التكامل العربي ضرورة لحل أزمة الفجوة الغذائية

03.09.2015 06:02 PM

وطن - البديل: لا شك أن قضية الأمن الغذائي من أهم القضايا التي برزت في الآونة الأخيرة، وأصبحت واحدة من أهم خمس مشاكل رئيسية تواجه العالم النامي (الغذاء- المياه – البطالة – الديون الخارجية – التلوث).

ويلعب قطاع الزراعة دوراً هامًّا وحيويًّا في الاقتصاد القومي المصري، فهو القطاع المسئول عن تحقيق الأمن الغذائي للشعب المصري، ومن بالتالي الحفاظ على الأمن القومي، ويعمل في هذا القطاع نحو 34% من القوى العاملة، ويساهم بحوالي 18% من الناتج المحلي الإجمالي، وبنحو 15% من قيمة الصادرات الكلية، وهو أساس القطاع الريفي الذي يمثل أكثر من 50% من عدد السكان.

ويقوم على منتجات هذا القطاع عدد كبير من الصناعات المصرية، كالصناعات الغذائية والدوائية وصناعات الحلج والنسج والغزل والزيوت والأعلاف الحيوانية والداجنية وغيرها، كما أن هذا القطاع يستوعب منتجات عدد من الصناعات، مثل الأسمدة الكيماوية والمبيدات الزراعية والآلات والمعدات الزراعية وصناعات البلاستيك والبولي إيثيلين وغيرها؛ إحداثاً لما يعرف بالتكامل الزراعي الصناعي.

ومع زيادة السكان في مصر تزداد الحاجة إلى تنمية القطاع الزراعي بمعدلات تفوق معدلات النمو السكاني؛ مما قد يضطرنا إلى الاستيراد لتغطية الاحتياجات الغذائية المصرية، ومن ثم الإخلال بالميزان التجاري المصري بما له من آثار سلبية على الاقتصاد القومي.

وأكد الدكتور على إبراهيم، خبير التنمية الزراعية، في دراسة له بعنوان "الأمن الغذائي العربي ومقومات تحقيقه" أن الحكومة المصرية تبذل جهودًا كبيرة لزيادة معدلات التنمية الزراعية، واستهدفت استراتيجية التنمية الزراعية حتى عام 2017 تحقيق معدل نمو يصل إلى 4.1% من خلال التوسعين الرأسي والأفقي، لتوفير الغذاء الصحي بشكل يستطيع تكوين البنية الأساسية الصحية للمواطن المصري؛ لكونها إحدى قضايا الأمن القومي، فبعد الثورة في 25 يناير لا مجال لاستمرار سوء الإدارة للموارد المؤثرة على عملية التغذية للمواطن المصري والتي عانى منها كل المصريين في الفترات السابقة.

وأشارت الدراسة إلى أن نهاية القرن العشرين شهدت العديد من التحولات والتغيرات الاقتصادية الهامة التي من أبرزها انهيار الاتحاد السوفييتي وانضمام العديد من الدول إلى المعسكر الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة، وقيام المنظمة العالمية للتجارة، وتحول العالم إلى التكتل والاندماج، ومثل هذه التغيرات سوف تلقى بظلالها على جميع دول المنطقة العربية، فهي بحكم موقعها الجغرافي وأهميتها الاستراتيجية ليست بعيدة عن هذه التغيرات من حيث إنها سوف تتأثر بها وتؤثر فيها، مؤكدة أن تحرير التجارة العالمية له تأثير قوي على الواردات العربية بصفة عامة والغذائية بصفة خاصة، لا سيما وأن الدول العربية تعد حاليًّا من أهم مناطق العالم استيرادًا للمنتجات الزراعية وأكثرها اعتمادًا على الخارج في توفير احتياجات سكانها من الغذاء.

وأوضحت الدراسة أن هناك العديد من الدراسات التي حاولت تقدير الخسائر التي تتكبدها الدول النامية، خاصة مصر، جراء تحرير التجارة العالمية للسلع الغذائية، حيث من المتوقع أن تتحمل مصر أكبر قدر من الخسائر (حوالي 172 مليون دولار /سنة) تليها الجزائر (91 مليون دولار/ سنة) ثم سوريا (37 مليون دولار / سنة) ثم تونس (25 مليون دولار / سنة) يليها الأردن (14 مليون دولار / سنة) والسودان (10 مليون دولار / سنة)، متوقعة أن تكون دولة البحرين من أقل الدول العربية ضرراً، حيث لن تتعدى خسارتها الكلية 2 مليون دولار في السنة.

ولفتت الدراسة إلى إن التأثيرات السلبية لمنظمة التجارة العالمية على المنطقة العربية لن تتوقف عند هذا الحد، بل إنه نتيجة لسريان اتفاقية حماية الملكية الفردية، فإن الدول العربية سوف تعاني من صعوبات شديدة في الحصول على التكنولوجيا الحديثة اللازمة لتطوير وتحديث وسائل الإنتاج؛ مما سيزيد من خطورة المتغيرات العالمية على اقتصاديات الدول العربية بصفة عامة وعلى أمنها الغذائي على وجه الخصوص ما لم تتخذ الدول العربية مجتمعة الوسائل والأساليب اللازمة لكي تواجه هذه الأزمة، وتعمل على تقليل الأخطار المحتملة؛ سعياً وراء تحقيق الأمن والاستقرار الاقتصاديين.

وعرضت الدراسة بعض الأطروحات لتحقيق الأمن الغذائي المستقبلي والذي يستلزم أن تقوم الدول العربية بإجراء إصلاحات داخلية تتواءم مع المتغيرات الدولية، في إطار استراتيجية عربية موحدة تعمل على خفض الفجوة الغذائية بها من ناحية وزيادة قدرتها على المنافسة الخارجية من ناحية أخرى؛ ولذا يجب الأخذ في الاعتبار بأن قضية الأمن الغذائي ليست قضية تخص دولة دون الأخرى، فالمشكلة تواجه جميع الدول العربية، فالتكامل الزراعي العربي أصبح ضرورة ملحة يجب الإسراع في خطواته لحماية الأمن الاقتصادي والغذائي العربي، مع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى غير العربية (الاتحاد الأوروبي).

لافتة إلى أن تحقيق الأمن الغذائي لأي مجتمع لا يقتضي بالضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي من جميع السلع والمنتجات الغذائية التي يحتاجها، فهذا نادراً ما يتحقق لكثير من الدول، خاصة النامية؛ لذا فعلى الدول العربية أن تكون قادرة على إنتاج النسبة الكبرى من الأغذية الأساسية لها، ثم تقوم باستيراد باقي احتياجاتها من الخارج، بشرط أن تكون لها القدرة (المالية- وليس قضيه الدعم للاستهلاك بل الإنتاج) على تمويل وارداتها ذاتيًّا دون اللجوء إلى الاقتراض من الآخرين، وهذا يتطلب تنمية وتنويع الصادرات العربية والاستفادة من الجوانب الإيجابية المرتبطة بمنظمة التجارة العالمية وتصدير السلع والمنتجات العربية، وخصوصاً الخضر والفاكهة، إلى أسواق الدول المتقدمة.

ولفتت الدراسة إلى أن الإنتاج الزراعي هو الأساس في المشكلة، فلو واكبه تزايد في الطلب عليه لما كان هناك ما نسميه بأزمة الغذاء، مؤكدًا أن الدول العربية مجتمعة تملك كل المقومات التي تمكنها من بناء قاعدة زراعية قوية تكفل لها تحقيق نسب عالية للاكتفاء الذاتي من العديد من السلع الغذائية التي تحتاجها، كما أن الوطن العربي لديه الكثير من الموارد في الإنتاج الحيواني من مراعي وأعداد كبيرة من الحيوانات المنتجة وكميات لا بأس بها من موارد الإنتاج السمكي، ومثل هذه الموارد الزراعية العربية تتطلب ضرورة استغلالها بما يكفل تحقيق الأمن الغذائي للسكان العرب.

ودعت الدراسة إلى تغيير وجه الزراعة العربية بشكل جذري والاستفادة من التقدم التكنولوجي في مختلف المجالات (الهندسة الوراثية، تكنولوجيات الري الحديث والزراعة المحمية، التكنولوجيا الحيوية والتكنولوجيا الميكانيكية والكيميائية وغيرها) في تطوير وزيادة الإنتاج الزراعي العربي، وهذا يتطلب ضرورة العمل على إنشاء وتطوير المعاهد البحثية العربية؛ حتى يمكن تكوين قاعدة تكنولوجية عربية تساهم في الإنتاج الغذائي عامة والزراعي خاصة.

وشددت الدراسة على أن يكون التحرك في اتجاه تحقيق الأمن الغذائي العربي مصاحبًا للإسراع في إصلاح السياسات الاقتصادية في القطاع الزراعي وضرورة تشجيع إقامة المشروعات الزراعية الكبيرة المشتركة بين الدول العربية، حيث يعد أسلوب المشروعات المشتركة أداة فعالة في تهيئة المناخ لكي يقوم القطاع الخاص العربي بدور فعال في هذا المجال، وتيسير انتقال عناصر الإنتاج، وخاصة عنصري العمل ورأس المال، وإزالة القيود والعوائق التي تحول دون انتقال هذه العناصر بين بلدان الدول العربية بحرية كاملة.

وربطت الدراسة بين الأمن الغذائي والأمن المائي، والذي يعاني الوطن العربي حاليًّا من وجود عجز به، حيث إنه لا يكفي لتلبية الاحتياجات الاستهلاكية، كما يعاني من تهديدات من خارج الحدود السياسية لأقطار الوطن العربي؛ بسبب أن 67% من الموارد المائية العربية تتحكم في منابعها دول غير عربية، الأمر الذي يقتضي أن تعيد الدول العربية مجتمعة ترتيب أوراقها وتنسيق جهودها لحماية مواردها المائية وترشيد استهلاكها، وذلك لضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي والاقتصادي والغذائي لسكانها.

وشددت الدراسة على أنه لن يكون هناك تحقيق للاكتفاء الذاتي العربي ما لم تصاحبه إجراءات وسياسات لخفض معدلات النمو السكاني المرتفع من خلال برامج تنظيم الأسرة، وفي نفس الوقت رفع مستوى الوعي الاستهلاكي الحالي للسلع والمنتجات غير الضرورية، مطالبة بأن تكون تلك الأمور موضع اعتبار عند تخطيط أي استراتيجية عربية موحدة للمساعدة  في تحقيق الأمن والاستقرار الغذائي العربي، لتقليل اعتماد المنطقة العربية على الدول الأجنبية في توفير الغذاء والكساء لسكانها، مما يقلل من المخاطر الخارجية التي تهدد الأمن والاستقرار العربين ويحقق التكامل العربي المنشود.

تصميم وتطوير