ما الذي يحتاجه الفلسطينيون اليوم؟

29.07.2015 12:11 PM

وطن: كتب علاء الترتير

يوماً بعد يوم يتجذر المأزق الفلسطيني ويزداد تذمر الفلسطينيين وترتفع درجة إحباطهم. الأسباب كثيرة والحلول قليلة، ويبقى السؤال الدائم المعلّق: ما هو البديل؟ وما هي ملامح الاستراتيجية الفلسطينية البديلة لإحراز الحقوق الفلسطينية وتقرير المصير؟ ومن سيرسم وينفذ هذه الاستراتيجية في ظل فشل منظومة أوسلو ونخبتها السياسية-الاقتصادية في تمثيل وتحقيق تطلعات الفلسطينيين في الأرض المحتلة والمنفى؟

ولكن قبل الشروع في هذه المهمة الشاقة للإجابة عن هذه الأسئلة يحتاج الفلسطينيون لتحقيق مجموعة من الشروط الاستباقية وبناء الأسس لعناصر هامة في أية استراتيجية بديلة قادمة. يحتاج الفلسطينيون للانخراط في ورشة عمل حقيقة وجادة لعنونة الاختلالات والتشوهات البنيوية التي حصلت في المجتمع الفلسطيني وقيادته السياسية على مر العقدين الماضيين. فمن دون تصويب هذه التشوهات البنيوية من جذورها سيبقى الفلسطينيون وقيادتهم الحلقة الأضعف والأسهل للاستهداف، ولن ينجحوا في إحداث تغيير دراماتيكي في ميزان القوى المختل بين المستعمَر والمستعمِر.

فما الذي يحتاجه الفلسطينيون اليوم؟ يحتاج الفلسطينيون اليوم لقيادة فكرية جديدة تحدد وترسم وتنعش الفكر السياسي الفلسطيني الذي توقف عن النمو منذ عقود عدة. فحركات التحرر الوطني على مر التاريخ دأبت على تطوير فكرها السياسي حتى بعد نيل حريتها وتحقيق مصيرها؛ وبهذا فالدور المنوط بالقيادة الفكرية الفلسطينية الجديدة هو دور حيوي وهام للغاية ورئيسي من أجل جمع لم شمل الفكر الفلسطيني ووضع مقاربات ورؤى جديدة تجيب عن التساؤل الأساسي (ما هو البديل؟) بطريقة شاملة وعملية وواضحة. ثمة العديد من المحاولات في هذا الصدد ولكن الحاجة ملّحة الآن لوضع الجهود المتناثرة في بوتقة واحدة من أجل تجديد الفكر السياسي الفلسطيني كخطوة أولى نحو تجديد النظام السياسي الفلسطيني برمته.

ثانياً، يحتاج الفلسطينيون للانخراط في عملية تغيير للخطاب والسرد المرافق لخطواتهم السياسية وقراراتهم قصيرة وطويلة الأمد. فتغيير الأفعال على أرض الواقع يجب أن يسبقه ويرافقه تغيير في الخطاب والسرد كخطوة أولى من أجل عنونة الاختلالات والتشوهات البنيوية. فالفعل سيلحق بالخطاب وعلى هذا الخطاب أن يكون على قدر الفعل.

ثالثاً، يحتاج الفلسطينيون لخلق ثقافة جدل وتجادل في المجتمع الفلسطيني في كافة مناحي الحياة بدءاً من الأسرة فالمدرسة فالأحزاب السياسية فالنظام السياسي برمته. فغياب ثقافة الجدل والتجادل عامل محبط لأي شكل من أشكال التنمية بما فيها التنمية السياسية، وهي أيضاً عامل محبط للتفكير والتفاكر. فالجدل والتجادل أسس رئيسية للحكم وللحوكمة والتخطيط والبناء والنقد البنّاء. ثقافة الجدل والتجادل هذه مترابطة ترابطاً عضوياً بالنظام التعليمي السائد والذي يحتاج لإعادة خلق وبناء من أجل إعداد أجيال جديدة قادرة على السؤال والتساؤل والابداع وأخذ زمام المبادرة بدل التلقي.

رابعاً، يحتاج الفلسطينيون لعنونة تشرذمهم وتفرقهم في كافة المناحي والاتجاهات. فقد وصلت درجة التشرذم لدرجة اللامعقول وأصبحت خاصية ملازمة للمجتمع الفلسطيني. لا يقتصر هذا التشخيص على حالة الانقسام ما بين حركتي فتح وحماس في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنما يمتد ليغطي مناحي عدة في الحياة الفلسطينية. فعلى مر السنين استطاعت اسرائيل، وفي العديد من المرات بالتعاون المباشر وغير المباشر مع القيادات السياسية الفلسطينية، بتجذير التشرذم والتفتت الفلسطيني. هذا التشرذم الفلسطيني يمثل عرضة للمشاكل التي أصابت الجسد الفلسطيني، ومن دون عنونة هذه القضية فسيستمر الجسد الفلسطيني بالترهل.

خامساً، يحتاج الفلسطينيون لأن يكونوا في صُلب وجوهر نظامهم السياسي وليس على أطرافه. فالنظام السياسي الفلسطيني القائم في الأرض المحتلة منذ عقدين يعمل على تهميش الفلسطينيين (الشعب) ويجعلهم تبع لقيادات تهمها مصالحها الشخصية والفئوية والحزبية بالدرجة الأولى. تواجُد الفلسطينيون في جوهر نظامهم السياسي سيؤسس لمرحلة جديدة يكون عنوانها المحاسبة والمسائلة الشعبية والتي ما زالت فعلياً غائبة في النظام السياسي الفلسطيني المهترئ. هذه الخطوات تترابط مع قضايا التمثيل والشرعية كمكونات رئيسية لأية عملية تغييرية.

سادساً، يحتاج الفلسطينيون لمجابهة ومواجهة التحولات السلطوية القمعية للسطات في الضفة الغربية وقطاع غزة وبخاصة فيما يتعلق بالتعاون الأمني مع اسرائيل. فقد تعب وملّ الفلسطينيون من طبقات القمع والاضطهاد المتعددة ولا يحبذون قوة قمعية جديدة تسلبهم حريتهم وقدرتهم على مقاومة المحتل والمستعمِر والاشتباك معه.

أخيراً ولأن التشابك بين السياسة والاقتصاد غير قابل للفصل فعلى الفلسطينيين إدراك أن جوهر العملية التنموية الشاملة يتطلب فهماً مغايراً للعملية التنموية برمتها ويبتعد عن الفهم التقني اللا-سياسي المحدود ليتبنى فهماً جديداً يرى التنمية كشكل من أشكال المقاومة والاشتباك. فالرؤية التنموية الفلسطينية المشتبِكَة هي الكلمة السحرية في ظل العيش تحت شرط كولونيالي استعماري. فالتنمية الشاملة لا تعني إلاّ الاشتباك، وبالأخص الاشتباك من أجل الأرض لزرعها وفلاحتها واسترجاعها كمدخل أول للتنمية وعمليتها المستدامة. وهذه العملية التنموية بالطبع تتطلب قيادة تمثيلية وشرعية لقيادة العملية السياسة-الاقتصادية-التنموية لتضع تطلعات الجماهير وكرامتهم في جوهر عملية صنع القرار.

النقاط السبع السابقة هي قضايا وخطوط عامة للفكر والتفاكر والجدل والتجادل من أجل الانخراط في ورشة عمل جادة لتحديد الأولويات الفلسطينية الآنية من أجل التخطيط للمستقبل. فلا يعقل أن تكون الأجيال المستقبلية مغيبة تماماً عن عملية صنع القرار لمستقبلها، ولا يعقل أن تستمر حالة الترهل للمشروع الوطني الفلسطيني ولفكره السياسي. آن الأوان لبلورة قيادة فكرية جديدة من أجل عنونة جملة القضايا الواردة أعلاه بجدية وحكمة. هذه القيادة الفكرية الجديدة موجودة ولكنها مبعثرة وربما محبطة لسوء المرحلة، ولكن العملية التغييرية الحقيقة تقتضي نهوض هذه الأصوات والرؤى المختلفة من أجل وضع استراتيجيات جديدة لفلسطين. هذا بعضاً مما يحتاجه الفلسطينيون.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير