مهاترات وطن : قلنديا: مطار ،فمخيم ،فحاجز…فتجسيد وانعكاس لواقع مرير

05.08.2015 03:18 PM

وطن - كتبت:نادية حرحش: المشوار إلى رام الله العابر من قلنديا، مشوار أتجنبه بكل ما اوتيت من مقدرة على تلاشي المرور في ذلك الطريق. فليس هناك الكثير لرؤيته برام الله ربما، فبعد الوصول كل ما ينتظر الزائر فقاعة لحياة تبدو متطايرة داخل فقاعات من الصعب فهمها او تحليلها لأن من يعيشون بداخلها منغمسون كالاطفال بملاحقة تلك الفقاعات.

الا ان رام الله تبقى بعد الوصول اليها من ذلك الطريق العابر من القدس من خلال حاجز قلنديا، وكأنها عروس بهية.
يبدأ المشوار عادة بسب الاحتلال ولعنه. فذلك الحاجز المحاط بجدار الفصل العنصري وبوابة ودوار وراء دوار يتداخل بهم الجدار والذي تحول في اماكن لمساحات اعلانية وفي اماكن اخرى لتلك الكاريكاتيرية منها والفنية. ومهما اتقن الاعلان او الرسوم فكلها محاطة بمنظر يغلب دائما على كل جوانب الطريق من زبالة بكل الالوان والاحجام والاشكال. ناهيك عن الباعة المتجولون من الأطفال في الغالب الذين يعترضون طريقك بعد دخولك من الحاجز باتجاه رام الله ويرمون انفسهم على سيارتك وانت في غمرة التركيز محاولا تجنب دهس مار ما بالشارع.

فلا تكاد تصل الحاجز، ولا تزال تسب الاحتلال، وللحظات تتمنى لو تظهر دورية شرطة او الية عسكرية وتعترض اولئك المستهترون الذين يزيدون من طين الأمة بلة. فبلحظات يتحول الخط الواحد الى خطوط متداخلة وتفقد الاحساس بالزمن والمكان. وكآنك محشور في علبة سردين يتم زجك فيها لاغلاقها عليك. وما تلبث تمر من ازمة خانقة تسب فيها الاحتلال تارة لتعيد النظر وتنهال بالسب بالعلن والخفاء على هذا الشعب المتماثل امامك وكأنه جموع من الحيوانات آخرجت من قفاصها لبرهة ولا تعرف كيف تتصرف خارج الاقفاص.

في ظل ذلك الزحام الخانق والتسابق من اجل المرور في مكانك، تطوف فوقك ومن حولك كل الافكار وتتراطم على ذلك الجدار وتلقي بنفسها مستسلمة على الحواف بين القمامة. وتعود وتتساءل ما الذي يجري ولماذا. وتعيد الكرة وتلعن الاحتلال. فوجود هذا الحاجز تجسيد للقهر والظلم والاستعباد حتى. فهو تجسيد حقيقي وحي على التأكد من العودة بهذا الشعب فقط الى الوراء وفي احسن الاحوال ابقائه كما هو يدور حول نفسه حتى يتعرق من الدوران وتجوب رائحته المكان نتانة ويتحول يوما بعد يوم الى بؤرة تشبه ذاك المكان. فالمشهد فقط يزداد سوءا في دوران يبدو بآنه مبرمجا حول تلك الجدران.

وما تكاد تخرج وتأخذ النفس وتقول …"قربت" لم يبق الا كيلومتر او اثنان، تشعر بالشارع يرتطم بعجلات السيارة بينما لا تزال منغمسا بالانتباه الى المارة الذين يمشون بالشارع وكآنهم سيارات. يبدأ الشارع بالارتداد وتفكر لوهلة جديدة غيماوية، ماذا سيحل بي اذا ما فقع العجل، ما تكاد تنتهي من تلك المطبات من الشارع حتى تصاب بدوران. الا انك تعي بعد لحظة جديدة بانك لست مصابا بآي دوران . هو الشارع فقط الذي بدأ بالاتساع وبطريقة مذهلة يتوقف عندك التمييز عن اتجاه الشارع المناسب . ما هي الطريق . من الذي يسلك الاتجاه الصحيح انت ام هم. ولماذا لا تفهم. لما السير في عكس السير، وانت لا تزال تتمتم بصلوات تارة لكي لا تقع بشخص يمشي في وسط الطريق او طفل يقفز امامك فجأة، وتسب تارة لاعنا تلك اللحظة التي فكرت فيها بالخروج من منزلك، لترى نفسك وكآنك في وسط شارع سريع يقف من يريد التوقف في وسط الطريق عادي. اشارات مرور لا تعمل، وان عملت لن تجدي نفعا ..عادي ايضا.

ويصادفك دوار واشاره وازمة تشبه ازمة الحاجز ولكنها بلا حاجز. تتلي صلواتك الاخيره مره اخرى، فانت لا تعرف ان كنت ستصل الى مبتغاك بعد هذه اللحظة. اتسرع ام تبطئ. من اين تظهر تلك الشاحنة بسرعة جنونية او تلك المركبة العمومية المليئة بالركاب وكأنهم برحلة في مدينة الملاهي، ولا تعرف اانت تخاف من حادث يبدو وكانه سيكون محتم على نفسك ام على كل اولئك الضحايا الاخرون معك في تلك الحافلات.

وتصل رام الله اخيرا … وتبدو فعلا مثل الحلم، وتبدأ فقاعاتها تتطاير امامك وانت تبتسم ابتسامة عريضة. لانك وصلت اخيرا على قيد الحياه. لان مسافة الكيلومترات المحدودة انتهى الزمن اللا محدود فيها اخيرا ووصلت. ام لان الناس قد تبدو مثلك الان بعد ذلك السيرك البشري الذي خرجت لتوك منه.

وتنظر حولك ومباني رام الله الغريبة الكبيرة الجميلة العالية المنخفضة الضخمة والتي تأخذ حتى شكل سفينة تايتنيك ربما اراد مهندسوها في ذلك التصميم البحري الجميل ، للحظات تظن ان الشاطىء ايضا سيقفز امامك. وتستمر رام الله ترمي وتطاير في فقاعاتها امامك وتستمر بالابتسامة العجيبة .لا تعرف اين انت ولما اتيت الى هناك اصلا.

تعود وتتفكر في الإحتلال ….الاحتلال .. لا يزال متجسدا وبقوة. الاحتلال يشبه بصنيعه بنا: حاجز قلنديا … يفعل فعلته ويقف على منصات حواجزه لنمر او لا نمر مثل البهائم.. ونحن فيما بين تلك الحواجز اصبحنا بهائم حقيقية … اختلافها الوحيد هو انها لا تمشي على اربع ونفهم ما تقول لاستعمالها نفس اللغة المنطوقه.

فالوطن كقلنديا التي كانت تشتهر بمطار دولي، لتصبح حاضنة لمخيم، ليصبح المخيم طريقة حياة وينسى الوطن ويبقى الصراع على البقاء من اجل بقاء لا يمت للوطن او لما كان مواطنا بصلة…

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير