شجارات تحصد الأرواح وتقذف بالمجتمع في أتون العنف الداخلي..كتب د. حسن عبد الله

28.07.2015 02:38 PM

لماذا يقتل أبناء القرية أو المخيم أو المدينة الفلسطينية في شجارات عائلية أبناء جلدتهم؟ لماذا أصبح القتل سلوكاً سائداً في السنوات الأخيرة؟- لماذا يغيب التضامن الواعي عن مشهدنا الاجتماعي، ونستحضره ونستدعيه فقط عندما نتحدث عن الإنتفاضة الأولى؟ ولماذا؟-ولماذا؟-... وما أكثر"اللماذا" ونحن نرصد ونتابع بحسرة وألم استفحال ظاهرة العنف المجتمعي الداخلي، الذي يحصد خيرة الشباب في شجارات تتسع وتمتد، بينما لو بحثنا عن الأسباب المباشرة نجدها تفاهة ولا معنى لها.

التشخيص للعنف الداخلي على المستوى الإجتماعي والنفسي والثقافي، إستمعت اليه وشاركت شخصياً في نقاش بعض جوانبه وتداعياته، في مؤتمرات عقدتها مؤسسة برامج الطفولة، التي تسعى من خلال برامجها وحملاتها التثقيفية والتوعوية للحد من العنف الداخلي. ومن الأسباب التي قذفت بشرائح من مجتمعنا في دائرة العنف الداخلي، منها ما هو ذاتي يتعلق بأخطاء تربوية أسرية ومجتمعية، فالعنف الذي يطغى على حياة بعض الأسر من قبل الكبار وبخاصة الآباء، يستنسخ عنفاً لدى الأطفال الذين يتشربون أساليب العنف من الطفولة، وصولاً إلى مراحل عمرية لاحقة، يكون العنف فيها هو الطاغي على السلوك والتصرفات.

وما يغذي العنف الداخلي، البطالة وإنسداد الأفق السياسي وقصور المؤسسات الرسمية وغير الحكومية في الإضطلاع بدور تثقيفي ممنهج ومستديم، بغية العمل التراكمي للحد من هذه الظاهرة على طريق إجتثاثها.

وبتتبع ما كتبه كل من "فرانس فانون" و"باولو فريري" حول مصادر وقنوات العنف، نكتشف بسهولة أن العنف الواقع على الشعب من قبل المحتل، يكون صداه عنفاً داخلياً تفريغياً، كأن يفرغ المعنّف من الإحتلال غضبه وشعوره بالإهانه والإذلال على من هم أضعف منه في أسرته ومجتمعه.

وإذا كان التشخيص معروفاً، فما هو المطلوب للإنتقال من الحديث عن الأسباب، للتعامل معها ونتائجها، ضمن إستراتيجية تقوم على أساس إنقاذ مجتمعنا من نار العنف الداخلي، التي أخذت تحرق كل يوم ضحايا جدد؟!

البداية في رأيي من الأسرة والروضه ومن ثم المدرسة والجامعة والنادي، لكن من يبدأ، من يبادر؟ فلا يمكن لطرف وحده ان يتصدى منفرداً لهذه الظاهرة، اما الآباء والأمهات من المفروض ان تتواصل المؤسسات الحكومية وغير الحكومة معهم ببرامجها الميدانية التثقيفية، في حين يجب ان تكون مناهج التربية والتعليم جاهزة للتعامل مع هذه الظاهرة تربية وتثقيفاً وإعداداً، لا يكفي ان نحشو ذهن الطفل بمعلومات نظرية تستخدم في الإمتحان فقط، وانما ينبغي ان ننهض بوعيه، من خلال مواد تدريسية تربوية تلامس حياته اليومية بشكل مباشر، تثقف وتصوّب وتبني وتؤسس في الطالب مبادئ احترام الآخر وتقدير إنسانيته، بل وتربيته على التعامل مع الإختلاف وإحترام المختلف، لا الصراع معه. أما الإعلام الذي يقتصر دوره على إبراز القتلى ونشر وبث أخبار الشجارات، فمطلوب منه ان يأخذ زمام المبادرة ويطور دوره بالانتقال من المخبرّ إلى المثقّف عن طريق البرامج التوعوية، والإبتعاد عن تعميم ما يدعّم ويعمق العنف، بخاصة الأفلام والمسلسلات والبرامج المعجونة بالعنف من ألفها إلى يائها.

لقد تخلت الاحزاب السياسية عن دورها الإجتماعي وحصرت إهتمامها في اطار سياسي مكرر ومعاد بمفرداته ومصطلحاته، لذا مطلوب منها، ان تعود لما كانت قد بدأته منذ سنوات طوال، في استقطاب الطاقات الشابة في اعمال تطوعية نافعه، وتنمية قدراتها الشابة في الدبكة والموسيقى والمسرح والأدب.

لقد بات جزء من قادة هذه الاحزاب منخرطاً في الصلح العشائري والعطوات والوجاهات، أي التعاطي مع النتائج، دون المبادرة لمعالجة الأسباب، ليتحول السياسي والحزبي وغير السياسي او الذي لا انتماء جزئي له إلى منخرطين في الدائرة العشائرية، يصرفون الوقت والجهد في فض النزاعات ومحاولة وقف تداعياتها، ونحن لا نقلل من شأن هذا، بالرغم من ان الجهد المبذول لا يعالج ولا يخلص، لأنه يعتمد حلولاً توفيقية مؤقته، تسكّت شجاراً هنا، لتندلع شجارات اخرى في مناطق مختلفة.

إن محاربة العنف تحتاج إلى اعادة تثقيف مجتمعي تبدأ من الطفولة، وبتجنيب أطفالنا مشاهد وسلوك العنف، لتتم تربيتهم في بيئة متسامحة، تتناقش، تتحاور، تختلف، تتفق، ضمن قواعد ديمقراطية.

نحن بحاجة إلى حوار أفكار وتوجهات، لا الى  سكاكين نذبح بها أنفسنا، فما يجري في مجتمعنا من شجارات وممارسات عنفية، يجب ان يفتح باب الحوار واسعاً امام التربويين والمثقفين والأكاديميين والسياسيين والمحاميين والقضاه وممثلي المؤسسات الرسمية والأهلية، لعله يتم الخروج باستراتيجية مجتمعية ترتقي إلى مستوى المسؤولية التي لايستثنى منها أحد، لأن ما يجري يمثل لائحة اتهام تطال الجميع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير