مهاترات وطن: مين اللي سرب المراسلات؟

09.08.2015 04:42 PM

وطن - نادية حرحش:مبدأ الحمار والجزرة يبدو وانه سيصبح "متلازمة" (سيندروم)، ولكن سيتم تطويره من القصة الاصلية الى القصة الفلسطينية. ففي القصة الأصلية، يقال ان صاحب الحمار ربط الجزرة أمام الحمار بالعصا وصارت أمامه يلاحقها، بغية صاحب الحمار بإغراء الحمار بالغنيمة (الجزرة) عند الوصول. بتلك القصة كان صاحب الحمار يصل الى مبتغاه بخدعة الحمار. إلا أن بالقصة الفلسطينية صار الحمار وصاحب الحمار يسعون إلى الجزرة واعتبارها الهدف والغنيمة.

لا اعرف إن كانت "فشات الخلق" الفيس بوكية وغيرها في تهكماتها وتساؤلاتها "تفكفك" من هول المصاب أم تزيده تعقيدا؟ وبين هرجنا ومرجنا، يبدو ان الحكومةالقيادةالسلطة أخذت الموضوع على محمل الجد، وبدأت منذ صباح اليوم بالعمل الأثيث (كثير وعظيم) في البحث عن "المسرب".

هناك مشهدان يخطران في بالي بينما افكر في رد الفعل من هذه الناحية. مشهد لبيت تم سرقته بينما كانت الأبواب مفتوحة. ومشهد لبيت موقوف، استباحه الناس لانعدام سبب الوقف عليه. وفي الحالتين التفتيش عن السارق لا يجدي، هذا ان كان هناك صفة سارق على السارق. فمن الطبيعي بالنسبة "للسارق" هذا ان يظن ان الوقف ملكية عامة واخذ ما يحتاجه حلال. كما من الممكن ان السارق في الحالة الاولى أحسن الظن في ما سرق، ظنا منه ان لا سرقة اصلا واقعة في بيت بابه مفتوح.

وطبعا تبريري لهكذا مشاهد لا يعدو التهكم كذلك. لأن الموضوع ليس "مين سرب المراسلات ؟"

لا انكر شعوري بالاستياء من هكذا استهتار فينا كشعب، على ما يبدو لا يرقى الى درجة اعتراف مسؤوليه به. واذا ما احكمنا المنطق هنا، ربما تكون هذه المعضلة سهلة الفهم. فلما يحتاج المسؤول عادة استرضاء المسؤولين منه؟ في العالم الطبيعي كلمة مسؤولية تتحمل معاني افتقدت كل مضامينها في حالتنا، ومن ضمن هذه المعاني تتكون العلاقة بين رضا الـ"المسؤولين من بأداء "المسؤول عنه" لاستمراه. في حالتنا، لا يحتاج "المسؤول عن" اي قبول او رضا من الفئة المحكومة "المسؤولة منه" لانه موجود بفعل قوته وسلطته وحزبه وولائه وقدرته على المطالبات كتلك التي يبحثون اليوم عن مسربها.

نحن أبقينا سلطة انتهت صلاحيتها تحكمنا وشاركنا الرهبة من الخوض بانتخابات جديدة خشية نتائج لا نريدها. وتربع كل منا على كرسي، بمنصب وبلا منصب، كل على امكانيات واسطته وقدرته على الوصول بمراسلات لشخص ما اكبر واهم ليبقيه على كرسي يؤمن وجوده في هذا المكان. اصبح حالنا حال الكراسي. فكل ملاصق لكرسي يخشى الزحزحة عنه من الوزير الى الغفير.

ولربما الالتهاء "بمن سرب المراسلات" أسهل من فتح ملفات المراسلات من سارة الى ابن اخ مجدي الخالدي. وكلنا نعرف وندرك حجم هذه المراسلات وندرك كذلك ان المطالبات كهذه هي ابسط ما ممكن ان نراه. ولن استغرب اذا ما كان المسرب لا يريد بنا سوءا اكثر بتسريب ما يمكن ان يؤدي الى سكتة قلبية جماعية للشعب. فبعدها لن يكون هناك جمهور لا للمسرب ولا للمتسرب منه. سؤال من هو المسرب ولماذا يسرب وكيف، يبدو بكل من تلك التساؤلات بالسؤال الساذج لأن من قد يكون اي احد. قد يكون موظف "فاقعة مرارته" من كثر المراسلات والتي تلف على العشرات من الأيدي والعيون التي ترى وتنفذ وتتحسر او تلطم او تسرب لعل أذن صاغية سمعت وقلب استيقظ من غشيته الطويلة. في الحقيقة كل مسرب يجب ان يكافأ، لانه يرى الباطل ويحاول ان يسويه او يقومه بالطريقة الوحيدة الممكنة في ظل الفجور السلطوي القائم.

ربما هذه التسريبات ترهب اولئك الكثيرون كما يتم القول لنا الآن والتأكيد لكي لا نهول من موضوع سارة وابن آخ د.مجدي. يعني مثلا لو فكر الطالب والمتلقي بالايدي والعيون التي تمر المراسلات كهذه من خلالها لفكروا عدة مرات. المصيبة في حالتهم، انه من الصعب فعلا ان يعرفوا من هو المسرب لكثرة الأيدي التي من الممكن ان تكون هذه المراسلات قد مرت بهم ومن خلالهم ولهم.

فالحل الامثل لهم ان يكفوا عن هذه المراسلات ويذهبوا مباشرة للرئيس ورئيس حكومته مثلا، قد تؤدي هذه الى بعض الخجل والحياء احيانا. فطريقة مراسلة ابو سارة مثلا، تبدو وكأن الرجل "متعود". ومراسلة الخالدي بخط اليد، حتى انه لم يراعي فيه "بروتوكولات" المراسلات، يعني، كيف واحد بكتب للرئيس هكذا مراسلة. فلو كان عليه الذهاب بنفسه للطلب في كل مرة سيكون صعب. ومن غير المعقول (لا اظن ان هناك ما هو غير معقول عند انعدام الحياء) ان يجلب معه عدة مطالبات للتنفيذ انقاذا للوقت.

وختاما، قد يكون المشهد الخيالي هذا افضل المشاهدات التي يحيكها رأسي وسط هذه المهاترات. "طوابير من "طالبي" الخدمات والاعفاءات والمنح والأقساط والوظائف والترقيات وتغطيات لسفر او رحلة او بيت او موبايل او سيارة او او او او …على باب الرئيس ورئيس الوزراء".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير