المتطرفون اليهود: ذخيرة الأحزاب الحاكمة

03.08.2015 05:17 PM

وطن: كتب حلمي موسى 

ذَكَّرَت عمليةُ حرق عائلة دوابشة في قرية دوما قرب نابلس بعملية حرق الشهيد محمد أبو خضير في القدس المحتلة العام الماضي، ولاحظ كثيرون أن الأيدي المنفذة واحدة وأن منطلق ارتكاب الجريمة واحد وهو كراهية العرب بلا حدود.

وإذا كانت أحداث الماضي قد أتاحت الفرصة مرارا للقيادة الإسرائيلية لادعاء أن ما حدث مفاجئ، فإن حدود الجريمة لم تفسح المجال هذه المرة لا للإعراب عن المفاجأة ولا حتى التنديد. كثيرون حملوا المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية المسؤولية عما جرى، لأن العنوان كان مكتوبا على جدار منزل العائلة المحترق "الانتقام".

فأغلب التحريض ضد العرب لا يأتي من جهات هامشية في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وإنما يأتي من صلب المؤسسة الحاكمة. وبالرغم من تكرار الحديث في وسائل الإعلام وفي الخطاب السياسي الإسرائيلي عن "إرهاب يهودي" فإن المؤسسة الحاكمة لم ترَ فيه أبدا أي خطر عليها، وكثيرا ما تعاطت معه على أنه واحد من أدواتها القمعية. ونادرة هي الحالات التي تم فيها تقديم مجرمين يهود للمحاكمة، وغالبا ما كانت الجرائم التي يرتكبها مستوطنون معروفون تسجل ضد مجهول.

واعتبر الكاتب يوسي يهوشع من صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أن عملية إحراق العائلة في دوما والتي كان من بين ضحاياها الرضيع علي دوابشة، تعد "الفشل الأكبر للدائرة اليهودية في جهاز الأمن العام (الشاباك) في السنوات الاخيرة". وأشار إلى أنه أُحْرِقَت البيوتُ والمساجدُ والحقولُ مرارا في المناطق المحتلة، ولكن المذنبين لم يتم اعتقالهم. كما لم تحدث عمليات وقائية لمنع أو التشويش على هذه الأعمال. وأكد أن هذا الفشل مثير للغيظ خصوصا إذا ما قيس بنجاح الأجهزة الإسرائيلية في إحباط "النشاطات الفلسطينية المعادية لإسرائيل". وقد حذر ضابط رفيع المستوى من التعاون الذي تحظى به جماعات التطرف اليهودي من رجال أمن وجيش، موضحا أن هذا التعاون يجب أن يثير القلق جدا.

وقد بادرت معظم الجهات الرسمية الإسرائيلية هذه المرة إلى اعتبار ما جرى في دوما عملا إرهابيا. وليست هذه هي المرة الأولى التي توصف فيها جرائم اليهود ضد الفلسطينيين بالإرهاب. ومع ذلك فإن وصف هذه الأعمال بالإرهاب لا يعني أبدا أن المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية تتعامل معها بوصفها إرهابا فعليا.

وليس صدفة أن جدعون ليفي في "هآرتس" عمد إلى شرح أسباب عدم التعامل مع الإرهاب اليهودي على أنه إرهاب، فكتب أن لا فارق بين أن تحرق طفلًا حرقًا وأن تقتل 500 طفل في حرب غزة الأخيرة بقذائف المدفعية أو الدبابات أو الطائرات. واعتبر ليفي أن مشتل انتاج حارقي عائلة الدوابشة هو الجيش الإسرائيلي، وأنه عندما يغدو إطلاق النار على الفلسطينيين عادة يومية تقريبا فلماذا نعتب على حارقي المنزل في دوما.

ورأى معلقون آخرون أن الجريمة لم تبدأ بحرق منزل آل دوابشة وأهله نيام في دوما، وإنما بالتحريض الدائم وشحن الأجواء لتشجيع هكذا عمليات ضد الفلسطينيين.

وتبارت الصحف الإسرائيلية في الإشارة إلى جرائم الإحراق السابقة التي نفذتها جماعات يهودية متطرفة ضد فلسطينيين. ونشرت الصحف عن تقرير لمنظمة "هناك قانون" أنه منذ العام 2008 وقعت 15 حالة موثقة لإحراق بيوت لفلسطينيين في الضفة الغربية، وفي 12 حالة منها تم تقديم شكاوى للشرطة الإسرائيلية التي أغلقت عشرة ملفات منها من دون توجيه أي لائحة اتهام.

وأشار التقرير مثلا إلى ثلاث حالات إحراق بيوت في قرية بورين في شهر حزيران العام الماضي، وانه لو تعاملت معها الشرطة بالشدة المطلوبة لأمكن الحيلولة دون حرق عائلة الدوابشة. وأشارت تقارير أخرى إلى أن هذه الجماعات أحرقت في السنوات الأخيرة ما لا يقل عن 25 مسجداً وأن خمسة بيوت للفلسطينيين أحرقت بالكامل وبأعجوبة لم يحرق سكانها.

وفي كل حال، وبالرغم من أنه سبق وتشكلت في إسرائيل منظمات سرية تعمد إلى استهداف الفلسطينيين من منطلق أن ما تفعله الحكومة وأجهزتها غير كاف، إلا أن أيا منها لم تصنف كمنظمة إرهابية. وقد تبنت الصهيونية الدينية قتلة متطرفين أمثال عامي بوبر، وباروخ غولدشتاين، وعيدن نتان زادة، ويعقوب تايتل، واعتبرتهم رموزا لها. واستمر أنصار هؤلاء في إحراق الكنائس والمساجد والبيوت وصاروا يسمون أنفسهم "شباب التلال" وأصحاب "شارة السعر". ولم يعد هناك من يقول إن هؤلاء "أعشاب ضارة"، بل صار ثابتا وواضحا أنهم صاروا حقولا كاملة وهي تزداد اتساعا.

ونقلت القناة العاشرة عن ضابط استخبارات رفيع المستوى قوله إنه في السنوات الأخيرة تطورت ظاهرة "شباب التلال" وصارت تنظيما سريا اقترف في السنوات الأخيرة عشرات العمليات ضد الفلسطينيين تحت اسم "شارة سعر". وبكلمات أخرى، فإن صليات الإدانة التي انطلقت على أعلى المستويات من جهة الحكومة لن تغير الواقع أبدا. فالمستوطنون عموما ورأس حربتهم الميدانية "شباب التلال" هم ذخيرة الأحزاب الحاكمة الأكثر نجاعة. ولذلك يصعب تخيل إقدام حكومة نتنياهو على خطوات لتقييد ظاهرة التشدد في صفوف المستوطنين عن طريق الشروع باعتقالات إدارية أو تنفيذ اعتقالات جماعية كما يحدث عند الفلسطينيين.

تصميم وتطوير