الحجاب.. يحررنا أم يقيدنا؟ - كتبت:رحمة حجة

03.08.2015 10:50 AM

ذات تصَفُحٍ فيسبوكي، وردَ في منشورٍ قرأته "هو مسيحي بس طيب، هي ست بس جدعة، هو فلاح بس عنده زوق، هي سمرة بس أمورة، هي مش محجبة بس محترمة"، في إشارة إلى تنميطنا وعنصريّتنا التي تنمو معنا، وعلى شاكلة هذه العبارات قس/قيسي في مجتمعاتنا.

وفي سياق هذه الأمثلة، تندرج عبارتان "محجبة بس مرتبة" و"محجبة بس مِزِوقة"، اللتان تأتيان في محل إثبات صفة منفيّة –بالضرورة- عن ملابس المحجبات.

ولا يزال الحجاب -بنظر الكثيرين- يجرحُ أناقة المرأة ويُبقيها في حقبة قديمة لا تستطيع معها مواكبة العصر بكل ما فيه من تغيّرات. وخلال الأعوام العشرة الأخيرة، ومع شيوع القنوات الدينية، وظهور الفنانات المعتزلات في البرامج الدعَوِيّة، كانت ملابسهن المزركشة والملونة إضافة إلى طرق ارتداء الحجاب المتنوعة تلفت انتباهنا، وقد نُقلدها.

أضف إلى ذلك ازدياد عدد مصممي الأزياء -النساء منهم خاصّة- اللواتي بتن يُروّجن لتصاميم فريدة ومختلفة للمرأة المحجبة، أبعد من فكرة "العباية"، التي ما زالت تحوز على مكانة عالية في دور الموضة العربية.

ومؤخرًا، تحديدًا في آخر ثلاثة أعوام، انتشرت مدونات الــ""Models من النساء المحجبات عبرَ مواقع التواصل الاجتماعي. يُصدّرن يوميًا آلاف الصور إلى الفضاء الإلكتروني، التي تعكس أذواقهن في الملابس "المعاصرة"، إضافة إلى فيديوهات تشمل نصائح في تنسيق الملابس والماكياج والإكسسوارات، وغالبيتهن يسوّقن لماركات عالمية (أوروبية وأميركية) إلى جانب التركية، التي تسيطر على السوق المحلية.

وفي "إنستاغرام" و"يوتيوب" و"فيسبوك" لا نلبث  حفظ اسم من أسمائهن حتى تظهر عشرات الأسماء الأخرى، اللواتي لا يعملن كــ"Models" بالضرورة، إنما وَجدن في هذه المواقع سبيلًا للترويج لأنفسهن من خلال هواياتهن في التسوق و"مساعدة" التائهات في عالم الموضة، ما يخلق أنساقًا متشابهة لمظهر المحجبات حول العالم.

أنا شخصيًا، كدتُ أتورط في خلق نسق مماثل، ردًا على المُروّجات للماركات العالمية ذات الأسعار الباهظة، بنظائر أزهَد سعرًا وتصاميم أكثر بساطة وعملية، لكن هذا لن يُحدث فرقًا، ما دمتُ وإياّهن لن نخرج عن فكرتنا الدفاعية التي تشبه في منطقها "الكوتا النسائية" داخل البرلمان.

ونحن إذ نتحوّل إلى "Models" لعرض هذه الملابس، نكرّس فكرةً دفاعية مضادّة عن أن المرأة المحجبة يمكنها أن تكون أنيقة وعصرية لدحض الصورة الدارجة عنها. وبالطبع تندرج معايير "الأناقة والعصريّة" تحت سقف دور الأزياء العالمية، من حيث تنسيق الألوان وأنواع الأقمشة وتصاميم الأحذية... إلخ.

كما يجدر الذكر، أننا –كنساء- نثرثر في أحاديثنا الشخصية عن طبيعة ملابس المحجبات وغير المحجبات وإظهار الفروق الواضحة التي تتعدّى المظهر الشخصي إلى الانطباع العام، ما يقودنا لـ"التحسّر" أحيانًا بسبب مُعطيات الحجاب.

من أحاديثنا مثلًا: غير المحجبة تستطيع أن ترتدي "تي شيرت" وبنطال "جينز" مع حذاء خفيف وتكون بكامل أناقتها، بينما تحتاج المحجبة العديد من القطع فوق بعضها حتى تكون في مظهر "مناسب" قد يجعل منها حبل غسيل متنقل في أحيانٍ كثيرة، خاصّة إذا ارتدت عديد الألوان وأنواعًا مختلفة من الأقمشة. وعن الانطباع تظهر الأولى "بسيطة" بينما الثانية "فوضوية".

وربما في موضة هذا الصيف فقط إضافة إلى الشتاء الماضي، بتنا نجد قطعًا كاملة من الملابس، لا تحتاج إلى مكمّلات "فساتين (ماكسي) وقمصان ذات أكمام طويلة"، علمًا أن ذلك لم يأت لحاجتنا بل لأن دور الأزياء الأوروبية وشركات الملابس الأميركية قررته. ونحن نرتدي النُسَخ المقلدّة التي تكتسح أسواق العالم، ونحن تحت أمرها، كما نأتمرُ لها في أمور أخرى عديدة.

ختامًا، أعتقد أن محاولتَنا كمحجبات يلهَثن خلف "العصريّة"، تكاد تكون لإقناع أنفسنا والآخرين بأن الحجاب يتماشى مع كلّ موضة حتى لو صرفنا مبالغ طائلة عليها، كما تنأى بنا عن حب الحجاب لذاته، وتُضمر خوفًا من أن يحرمنا الحجاب ارتداء ما نشتهيه، وهنا مثار السؤال: الحجاب.. يحررنا أم يقيدنا؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير