مهاترات وطن : شعب يقتات من المصائب فتات الوجود

01.08.2015 04:31 PM

وطن - كتبت نادية حرحش: حرقوا (علي) الرضيع في نابلس ولقد سبقه بالحرق(محمد) مراهق في القدس. ومع نهاية الليل غدرت رصاصات الاحتلال فتى أخر(ليث) من مخيم الجلزون ، ليحرق قلب ام فلسطينية أخرى لتنضم لقافلة الثكلى التي تزيد في الصعود.

كيف يصبح الموت خلاصا في هكذا حياة لبعض الناس . عندما يغيب الحق وتنام الضمائر ويطغو الظلم وينعدم الحياء.

وبينما لا تزال الساحة الاعلامية تعج بالاخبار المتعلقة بمقتل الطفل الرضيع “علي” حرقا ، ويخرج كل صاحب سلطة بالشجب ببيان صحفي او تعليق فيسبوكي . واقتراحات تطرح من قبل قياديين وكأن الحرب ستفتح لنا على ابواب الفيسبوك وسيكون الانتصار قادم لا محالة . فلقد انتصرنا في معركتنا الاعلامية وانتصرنا للطفل الشهيد عندما دكت الهاشتاغات تغريدات الانترنيت وحصلنا على أعلى مراتب الهاشتاغ لليوم . وكجنود من ورق طار نضالنا بعد اول نزول للشارع . الاحتفالات كانت تعج بصالات الافراح والفنادق وبموسيقى صاخبة وألوان زاهية ، حسبت للحظات ان الانتصار قد أتى والاحتفالات قد بدأت . فللحق كان يوما صحبه انجازات فضحنا فيه الاحتلال وبشاعة صنيعه وجاء وقت الاحتفال.

في الطريق ما بين رام الله والقدس، بدت الحياة طبيعية والموسيٍقى الصاخبة تخترق هدوء الليل والاضواء . ولاننا انتصرنا لانفسنا رجعنا الى ما نحن عليه من اقتتال لاي سبب ، واذ بالسيارات والشباب متزاحمون بين صراخ وهتاف واصابات ، ليتبين انها “طوشة” امتدت من شعفاط لبيت حنينا ، لولا تدخل قوات “الاحتلال” الغاشم لتفك القتال وتفرق الجموع المحتشدة الغاضبة .

والفيسبوك والاعلام لا يزالان يحاربان …

فشهيد في الجلزون واشتباكات على نقاط التماس، والقدس تنتصر لضحايا الحرق وتخرج في مظاهرات ..

وبين كل هذه المصائب تخرج حكومة “مجددة” من مخاض ، يعطي تفسيرا منطقيا للحكم الشرعي الذي يقر بأن فترة الحمل والولادة للمرأة قد تصل الى اربع سنوات(الشافعي وأحمد) . وما يجوز بالقاعدة الشرعية في ما يبدو للعقل والمنطق مستحيل ، من الممكن ان يتحقق كذلك كما هو الحال في حكومتنا المؤقتة الانتقالية الوفاقية والتكنوقراطية ميسرة الأعمال حتى الانتخابات بعد ستة أشهر (منذ إعلانها الاول قبل سنوات) . فبينما تبكي الامهات ابناءها وينفض الاباء التراب بعد دفن فلذات قلوبهم، تخرج الحكومة الى الحياة من جديد . تخرج كالمولود المشوه الذي تعفن في الرحم ولم يعد لخروجه طعم ، ووجوده لا يجلب الا الالم والحسرة . في وقت نحن امس فيه من اي وقت اخر لما ممكن حتى ان ندعيه من وفاق ، ينتهي الوفاث المزعوم ، وكأن الحقائب التي شغلها من لا ينتمون تماما لجماعة الحكم عقيدة ومكانا لا تحتمل الانتظار ، فهناك طابور وطني ينتظر دوره في التوزير. وان كانت هذه الحكومة انتقالية فهي في كل يوم تتثبت على الارض وكل صاحب سلطان يزيد في سلطانه . فما من رادع وما من حسيب ولا رقيب. ونتداول بوقاحة مع الحكومة المبجلة ما تم اضافته لزبد القيادة الرشيدة ، وكأن التغيير ممكن والمشكلة كانت في شخص ما او افعاله . فما الفائدة من تعديل لا يحاسب الفاسد ويبقيه ؟ تعديل لا يقدم للوطن الا رصيد اكبر من النفقات على حساب الشعب الذي بات يلهث جوعا.

وتخرج جنازة أخرى ، لشهيد جديد … وتمشي قوافل المتسلقين على مصائب الشعب في العزاء من أجل استحقاق آخر في ظهور إعلامي وشجب ببيان وتنديد وتهديد وعويل.

ليعقبها ربما، كما بالامس، فرح يشارك فيه نفس المعزون من القيادات المنددة الثائرة بالطريق.

انفصام جعلنا نقتات على المصائب ، شعبا وقيادة ، حتى اصبحت لنا وجود.

Share this:

تصميم وتطوير