اخرى من الرافضين علاوة عن ان الالف شخص في المؤتمر ومثلهم في الاقاليم لن يشكلوا قاعدة ارتكاز فعلية لان القوة الحقيقية تكمن في الجماهير ولن يكون الهيكل التنظيمي اكثر من جسم معلق في الفراغ بدون جماهير داعمة له وأصواتهم لن تشكل تغيير جوهري في المعادلة خصوصا في ظل التشتت الذي تعيشه القاعدة الفتحاوية .............

الجزء الثاني

الاستقالة ليست هي الحل


في الجزء الاول من هذا المقال تحدثنا عن احتمالات اسباب تعين عبد ربه وإقالته وإعادة احياء سيناريو تعين رئيس السلطة من باب امانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وفرص نجاح عريقات من خلال هذا السيناريو فهل يحق للرئيس عباس الاستقالة في هذا التوقيت مع ترك الساحة حتى مع سيناريو خليفة يعين عبر بوابة امانة سر اللجنة التنفيذية رغم ضعف امكانية تكرار هذا السيناريو في ظل ترهل حركة فتح وتشتت قواعدها ؟ وما هي الاسباب الحقيقية التي قد تدفع الرئيس عباس للاستقالة ؟؟ وهل هناك امكانية لهذه الاستقالة في ظل الوضع السياسي الراهن بما يحمله من حالة انقسام ومساومات اقليمية ؟؟؟ .

بداية الاستقالة او الاقالة او حتى الانتفاض الشعبي كلها خيارات بات الرئيس عباس يدرك انها مطروحة في هذه الاثناء اكثر من اي وقت مضى وهذا يعود الى عدة مسببات لعل ابرزها المتعلق بالمسار السياسي الفلسطيني وإدارة الملف الداخلي في حقبة الرئيس عباس ,فعندما جاء الرئيس عباس لسدة الحكم رفع شعار الاصلاح والرفاهية المجتمعية وعقدت الجماهير امال عريضة على اصلاحات اقتصادية ورفاهية مجتمعية لم يتحقق منها شيء بل على العكس من ذلك بدأت التعقيدات الاقتصادية في التصاعد مع بداية توليه المسؤولية وزاد عليها ما تبعها من حالة انقسام وشعور متنامي لدى المواطنين في غزة تركهم لموجهة مصيرهم مع هذا الانقسام الاسود وما خلفه الانقسام مناثر ثقيل على كل مواطن فلسطيني سواء من يعيش في الوطن او الشتات  .

وعلى المستوى التنظيمي كان هناك وعود كثيرة بالنهوض بحالة حركة فتح المترهلة والالتزام بالنظام الداخلي لها وإعطاء فرصة للشباب الذين كانوا العامل الاساسي في رفع الرئيس عباس لسدة الحكم لكن المؤتمر السادس وما تبعه من ممارسات اضاعت هذه الاحلام الوردية مخلفة مزيد من التفكك والتفسخ في جسم فتح الرسمي والتنظيمي وحتى الان لا توجد اي بوادر جدية لإنهاء هذه الحالة او القفز عليها , علاوة عن حالة الصراع الصاخب على الرئاسة التي يديرها عدد من الطامحين في هذا الكرسي دون خجل من الرئيس عباس والتي قد تجعل داخله حسابات وصراع من نوع خاص قد تعزز  الرغبة في سرعة ترك المنصب الرسمي او التحضير لتركه وفق ما يشعره بالأمن الشخصي او مزيد من التشبث بهذا الكرسي خشية لاستحقاقات ما بعده .

وهنا ايضا يتوجب على الجميع سواء الطامحين او المعينين المدعومين او المستخدمين الاخذ بعين الاعتبار الدراسة الواقعية للأرض والميل الشعبي وحكمها في تجارب سابقة كانت بمثابة اختبار لأي عملية ديمقراطية ستجري والتي لم تنجح في عمليات الانزال من الاعلى وإجبار الناس على اختيار من لا يرغبون او يقتنعون به فان عملية التفصيل قد تنجح في مؤتمرات الحركة لكنها بشكل قطعي ستفشل عند الاحتكاك برغبة العامة الامر الذي يستدعي الحكمة والدراسة المتأنية عند الاقدام على تجارب مماثلة في مواقع اكثر حساسية مع الاخذ في الاعتبار وجود الخصوم السياسيين وحالة التشتت في حركة فتح ووجود معارضين اقوياء من داخل الحركة اثبتوا انهم قادرين على التأثير وبقوة حتى من خارج الجسم الرسمي للحركة  .

اما في المسار السياسي فان تبني الرئيس عباس خيار اوحد وضعه في عنق زجاجة سواء على المستوى الشعبي او التنظيمي او الوطني والفصائلي ومع تنكر الاحتلال لكل مبادرات حسن النوايا التي قدمها الرئيس عباس والتي لم تقابل إلا بمزيد من الضغط والتهويد والاستيطان  علاوة عن ثلاث حروب شنها الاحتلال على قطاع غزة المحاصر مع عدم بروز اي امل في الافق  جعلت الرئيس عابس يعيش حالة من الضغط المستمر مع تلاشي كل اوراق الضغط التي يملكها سواء المتمثلة بالحاضنة الشعبية او الفصائلية وحتى عدم احكامه على حركة فتح مع ما تعيشه من انقسام حاد وواضح وتباين عالي في الولاء والذي اصبح غير مضمون بالنسبة للرئيس من معظم المحيطين به ,وحالة الصعود و التنامي المستمر لفصائل الاسلام السياسي ان لم يكن على المستوى الشعبي والذي مازلت فتح تنافس عليه بقوة إلا ان هذه الفصائل استطاعت ان توطد نفوذها في اماكن تواجدها وتقنع المراقبين والشارع الفلسطيني بأنها قادرة على تغير المعادلة بل وتتحكم فيها لاسيما حماس من خلال رفعها للبندقية التي تخلى عنها الرئيس عباس تنظيميا وحصرها في اطار السلطة وأجهزة الامن التي تدار بشكل امني كامل بعيدا عن الشكل الذي اعتاد ادارتها فيه الراحل ياسر عرفات وكان لهذا الامر ضريبته في ظل غياب اطار تنظيمي قوي قادر على اسناد السلطة .

وهنا يتوجب علينا رفع السؤال الكبير ما هي الانجازات التي قدمها الرئيس عباس للشعب الفلسطيني ويراهن عليها لختام حياته السياسية بالاستقالة والتي تمثل كارثة وطنية اذا ما صحت مع ترك المشهد السياسي بهذه الكيفية في ظل تجاهلنا للشكل القانوني للاستقالة في ظل ما تعودنا عليه مؤخرا من تجاهل واضح وصريح لكل القوانين والنظم والأعراف الفلسطينية سواء في التعين او الاقالة والفصل وغيرها من الممارسات التي جرت خلال اعوام الانقسام الماضية وهل يملك الرئيس عباس البدائل الممكنة ليختم حياته السياسية بانجاز وطني و لا يترك الشعب الفلسطيني في اتون صراع سواء داخل اركان السلطة او حركة فتح او على المستوى الوطني ويشكل له الضمانة الشخصية التي يرغب بها والتي لن يحققها اي من المرشحين الحاليين المقربين من الرئيس عباس لاستحالة نجاح اي منهم بالمقومات الحالية والتعقيدات والتشابكات الموجودة داخل فتح من جهة والسلطة من جهة ومنظمة التحرير من جهة وعلى المستوى الوطني من جهة اخرى .

ان استقالة الرئيس عباس في ظل الوضع الراهن او حتى تركه السلطة لأي سبب كان سواء بإرادته او لأسباب اخرى تعني انه ترك الشعب الفلسطيني في حالة صراع ستدفع ضريبته الاكبر حركة فتح والتيار الوطني فهل سيرتضي الرئيس عباس ان يسجل في تاريخه انه صاحب اليد الطولى في تفتيت انجازات الشعب الفلسطيني والتي راح ضحيتها عشرات الالاف من الشهداء ومئات الالاف من الجرحى ومثلهم من الاسرى .

ان كلمة السر ومفتاح الحل لا تكمن في تفصيل المنصب على مقاس اي من الاسماء المطروحة مع القناعة باستحالة هذا الامر في ظل المشهد الراهن والمزاج الشعبي و مع احترامنا لهذه الشخصيات  وتقديرنا ولكن الحل الوحيد الممكن والقادر عليه الرئيس عباس ويشكل ضمانة فعلية للجميع وعلى رأسها الرئيس عباس هو العودة لبرنامج المؤسسات والالتزام ببرنامج حركة فتح ونظامها الداخلي في المقام الاول وإعادة الهيبة واللحمة لحركة فتح وبناء صفوفها بعيدا عن الحسابات الشخصية ووفقا للإرادة الجماهيرية ونظرية الاصلح للمجموع وليس للفرد وهذا سيقود الى اعادة ترتيب صفوف المنظمة على اسس صحيحة تراعي المتغيرات على الساحتين الاقليمية والداخلية الامر الذي سيمكن فتح خوض غمار اي معركة سياسية سواء داخلية او خارجية وسيعجل في المصالحة وإعادة وحدة الوطن وكذلك  اعادة الهيبة للسلطة وفتح امام خصومها وعلى رأسهم الاحتلال الاسرائيلي الذي كثرت مساوماته مؤخرا بما يستشعره من ضعف وتمزق داخل صفوف فتح والتي مثلت سابقا ومازلت تمثل هاجسه الاعظم ويرضيه وضعها الحالي ,فان القوة الحقيقة التي مازلت تملكها فتح مع كل ما تعانيه في ظل طريقة قيادتها الحالية هي الرغبة الجماهيرية بها والالتفاف الشعبي حولها ولكن حذاري لان هذه الحالة لن تدوم طويلا مع احساس اليأس الذي بدأ يتسلل للناس من واقعهم الراهن فان الحل لا يكمن في الاستقالة يا سيادة الرئيس وإنما في المواجهة الامر المطلوب منك كي تختم حياتك ثائر نشأ وافنى عمره في فتح ولتجد لك سطور تخط الى جانب الخالدين والعظماء من قادتها الاوائل .......... ولن تصل هذه الكلمات للرئيس
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير