حطباً لنار الإعلام الإسرائيلية.. بقلم: مالك أبو عريش

01.08.2015 08:22 AM

لم يعد يخفى على القاصي والداني أن أصغر وسائل الإعلام الإسرائيلية، تعد جندياً حقيقياً يخدم في الجيش النظامي، ويسبق القوات الراجلة والدبابات إلى مناطق الاشتباك، ليقدم ما يستطيع تقديمه في سبيل تحقيق هدف المهمة العسكرية الصهيونية الهادفة لإخلاء الوجود الفلسطيني وهزيمتها نفسياً وفعلياً على أرض المعركة، أو المواجهة غير المباشرة.

ولقد أكدت حروب غزة الأخيرة هذه النظرية وأثبتتها أيما إثبات، لا سيما في ظل خضوعها للرقابة العسكرية، التي تقلل من مهنيتها الصحفية وتلبسها العباءة العسكرية والخوذة الواقية من الرصاص، لتكون أولوية المراسل هي إسرائيليته وليست مهنته.

ورغم ذلك لا زال الفلسطينيون أفراداً ومؤسسات، يتعاملون مع الإعلام الإسرائيلي، تعامل الذي لا يعرفه حق المعرفة، كما لو كان المحايد الذي يتطرق إلى المنهجية الصحفية قبل أن يمر إلى حقيقته الوجودية، وأسباب تأثيره الفعلية.

لا أفهم كيف يقبل قيادي في حركة حماس كغازي حمد، أو قيادي في الجهاد الإسلامي كخضر عدنان الذي سجل اسمه على فصل من فصول الحركة الأسيرة بمعركة الأمعاء الخاوية، أن يقبل بالحديث بلا روادع، مع وسائل إعلامية إسرائيلية، تساهم بمعاناة لشعبهما، وهي نفسها التي تذكرهم تحت اسم "إرهابيين"، وفي ذهني صورة لا تنسى لتلك المرأة المنقبة، التي تحتفل بانطلاقة حركة حماس على دوار المنارة برام الله، وعلى يدها طفل لا يتجاوز العامين يرتدي وشاحاً مكتوباً عليه "كتائب القسام"، وهي تتحدث إلى مراسل القناة العبرية الثانية أوهاد حيمو لتخبره أنها ترفض الاعتراف بإسرائيل.

عندما أطلق سراح طفلةٍ فلسطينية كانت أسيرة لدى قوات الاحتلال، سارع المراسل ذاته – الذي بات يعرف مناطق الضفة الغربية أكثر مني – إلى إجراء حوار معها في بيتها، وقتها انتقدت موقفها في حوار لي مع أستاذي، فقال لي أنها على كل الأحوال طفلة، فكيف به الآن مع اثنين من قيادات الصف الأول من المقاومة الفلسطينية، وحلف الممانعة المحلي.

***


في مطلع العام الحالي ثارت نقابة الصحفيين الفلسطينيين، على أربعة صحفيين مقدسيين لإجرائهم مقابلةً مع رئيس بلدية الاحتلال في القدس، معتبرةً أنه شكل من أشكال التطبيع، وتمرير للمفاهيم الرسمية الإسرائيلية، وفكرت في طردهم من عضويتها، ولم ينتبهوا إلى أن عدداً كبيراً من الفلسطينيين، من شخصيات سياسية وأفراد، يتفاخرون بقدرتهم على محاورة المراسل الإسرائيلي بالعبرية، وهم يشعرون بنشوة تغمرهم لمجرد تمكنهم من ذلك.

تصرفها في ذلك الوقت كان صحيحاً، ولكن غير كافٍ، يجب على هذه النقابة والمؤسسات الأخرى أن تعي أنها بفلسطينيتها فإنها مؤسسة وطنية قبل أن تكون مهنية، وعليها أن توعي المواطنين على ضرورة عدم إجراء المقابلات مع هؤلاء الصحفيين، إن لم يكن لأسبابها الوطنية وما يتعلق بالتطبيع، فليكن رفضاً للسياسة التي تطبقها إسرائيل، بعدم سماحها للصحفيين الفلسطينيين بممارسة عملهم، داخل الأراضي المحتلة وغيرها، إما بإعاقتهم في التحرك، أو باستهدافهم المباشر أثناء الاشتباكات واعتقال عدد منهم، التي باتت تُوثق شهرياً على أيدي مؤسسات مختصة، وعدم إعطاء الأذونات للدخول إلى مناطق الأحداث.

ولا أعرف كيف يأمن الفلسطيني، أياً كان، من استخدام صورته بعكس الاتجاه، فمن الممكن في الإعلام إظهار العرب بصورة سيئة، واستخدامها لدعم الحجة الإسرائيلية على الشاشات الإسرائيلية والعالمية، مكر الإسرائيلي معروف، وإن كان صحفياً فتوقع ما هو أسوأ، وتجاربنا في هذا المجال كثيرة، منها تقرير صوّر مدينة رام الله على أنها وكر للكحول والمخدرات، وقد استند أساساً إلى مقابلاتٍ مع فلسطينيين.

إن كان – لظروف سياسية أو تفاهمات معينة – يُسمح للصحفي الإسرائيلي أن يتجول بحرية في مناطق الضفة الغربية، فليس شرطاً أن يقبل المواطن الفلسطيني – الذي يعتبر نفسه إنساناً وطنياً ومقاوماً – إجراء محادثةٍ مع صحفي إسرائيلي، وبإمكانه أن يصنع حاجزاً بينه وبين الصحفي يمنعه فيه من اختراق شخصه.

ثقافة الدونية والانهزامية أمام المحتل، هي ما تجعلنا نشعر بالرغبة في أن يجري مراسل القناة الإسرائيلية مقابلةً معنا، وهي نفسها الثقافة التي ينظر بها المواطن الصهيوني تجاه الصحفي الفلسطيني، فهو يعتبر إجراء مقابلةٍ مع فلسطيني أمرٌ مهين بالنسبة له، كما أنه يتعامل معه كفلسطيني، ولا ينظر إليه ولو للحظة على أنه صحفي.

[email protected]

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير