مهاترات وطن : ويكيليكس البلد ... الفساد المستفحل فينا

08.08.2015 06:04 PM

وطن - كتبت نادية حرحش: عندما اجتاحت وثائق ويكيليكس العالم ، تسلينا كغيرنا ولم نفهم او نعي بالضرورة أهمية هكذا تسريبات سوى الشق الفضائحي منها . وعندما خرجت تسريبات بمحاضر مكتب المفاوضات ، لم نتأثر كثيرا بها ، وخصوصا ان مصائبنا عادة تغطيها مصائب اخرى تلهينا . فكانت فضيحة غولدستون اكبر وغطت على كل الفضائح حتى ولو كانت بحجم مكتب المفاوضات .ولاحظ قادتنا بان جرعة اللاشعور عندنا كشعب مؤثرة ودائمة . والذاكرة الجماعية على ما يبدو قصيرة المدى وموقوتة . الوعي في حالة غيبوبة لن يصحو منها.

التسريبات الجديدة لمراسلات السلطة المختلفة ليست بالجديدة ولا الغريبه كذلك. الا انه كما يبدو ان وعي الجمهور للامور يحتاج ما يهزه من الداخل ليتأثر . حالنا يشبه البركان الخامد . لا يعرف احد متى سيتفجر وكيف . وقد يستمر في خموده لسنوات وعقود . ربما كنا بحاجة لسارة وأقساط مدرستها لنضع علامة استفهام كبيرة امام اعيننا . وكنا اكثر بحاجة لرد كرد ابو سارة على أحقيته بهكذا مطالبة  كموظف حكومي . وقد تبقى مشكلتنا بقسط سارة المدرسي كمشكلات بالكبائر من الأمور . فلا يتعدى رد الفعل عندنا على فشة خلق تتراوح بين المزاح الساخر والانتقاد الغير بناء . فلا تتجاوز ردات فعلنا الصياح الذي يذهب اثره بعد انعدام الصدى منه.
وان كانت سارة وأقساطها الباهظة لا تشكل مؤشرا ذَا أهمية قصوى لانعكاس ما يسمى فساد . فالتسريبات الجديدة بخصوص الحي الدبلوماسي تجعل من ذلك المؤشر بهلواني الحراك . فالمصيبة ليست بما نرى امام اعيننا من إثباتات على هوان الحال وانحداره. فما نراه من هذه الوثائق اليوم ليس بالغريب ولا المفاجئ ، ولكن ربما يقع علينا المثل القائل :"شوف العين بيهد الحيل ". لان احاديث الفساد المختلفة التي تبدأ من اقساط مدرسة او جامعة وتلك التي تنتهي بمستقبل الشعب يتم تداولها بالعلن وبالخفاء. وأصبحت لسان الحال الفلسطيني وموضوع النميمة الشائع .


ما بين سارة وأقساط مدرستها ، وبين الحي الدبلوماسي وحماية أراضي فلسطين من الهجمة الاستيطانية . الحالتين بلا تهكم حالتان بهما من الأحقية ما هو صحيح وطبيعي . ولكن الفرق الصغير بين ما تم تداوله من اقساط مدارس لمعظم طلاب الوطن بمدارس الوكالة المهددة اليوم بالإغلاق . فإذا ما كان هناك مئة كسارة من أبناء وبنات اصحاب السلطة ( ولنا ان نتخيل ما الذي يطلبه من هو بأعلى مركز من مدير المعابر او السفير. بين من يطلب قسط مدرسة لابنته وقسط جامعة لابن أخيه) ، لَما احتجنا لوكالة الغوث لتغيث مدارس اللاجئين . ومساكن الدبلوماسيين الذين لا مأوى لهم ، لا تزال بعبارات الرسالة تجبرني على الضحك . نعم... التهكمي منه . فهذا كذلك يشبه من يتسول من اجل بناء فيلا. الحقيقة هي كذلك بالضبط . المؤسف فيما يتم تداوله من فضائح صرنا نراها بأم أعيننا ، بأنها أصبحت علنية . فلا أولئك المنتفعون خجلون مما يقترفوا . ولا نحن الشعب المتلقي متأثرون . فالجواب لدى الجميع واضح : ما هو الجديد ؟ هيك الوضع من زمان . والكل ينتظر يوم تفنى فيه هذه السلطة او تأتي مصيبة تخلصنا منهم ونشمت لبعض اللحظات .

فحالنا ليس أفضل من حالهم . فعيشنا على المصائب المنتظرة لن يكون هو الحل . وترزقنا وانتقامنا على فتات الفساد كشعب لن يكون حلا دائماً كذلك .

فالفساد منظومة تتفشى في سائر أرجاء الوطن ، كالسرطان الذي يتفشى الجسد اذا ما اصابه . السكوت عن الفساد فساد . وحالنا اليوم هو حال فاسد . لم يعد يؤثر فقط بأولئك الذين يمارسونه . فنحن الذين نرى الفساد بأعيننا ونشارك في انتشاره مسؤولون وجزء من هذا الفساد.

حالنا يتحول من حال محزن مزري معيب إلى مخزي . والخزي والعيب يطالنا . يطالنا بسكوتنا .

وقد يكون تساؤلي بهذه اللحظة هو تساؤل الجميع . أين هيئة الفساد ؟ وأين أمان والهيئات المستقلة الكثيرة الاخرى ؟ أين القانون ؟ أين الهيئة المستقلة لحقوق الانسان ؟

هل هم كذلك ممن يبعثون هكذا رسائل فيها مطالبات للرئيس ورئيس وزرائه ؟ ما يجري تعدى الفساد وأصبح انتهاكا صارخا لحقوق الانسان . فمن المعيب ان يكون هناك شعب لا يزال يقدم ابناءه فداءا لقضية . لشعب في كل بيت فيه ام ثكلت بابنها . لوطن لا يزال الاحتلال يغتصبه في كل يوم . ان يكون الفساد هو حاله .
ولا أنكر ان اليأس ينتابني بينما أخط كلماتي . وأعيد تكرار السؤال على نفسي . ما الحل الذي تريدينه؟ ما الذي ممكن فعله ؟
هل المظاهرات هي الحل ؟ الانقلاب ؟ وسرعان ما اخمد هذا السؤال في داخلي . لاني اعترف باني لا اريد هذا . لا اريد فوضى في ظل احتلال ينتظر المزيد من الانحدار ليتم خططه في ردمنا . اعترف باني لا اريد شماتة العدو فينا . اعترف اننا كشعب ومع مرارة الحال تحت سلطة فقدت البوصلة ولا تزال تتخبط في نفسها وفينا ، بحال افضل ولقد اصبح لنا كيان معرف به إستقلالية من الممكن بناء فيها ذاتنا الذي بدده الاحتلال وشتته. ولا اعرف ان كان صراخي الان صراخا فارغا ، لانه بالفعل لن يغير شيء ولن يوقظ ضمير في حالة خمود . الا انني لا زلت على أمل بان هناك صحوة لابد ان تحدث في وعينا الذاتي اولا. هناك ثورة نحتاجها بداخلنا قبل ان نخرج الى الشوارع . لان الفساد القائم جزء منا. فسكوتنا عن هذا الحال ليس مصادفة ولا ضعفا . بل نحن في معظمنا جزء من هذا الانتفاع المباشر والغير مباشر من الفساد . الانهيار المتمثل بالمنظومة الاخلاقية . غياب الوعي والاحترام . هذه الحالة من الغوغائية . هي المسبب الأكبر والرئيسي في حالة الفساد .

لن أتردد بإلقاء اللوم على الرئيس ورئيس حكومته بالقبول بمثل هذه التجاوزات التي أوصلتنا بهكذا حال معيب ومخزي . الا ان حالة عدم الخجل من أولئك الذين لا يترددوا في هكذا مطالب . والذين يروا بان ما بهذا الوطن وما عليه استحقاق لهم ، وإن لمتهم . فاللوم الأكبر علي انا المواطن . المواطن الذي يعرف ان فلانا فاسدا وعلانا افسد ومع ذلك يتسابق لرضاه واسترضائه . فَلَو شعروا أولئك باحتقار الناس لهم لانزوا واختفوا . الا انهم يتغذون على نفاقنا . فنحن من يمدهم بالقوة والاعتراف . نحن كذلك أصبحنا مثلهم ننتظر فرصة للانقضاض .فسكوتنا ليس استياءا ولا انحياز . بل سكوت شيطان ينتظر فرصة قد تعطيه ما أعطتهم .
واعود وأقول ... ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير