الموقف الروسي تجاه سوريا في المضمون والتبعات والمفاعيل

04.10.2015 08:50 PM

وطن - كتب العميد أمين حطيط: أحدثت روسيا في موقفها الأخير من سورية وجرأتها في الإعلان عنه جهاراً، صدمةً لكلّ مكونات وعناصر جبهة العدوان على سورية، صدمةً قادت البعض إلى الارتباك والذهول، والبعض الآخر إلى مراجعة الموقف وإعادة رسم الخطط والنظر بالاستراتيجيات المعتمَدة ضدّ سورية ومحور المقاومة.

لقد صاغت روسيا موقفَها من سورية بشكل مُتقَنٍ مركَّبٍ من عناصر أو عناوين ثلاثة متكاملة. العنوان العسكري وفيه تقديم مساعدة عسكرية نوعيّة ومؤثرة للجيش العربي السوري ترفع من مستوى قدراته وكفاءاته في مواجهة الإرهاب، الثاني ديبلوماسي سياسي، وفيه رفض تجاوز الشعب السوري في اختيار مسؤوليه وتشكيل السلطة تحت أيّ ضغط خارجي، والثالث استراتيجي دولي وفيه الاتجاه نحو تشكيل جبهة دولية لمحاربة الإرهاب بشكل جدّي تكون نواتها مكوّنات محور المقاومة والعراق وروسيا.

لقد أرست روسيا موقفها من سورية ومن العدوان عليها على مبدأين رئيسيين شكّلا المنطلق الصلب لقوة هذه الموقف:

ــــــ الأول التمسك بالشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي التي يتضمّنها بشكل خاص ميثاق الأمم المتحدة القاضي باحترام السيادة الوطنية للدول ورفض التدخل أو الدخول في نطاقها السيادي من غير إذنها أو من غير تكليف من الأمم المتحدة يصدر تحت الفصل السابع.

ـــــ والثاني العمل بحق الدفاع المشروع عن النفس، وهو الحق الذي ضمّنته كلّ المواثيق الدولية ونصّت عليه صراحة قواعد القانون الدولي، ويجد تطبيقه الواسع في الحالة السورية من وجهة روسيا بعد أن تأكد وجود 1500 إرهابي من الشيشان والقوقاز يحملون الجنسية الروسية ويمارسون الإرهاب على الأرض السورية وعلى اتصال بعائلاتهم في روسيا من اجل تجنيد المزيد منهم لإرسالهم إلى سورية والاستعداد بعد ذلك للعمل الإرهابي داخل روسيا.

وعلى هذا الأساس يُفهم الموقف الروسي، الموقف الذي تمارس روسيا فيه حقاً وتحترم شرعية دولية، وبالتالي لا تسمح لأحد أن يناقشها فيه، ويبدو أنّ روسيا أبلغت كلّ من تحرك باتجاهها مبدياً قلقاً أو ملمّحاً إلى اعتراض، أو عارضاً «رشوة من أي نوع كانت»، أبلغت كلّ هؤلاء بأنّ موقفها هذا هو موقف نهائي اتخذ بعد طول دراسة ومراقبة وتمحيص. وهو غير قابل للمراجعة خاصة أنها وضعت هي بذاتها الضوابط لأعماله بشكل يحفظ قوته ويحقق أهدافه من دون أن ينزلق بعيداً عن مقاصده الأساسية، ولكي نكون أكثر صراحة ووضوحاً، فإننا نتصوّر بأنّ روسيا ألزمت نفسها بما يلي:

1 ـ دعم الحكومة السورية في حربها ضدّ الإرهاب بكلّ فصائله وعناوينه في الميدان السوري، من دون تمييز على الطريقة الأميركية المخادعة بين إرهاب معتدل يُسمّى معارضة أو إرهاب متطرف متفرّع من تنظيم «القاعدة» وأشباهه. ففي النظرة الروسية أنّ كلّ من يحمل السلاح ضدّ الجيش العربي السوري وقوات الحماية الشعبية السورية إنما هو إرهابي مواجهته واجبة.

2 ـ صياغة المساعدة العسكرية الروسية لتشمل الخبراء والسلاح والتجهيزات والخدمات الاستعلامية مع عناصر الحماية المباشرة في مرحلة أولى وفي مرحلة ثانية وبعد أن تمّت موافقة المجلس الفدرالي الروسي على قيام الجيش بمهام عسكرية في الخارج، يكون تقديم الدعم الناري الجوي الفاعل من دون أن يكون في لوائحها أو مراحلها المخططة حالياً عمل عسكري بري يوجب تحرك الجيش الروسي على الأرض السورية للدخول في اشتباك مباشر مع الإرهابيين، لكن لا يُستبعَد أن يُعاد النظر في هذا القيد في مرحلة لاحقة إذا اقتضى الأمر، بخاصة إذا جرى تحرّش بالقوات الروسية لدى قيامها بمهام الدعم والإسناد للجيش العربي السوري.

3 ـ تجنّب الاحتكاك بأيّ قوة دولية ناشطة في المحيط السوري بما في ذلك التحالف الدولي بقيادة أميركا التي تزعم أنها شكلته لقتال «داعش»، أو «إسرائيل» التي تدّعي قلقاً من المساعدة الروسية النوعية للجيش العربي السوري وحلفائه في محور المقاومة. وضمن هذه النقطة نرى أن لا ينتظرنّ أحد إقدام روسيا على المشاركة بشكل مباشر في حماية الحدود السورية ضدّ الاعتداءات «الإسرائيلية»، أو التصدّي لطيران التحالف الذي يخرق السيادة السورية بذريعة ضرب «داعش». كما لا يتوقعنّ أحد أن يكون لروسيا دور في المقاومة التي تشكلت في الجولان ضدّ «إسرائيل»، سواء في ذلك لدعمها أو لكبحها.

ضمن هذا المضمون وهذه الضوابط تأتي المساعدة العسكرية الروسية محصّنة بموقف روسي سياسي استراتيجي صُلب، وتطرح السؤال الكبير حول مفاعيلها ونتائجها في الميدان في المنطقة، هنا لا بدّ لنا من أن نواجه الأمر بدقة وموضوعية لتحديد ذلك.
بداية يجب ألا ننسى أنّ محور المقاومة تمكّن خلال السنوات الخمس الماضية، أن يفشل كلّ الخطط والمناورات التي وضعت لإسقاط سورية، ولم تكن المساعدة العسكرية الروسية بالحجم الذي باتت عليه، واليوم فإنّ قدرات سورية ومحورها في إفشال ما يستجدّ من خطط وما تتجه إليه أميركا وحلفاؤها من مناورات باتت أكبر وأكثر فعالية، وهي بلغت وفقاً لما نراه وعملاً بقواعد المنطق والتحليل الاستراتيجي الصحيح، حداً يستحيل معه تحقيق شيء من أهداف العدوان، بخاصة تلك الأهداف الثلاثة المعلنة: إسقاط النظام لنقل سورية إلى موقع استراتيجي معاكس عبر إخراج الرئيس الأسد من موقعه، إسقاط سورية كدولة وتحويلها إلى دولة واهنة فاشلة من غير مؤسسات أو قدرات، والثالث تفكيك سورية إلى مناطق وأشباه دول طائفية أو عرقية.

إنّ من شأن المساعدة الروسية إذاً، وبالشكل الذي ظهرت فيه وأكده المسؤولون الروس بدءاً بالرئيس بوتين، أن تراكم القوة الدفاعية عن سورية في الميدان وتكسر الأحادية التي تُصرّ أميركا على إرسائها في المنطقة والعالم، حيث إنها في مقابل تحالف أميركي مزيّف لقتال «داعش»، تمكّن من صياغة تحالف دولي فاعل لمحاربة الإرهاب، ثم أنها في مقابل نزعة أميركية لتجاوز الشعب السوري وسيادته، تؤكد أنّ لسورية وحدها الحق في اختيار حكامها من دون أن يشارك أحد شعبها في هذا الحق، وأخيراً تؤكد أنّ فتح مخازن الأسلحة والذخيرة الروسية لتضاف لمثيلاتها الإيرانية أمام الجيش العربي السوري يؤدّي إلى الحكم مسبقاً بفشل حرب الاستنزاف التي أرادتها اميركا طويلة لإنهاك سورية بعد أن عجزت عن إسقاطها.

وأخيراً يُطرح السؤال حول نتائج الموقف الروسي على العلاقات الدولية؟ هنا نقول إنه ومع استبعادنا لأيّ احتكاك روسي مع أيّ من مكونات العدوان الدوليين، خاصة أميركا و«إسرائيل»، وتصوّرنا بأنهما ومَن معهما من حلفاء في جبهة العدوان يعلمون جيداً أنّ الموقف الروسي هو موقف دفاعي جدّي اعتُمد للتطبيق وليس للمناورة وأن ليس من مصلحة أحد تطوير النزاع إلى سقف أعلى مما هو عليه الآن، ومع ذلك نرى انّ المواجهة في سورية دخلت مع هذه المساعدة النوعية وتطبيقاتها الميدانية مرحلة جديدة تتواجه فيها جبهتان دوليتان، أولى معتدية بقيادة أميركية، وثانية مدافعة بقيادة جماعية من روسيا ومحور المقاومة العراق وقريباً الصين، مواجهة لن تصل إلى الاحتكاك الناري بل قد تكون عنصر ضغط على المعتدين للتوقف عن عدوانهم والدخول في تفاوض يؤدّي إلى وضع حدّ لأزمات المنطقة، نقول بذلك من دون أن نعير اهتماماً لتهديد وزير خارجية بني سعود بالتدخل العسكري في سورية، وهو تهديد يثير السخرية من دون شك
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير